الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فائدة (كان يفعل):
قال الشيخ في "الشرح"(ص/106): (وقوله: (والفعل بأقسامه يفيد الإطلاق فلا عموم له): الفعل بكل أقسامه يفيد الإطلاق فليس له عموم إلا بقرينة ولهذا إذا قلت: صام زيد يوم الاثنين، فلا يدل هذا على أنه يصوم كل اثنين!! إنما يدل على أنه صام يوم الاثنين فقط ولو مرة واحدة، لكن إن وجد قرينة فتعم، كما لو قيل: كان يصوم يوم الاثنين، فكلمة:"كان" تفيد الاستمرار غالبًا، ونقول: فإن العموم منها بلفظ "كان "
…
).
وقال الشيخ في منظومته في أصول الفقه وقواعده:
وكانَ تَأتي للدَّوَامِ غالباً
…
وليس ذا بِلازِمٍ مُصَاحِباً
واعلم أن العلماء اختلفوا في صيغة الفعل المضارع إذا دخلت عليه "كان" ماذا تفيد على خمسة أقوال:
الأول - أنها تفيد التكرار، وقد اختلف القائلون بهذا فجزم القاضي أبو بكر بأنها تقتضيه لغة، ونقل أبو الحسين في المعتمد عن عبد الجبار أنها تقتضيه عرفا لا لغة، وقال المرداوي في "التحبير" (5/ 2439):(وهو قوي جدا).
الثاني - المواظبة والدوام.
الثالث - العموم.
الرابع - مطلق الفعل (1).
الخامس - أنه لا تقتضي التكرار لا لغة ولا عرفا، واختاره في المحصول وقال النووي في شرح مسلم إنه المختار الذي عليه أكثر المحققين من الأصوليين.
وجميعها أقوال في المذهب (2)
(1) ذكر هذا مجد الدين في المسودة (ص/104) فقال بعد أن نقل أقوال أبي يعلى، والكلوذاني في المسألة:(فصارت الأقوال ثلاثة مطلق الفعل والعموم والتكرار).
(2)
وغالب أقوال الأصحاب بأنها تقتضي التكرار، أو لا تقتضيه بدون تفصيل بين اللغة والعرف إلا ما كان من المرداوي كما سبق النقل عنه، انظر: أصول ابن مفلح (1/ 843)، التحبير (5/ 2436)، شرح الكوكب (3/ 215)، وانظر أيضا: البحر المحيط (2/ 327)، الكوكب الساطع (ص/172) تشنيف المسامع (1/ 350)، حاشية العطار على جمع الجوامع (2/ 24)، حاشية البناني على جمع الجوامع (1/ 425)، شرح مسلم للنووي (9/ 68)، وأضواء البيان (1/ 289).
وقد توسع الشيخ الأشقر في عرض الأقوال الثلاثة الأول وناقشها فقال في "أفعال الرسول"(1/ 489): ((كان يفعل) والمراد به الفعل المضارع الذي دخلت عليه كان إذا عبّر به الصحابي عن شيء من أفعال النبي صلى الله عليه وسلم، فهل هي دالة على مجرد وقوع الفعل منه، أم على التكرار والمواظبة، وهل تدل على العموم؟
ا- التكرار:
أما دلالتها على التكرار، فذلك واضح لا خفاء به. وقال ابن دقيق العيد: (يقال: كان فعل كذا، بمعنى أنه تكرر منه فعله وكان عادة له، كما يقال: كان فلان يقري الضيف.
وقد اختلف الأصوليون من أين جاءت الدلالة على التكرار: فقيل من (كان)، وهو ظاهر كلام الشاطبي
…
وبه قال ابن الحاجب.
وقيل من مجموع كان والفعل المضارع. وهو ظاهر كلام المحلى. ونقله صاحب تيسير التحرير.
وقيل من الفعل المضارع وحده. وهذا عندي هو الصحيح من هذه الأقوال. فإن المضارع وحده يدل على التكرار والعادة المستمرة، كقولهم فلان يقري الضيف، وينفق ماله في أبواب الخير. وقد يدل على المرة الواحدة لكن بشرط استمراره برهة قبل زمن التكلم حتى وقت التكلم. فإذا جاءت (كان) قبل المضارع نقلت معنى التكرار من الحاضر إلى الماضي، ولم تزد على ذلك، فمن أين جاءت بالتكرار؟
وأيضا: لو أنها دلت على التكرار مع المضارع لدلت عليه مع الفعل الماضي لكنها لم تدل عليه، كما في قوله تعالى:(وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ)[الأحزاب: 15] لا يعني أنهم عاهدوه أكثر من مرة.
وقد ذكر ابن دقيق العيد أنه يجوز أن تستعمل (كان يفعل) لإفادة مجرد وقوع الفعل، وذلك صادق بالمرة الواحدة، فلا يدل على التكرار. لكنه يقول: الأول- وهو إفادة التكرار - أكثر في الاستعمال.
وأشار إلى ذلك أيضا صاحب تيسير التحرير، فإنه قال: إن إفادة (كان يفعل) التكرار أكثرية لا كلية.
وعندي أن إفادة (كان يفعل) للمرة الواحدة، حق، ولكن في بعض المواقع دون بعض. فإنا قد ذكرنا أن المضارع المجرّد من (كان) قد يدل على المرة إن كان الفعل مستمرا إلى زمن التكلم، فإذا دخلت عليها (كان) أفادت ذلك الاستمرار في الزمن الماضي إلى لحظة معينة من الماضي. ومثاله أن تقول:(الخطيب يتكلم الآن على المنبر) فإذا أردت نقل ذلك إلى الماضي مع استمرار الفعل إلى وقت معين، تقول مثلَا: دخلت المسجد وكان الخطيب يتكلم.
فهذا استعمال آخر غير الاستعمال الأول، ولكل منهما موضعه، ولا يتوارد الاستعمالان على موضع واحد.
وعلامة هذا النوع أن يذكر أمر كالدخول في المثال السابق، ويكون الفعل سابقا له مستمراً إليه. فما عدا هذا النوع تكون دلالته على التكرار كلية لا أكثرية فقط. فهذا تو ضيح لما في كلام ابن دقيق العيد من الإجمال.
2 -
المواظبة والدوام:
ومعناه عدم تخلل الترك. فهو أخص من التكرار. فإن تكرار الشيء هو فعله مرتين أو ثلاثاً أو أكثر، وهو واضح في (كان يفعل). أما الدوام الذي لا يتخلله ترك، فقد ادعاه في هذا التركيب (كان يفعل) بعض الحنابلة، ونسبه ابن تيمية (1) إلى أبي يعلى وأبي الخطاب الحنبليين. واستدل به أبو يعلى على الوجوب، وقال في حديث عبدالله بن زيد في استيعاب مسح الرأس:(هذا إخبار عن دوام فعله، وإنما يداوم على الواجب) ويعني بالدوام ما لم يتركه ولو مرة
…
الذي أريد هنا بيانه أن (كان يفعل) لا تدل على الدوام، وإنما تدل على التكرار والعادة الماضية.
ودليلنا على أن (كان يفعل) لا تدل على الدوام، أنها تدل في الماضي على ما يدل عليه (يفعل) في الحاضر، وقولنا (زيد يقري الضيف) لا يدل على أن قراه للضيف لا
(1) انظر كلام المجد في المسودة (ص/104).
يتخلف البتة، بل يدل على أن عادته وأغب أحواله أن يقري الضيف. فكذلك (كان يقري الضيف) تدل على مثل ذلك في الماضي.
3 -
العموم:
وقد ادعى الكثيرون أن (كان يفعل) تدل أيضا على العموم في أقسام الفعل وأوجهه.
وهي غير مسألة دلالة هذا التركيب على المواظبة فان المواظبة تعني تكرار الفعل دائماً عند تكرر المناسبات، وأما العموم فأن يفعله بجميع أقسامه، وعلى جميع الأوجه من الهيئات أو الأماكن أو غير ذلك.
وروى القول بالعموم في صيغة (كان يفعل)(1) أبو يعلى، وهو ظاهر كلام الأمدي (2).
وقد روى البخاري الحديث (كان صلى الله عليه وسلم يجمع الصلاتين في السفر) فقال البعض بأن ذلك يعم الجمع في السفر القصير، وفي السفر الطويل.
وقول من ادّعى العموم مردود بما قال ابن قاسم في شرح الورقات: (يمكن أن يجاب بأن كان يفعل، وإن أفادت التكرار، فان كل مرة من مرات التكرار لا عموم فيها، لأنها إنما تقع في أحد السفرين، فالمجموع لا عموم فيه، إذ المركب مما لا عموم فيه لا عموم فيه. واحتمال أن بعض المرات في أحد السفرين، وبعضهما في الآخر، غير معلوم ولا ظاهر (3). فصار اللفظ مجملاً بالنسبة للسفر القصير كما أشار إليه الشيخ أبو إسحاق في اللمع)
…
).
(1) انظر المرجع السابق نفس الموضع.
(2)
قال الآمدي في "إحكامه"(2/ 272): (قول الراوي كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع بين الصلاتين في السفر فإنه يحتمل وقوع ذلك في وقت الأولى ويحتمل وقوعه في وقت الثانية وليس في نفس وقوع الفعل ما يدل على وقوعه فيهما بل في أحدهما، والتعين متوقف على الدليل. وأما وقوع ذلك منه صلى الله عليه وسلم متكررا على وجه يعم سفر النسك وغيره فليس أيضا في نفس وقوع الفعل ما يدل عليه بل إن كان ولا بد فاستفادة ذلك إنما هي من قول الراوي كان يجمع بين الصلاتين. ولهذا فإنه إذا قيل كان فلان يكرم الضيف يفهم منه التكرار دون القصور على المرة الواحدة).
(3)
الإمام الجويني في الورقات ومن شرحها كالشيخ العبادي وغيره يتكلمون هنا على رد دعوى العموم في الأفعال، وما يجرى مجراها كالقضايا، قال المارديني في "الأنجم الزاهرات على حل ألفاظ الورقات" (ص/142):(قال: (والعموم من صفات النطق، فلا يجوز دعوى العموم في الأفعال، وما يجري مجراها). أقول: يشير إلى أن العموم لا يكون إلا في الملفوظ، فلا يؤخذ من الأفعال كما يقال: إنه عليه السلام ' جمع في السفر بين صلاتين ' فلا يؤخذ من فعله العموم؛ لأن السفر قد يكون طويلاً وقد يكون قصيراً، فعلم أن الفعل لا يفيد العموم بل لابد من النطق
…
).
نعم الأفعال لا توصف بالعموم، وصيغة (كان يجمع) لا تعم بذاتها وقتي الصلاتين المجموعتين ولا تعم كل سفر كسفر النسك، وغيره - كما سيأتي بإذن الله كلام ابن النجار عند الكلام على مسألة (الفعل المثبت لا يعم)، ولكن العموم قد يستفاد من غيرها كما في إعمال أل الاستغراقية في قوله (السفر)، وعليه فهذا المثال الذي ذكره فيه نظر بالنسبة لشموله للسفر الطويل والقصير، وإيضاحه في مقدمتين:
الأولى - أن سلمنا أن (كان يفعل) تفيد التكرار كما قال أبو قاسم العبادي نفسه في "شرح الورقات"(ص/245): (والأولى أن يجاب بأنا سلمنا التكرار
…
).
الثانية - بإعمال العموم في أل الاستغراقية في قوله: (السفر) ليشمل السفر القصير والطويل.
والنتيجة أن الجمع بين الصلاتين تكرر في عموم السفر سواء أكان طويلا أم قصيرا.
وأما جعله اللفظ مجملا بالنسبة للسفر القصير فهذا فيه إهمال لدلالة العام وتعطيل لها مع عدم وجود مخصص، وسوف يأتي قريبا بإذن الله مناقشة ذلك عند قول الماتن (يجب العمل بعموم اللفظ العام حتى يثبت تخصيصه). وقد راجعت شرح الشيخ العثيمين على التعبيرات الواضحات على شرح الورقات فوجدته في الشريط السادس الوجه الثاني قد وافق الشيخ على أن فعله صلى الله عليه وسلم لا يوصف بالعموم ولكنه ذكر أن هذا المثال الذي ذكره فيه نظر، وفيه تعطيل للعموم في كلمة السفر، فالحمد لله على توفيقه.
ومن تتبع الأدلة الشرعية الوارد فيها استعمال صيغة (كان يفعل) يجد أن بعضها يدل على عدم التكرار، والبعض يدل على التكرار، وقد رأيت البعض يقول أن الأصل فيها أن تستعمل للمرة الواحدة، والتكرار يحتاج لدليل، والبعض يعكس ويقول أنها تستعمل للتكرار إلا لدليل.
قال النووي في "شرح مسلم"(6/ 21): (المختار الذي عليه الأكثرون والمحققون من الأصوليين أن لفظه كان لا يلزم منها الدوام ولا التكرار وإنما هي فعل ماض يدل على وقوعه مرة فإن دل دليل على التكرار عمل به وإلا فلا تقتضيه بوضعها وقد قالت عائشة رضي الله عنها كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لحله قبل أن