الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومما يرجح اعتبار قولهم (1):
أن إنكارهم للقياس لا يعني خروجهم من دائرة العلماء؛ لأنهم مجتهدون توفرت فيهم جميع أدوات الاجتهاد، كما أنه يلزم من عدم الاعتداد بخلافهم عدم الاعتداد بخلاف منكري حديث الآحاد - مطلقا أو في وقائع معينة - ومنكري العمل بالحديث المرسل، ومن يرى نسخ القرآن بالسنة، ومنكري العموم، وغير ذلك من صور عدم العمل ببعض آحاد الأدلة المتفق عليها من الكتاب والسنة.
حجية الإجماع:
قال الشيخ في "الأصل"(ص/64): (الإجماع حجة لأدلة منها:
1 -
قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ)[البقرة: 143]، فقوله:(شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) يشمل الشهادة على أعمالهم وعلى أحكام أعمالهم والشهيد قوله مقبول.
2 -
قوله تعالى: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ)[النساء:59] دل على أن ما اتفقوا عليه حق.
3 -
قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تجتمع أمتي على ضلالة).
4 -
أن نقول: إجماع الأمة على شيء إما أن يكون حقّاً وإما أن يكون باطلاً، فإن كان حقّاً فهو حجة، وإن كان باطلاً فكيف يجوز أن تجمع هذه الأمة التي هي أكرم الأمم على الله منذ عهد نبيها إلى قيام الساعة على أمر باطل لا يرضى به الله؟! هذا من أكبر المحال).
الخلاف في حجية الإجماع خلاف ضعيف، وجماهير أهل العلم من لدن الصحابة رضي الله عنهم والتابعين والأئمة الأربعة ومن بعدهم من أهل العلم على الاحتجاج به ولزوم حجيته.
وخالف في ذلك النظّام والقاشاني من المعتزلة، وأكثر الخوارج.
- وجه الاستدلال بالآية الأولى:
قال الطوفي في "شرح مختصر الروضة"(3/ 15): (قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ
(1) انظر: الاعتداد بخلاف الظاهرية في الفروع الفقهية "دراسة تأصيلية" للدكتور/عبد السلام بن محمد الشويعر.
أُمَّةً) وَسَطًا «أي: عدولا» خيارا، كذلك قال أئمة أهل اللغة والتفسير
…
قوله تعالى: (لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ)[البقرة: 143] أي: لتشهدوا يوم القيامة على الأمم أن أنبياءهم بلغوهم أمر الله تعالى بالتوحيد وأحكامه، فدل على أن المراد بالوسط من تقبل شهادته، خصوصا في ذلك اليوم، على ذلك الخلق العظيم: وهو العدل وإذا ثبت أن الوسط في الآية الكريمة هو العدل، فالاستدلال بها من وجهين:
أحدهما: أن وصفهم بالعدالة في سياق المدح، وإنما يحسن المدح إذا كانوا على الصواب في أقوالهم وأفعالهم، وذلك يوجب أن ما اتفقوا عليه يكون صوابا.
الوجه الثاني: أن الوصف بالعدالة، إما لكل واحد منهم أو لمجموعهم، والأول باطل قطعا، لوجود آحاد الفساق فيهم كثيرا، فتعين الثاني، وهو أن الوصف بالعدالة لمجموعهم، وذلك يقتضي أن ما يقولونه مجتمعين عليه حق وصواب، لأن قائل غير الحق والصواب يكون كاذبا، والكاذب لا يكون عدلا
…
).
- وجه الاستدلال بالآية الثانية:
وهي قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ)[النساء: 59]:أنه تعالى أمر في الآية بالرد إلى الله ورسوله، أي الكتاب والسنة، بشرط وجود التنازع في الحكم بين المؤمنين؛ ليرتفع التنازع ويحصل الاتفاق بينهم، وذلك يدل على أنه إذا لم يوجد التنازع بل كان الحكم مجمعا عليه فلا يجب الرجوع إلى الكتاب والسنة؛ لانعدام المشروط بشرطه، بل يكتفى بالإجماع عنهما، فكان الإجماع حجة، يجب العمل به كالكتاب والسنة.
ومن أقوى الأدلة على حجية الإجماع قوله تعالى: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا)[النساء: 115]، وجه الاستدلال بها أنه سبحانه توعد بالنار من اتبع غير سبيل المؤمنين، وذلك «يوجب إتباع سبيلهم» وإذا أجمعوا على أمر، كان سبيلا لهم
، فيكون إتباعه واجبا على كل واحد، منهم ومن غيرهم، وهو المراد بكون الإجماع حجة (1).
وقد أورد البعض على الاستدلال بهذه الآيات بعض الاعتراضات الضعيفة، فلا حاجة لذكرها (2).
- وجه الاستدلال بقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تجتمع أمتى على ضلالة).
وفي معنى هذا الحديث أحاديث أخرى كثيرة تشهد لمعناه.
وكلمة: (ضلالة) نكرة في سياق النفي فتعم جميع الضلال من كفر وكل معصية، فإن ثبت انتفاء اجتماع الأمة على خطأ، صار ما اجتمعت عليه حقا واجب الإتباع.
قال الشيخ في "الأصل"(ص/65): (إجماع الأمة على شيء إما أن يكون حقّاً وإما أن يكون باطلاً، فإن كان حقّاً فهو حجة، وإن كان باطلاً فكيف يجوز أن تجمع هذه الأمة التي هي أكرم الأمم على الله منذ عهد نبيها إلى قيام الساعة على أمر باطل لا يرضى به الله؟! هذا من أكبر المحال).
وفي الباب أدلة أخرى من المنقول والمعقول دالة على حجية الإجماع، وفيما تقدم كفاية.
ولنتوقف قليلا مع بعض الشبه التي عرضت للمخالف، ومنها:
قال عرض الشيخ على الراشدي في رسالته: (الإجماع عند الإمام النووي)(1/ 123) لبعض هذه الشبه فقال:
(الشبهة الأولى - قوله تعالى: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ)[النساء: 59] ولم يذكر الإجماع ولو كان حجة لذكره.
الشبهة الثانية - قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه حين بعثه إلى اليمن قاضيا: (كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟ قال أقضي بكتاب الله، قال: فإن لم تجد في كتاب الله، قال: فبسنة رسول الله، قال: فإن لم تجد
…
؟ قال: أجتهد رأي ولا آلو؛ فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره وقال:
(1) شرح مختصر الروضة (3/ 15).
(2)
انظرها في الأحكام للآمدي (1/ 170)، والمحصول (4/ 46) ورسالة "الإجماع عند الأصوليين" للشيخ سيد أشرف (ص/53).
الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله)، ولم يذكر الإجماع؛ فدل على أنه ليس بحجة.
الشبهة الثالثة - قوله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: (لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم بعضكم رقاب بعض) ومن أجاز رجوعهم إلى الكفر لا يكون إجماعهم حجة.
الشبهة الرابعة - يستحيل أن يجوز الخطأ على الواحد من الأمة، ولا يجوز على جماعتهم، كما يستحيل أن يكون كل واحد منهم مصيبا وجماعتهم غير مصيبين.
والجواب عن الشبهة الأولى: أن الرد إلى الله والرسول إنما يكون عند الاختلاف، وأما عند الإجماع فلا رد.
وعن الثانية: أنه لم يذكر الإجماع؛ لأنه لا إجماع في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
وعن الثالثة: لعله أراد بعض الأمة، او المراد كفر دون كفر، كما هو قول السلف.
وعن الرابعة: أن جواز الخطأ في حال الانفراد، وأما في حال الاجتماع فإنهم معصومون).
ويقال أيضا في الجواب عن الشبهة الثانية أن الحديث ضعيف لا يثبت (1).
(1) إسناده ضعيف - أخرجه أبو داود في "سننه"(3/ 303) حديث رقم (3592)، والترمذي في "سننه"، (3/ 616) حديث رقم (1327، 1328)، أحمد في "مسنده"(5/ 236، 242)، والدارمي في "سننه"(1/ 72) حديث رقم (168)، والطبراني في "الكبير"(20/ 170) حديث رقم (362)، والبيهقي في "الكبرى" (10/ 114) - كلهم - من طريق شعبة عن أبي عون عن الحارث بن عمرو عن رجال من أصحاب معاذ عن معاذ رضي الله عنه به. قال الترمذي:"هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه وليس إسناده عندي بمتصل"، والحديث قال عنه الشيخ الألباني في " الضعيفة " (2/ 273) حديث رقم (881): منكر.