الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذه المسألة ليست من مسائل «الروضة» ومعناها أنه إذا صح التمسك بقياس الشبه، فهل المعتبر بالشبه الحكمي، أو بالشبه الحقيقي، أو بما غلب على الظن أنه مناط الحكم منهما؟ فيه ثلاثة أقوال:
مثال الشبه الحكمي: شبه العبد بالبهيمة في كونهما مملوكين، والملك أمر حكمي.
ومثال الشبه الحقيقي: شبهه بالحر في كونهما آدميين وهو وصف حقيقي.
قال القرافي: أوجب ابن علية الجلسة الأولى قياسا على الثانية في الوجوب، وهذا شبه صوري لا حكم شرعي.
مثال الثالث: أنا ننظر في البنت المخلوقة من الزنى، فهي من حيث الحقيقة ابنته، لأنها خلقت من مائه، ومن حيث الحكم أجنبية منه، لكونها لا ترثه ولا يرثها، ولا يتولاها في نكاح ولا مال، ويحد بقذفها، ويقتل بها، ويقطع بسرقة مالها، فنحن ألحقناها ببنته من النكاح في تحريم نكاحها عليه نظرا إلى المعنى الحقيقي، وهو كونها من مائه، والشافعي ألحقها بالأجنبية في إباحتها له نظرا إلى المعنى الحكمي، وهو انتفاء آثار الولد بينهما شرعا فقد صار كل من الفريقين إلى اعتبار الوصف الذي غلب على ظنه أنه مناط الحكم في الأصل، وهذا هو الأشبه بالصواب، لأن الظن واجب الاتباع، وهو غير لازم أبدا للشبه حكما، ولا للشبه حقيقة، بل يختلف باختلاف نظر المجتهد، فيلزم كل واحد منهما تارة، والله تعالى أعلم بالصواب.
واعلم أن قياس الشبه ينتفع به الناظر في استخراج الحكم دون المناظر لخصمه، لأن الخصم لو منع حصول الظن من الوصف الشبهي، لاحتاج المستدل إلى بيان اشتماله على المصلحة، ولا طريق له إلى ذلك إلا السبر والتقسيم. وحينئذ يبقى قياس الشبه واسطة لاغية لا أثر لها) (1).
قياس العكس:
قال الشيخ: (قياس العكس: وهو: إثبات نقيض حكم الأصل للفرع لوجود نقيض علة حكم الأصل فيه).
ومثل له في "الأصل"(ص/74) بقوله: (ومثلوا لذلك بقوله صلى الله عليه وسلم:
(1) انظر في قياس الشبه: الواضح (2/ 55)، والعدة (4/ 1325)، وغيرهما.
(وفي بضع أحدكم صدقة). قالوا: يا رسول الله! أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها
أجر؟ قال: (أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر). فأثبت النبي صلى الله عليه وسلم للفرع وهو الوطء الحلال نقيض حكم الأصل وهو الوطء الحرام لوجود نقيض علة حكم الأصل فيه، أثبت للفرع أجراً لأنه وطء حلال، كما أن في الأصل وزراً لأنه وطء حرام).
وقال في "الشرح"(ص/552): (فإن قيل: قياس العكس فهو على غير القياس لغة واصطلاحًا، ففي اللغة هو المساواة، وفي الاصطلاح: تسوية فرع بأصل لعلة جامعة، وهذا نقيض حكم الأصل، فكيف يسمى قياسًا؟
قلنا: قياس العكس ليس قياسا مطلقًا، وهو قياس صحيح، والرسول صلى الله عليه وسلم استعمله لكنه لا يدخل في القياس عند الإطلاق، فليس قياسًا مطلقًا بل هو كاسمه:"قياس العكس ").
عرفه المرداوي في " التحبير"(7/ 3125 (: (هو تحصيل نقيض حكم المعلوم في غيره لافتراقهما في علة الحكم)(1).
قال القاضي أبو يعلى في " العدة"(4/ 1414): (الاستدلال بالشيء من طريق العكس صحيح، كالاستدلال به على وجه الطرد.
وهو مثل استدلالنا على طهارة دم السمك بأنه يؤكل دمه، فدل ذلك على طهارته. ألا ترى أن سائر الحيوانات التي كانت دماؤها نجسة لم تؤكل بدمائها.
ومثل استدلالنا على قراءة السورة غير مسنون في الأخريين، أنه لو كان من سنة القراءة فيها قراءة السورة لوجب أن يكون من سنته الجهر بها. ألا ترى أن الأوليين لما كان من سنتها قراءة السورة كان من سنتها الجهر.
ومثل استدلالنا على أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم غير مسنون في التشهد الأول، أنه لو كان من سنته الصلاة لكان من سنته الدعاء. ألا ترى أن التشهد الأخير، لما كان من سنته الصلاة، كان من سنته الدعاء
…
).
وقال المرداوي في "التحبير" (7/ 3128 (: (قال البرماوي: في حجية قياس
(1) انظر شرح الكوكب المنير (4/ 8).
العكس، خلاف وكلام الشيخ أبي حامد يقتضي المنع، لكن الجمهور على خلافه.
قال أبو إسحاق الشيرازي في ' الملخص ': ' اختلف أصحابنا في الاستدلال به على وجهين، أصحهما - وهو المذهب - أنه يصح، استدل به الشافعي في عدة مواضع. والدليل عليه: أن الاستدلال بالعكس استدلال بقياس مدلول على صحته بالعكس، وإذا صح القياس في الطرد وهو غير مدلول على صحته، فلأن يصح الاستدلال بالعكس وهو قياس مدلول على صحته أولى '. قال البرماوي:(ويدل عليه أن الاستدلال به وقع في القرآن والسنة وفعل الصحابة: فأما القرآن: فنحو قوله تعالى: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا)[الأنبياء: 22]. فدل على أنه ليس إله إلا الله لعدم فساد السموات والأرض. وكذلك قوله تعالى: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا)[النساء: 82]. ولا اختلاف فيه فدل على أن القرآن من عند الله بمقتضى قياس العكس. وأما السنة: فكحديث: (يأتي أحدنا شهوته ويؤجر؟ قال أرأيتم لو وضعها في حرام؟ - يعني: أكان يعاقب؟ - قالوا: نعم، قال: فمه!).
فقاس وضعها في حلال فيؤجر على وضعها في حرام فيؤزر بنقيض العلة. وأما الصحابة رضي الله عنهم ففي ' الصحيحين ' عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله قال: (من مات يشرك به شيئاً دخل النار، وقلت أنا: ومن مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة). وفي بعض أصول مسلم روي عن النبي: (من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة. قال: وقلت أنا: من مات يشرك به شيئاً دخل النار). قلت: والذي يغلب على الظن أن هذا اللفظ في البخاري. وكل منهما يحصل به المقصود، ولم ينكر ذلك أحد من الصحابة عليه. لكن رواهما مسلم عن جابر مرفوعاً، فلا حاجة إلى القياس. ويجمع بين الروايتين أنه عند ذكر كل لفظة كان ناسياً للأخرى كما جمع به النووي. فظهر بذلك كله أنه حجة
…
) (1).
(1) انظر: المسودة (ص/379)، شرح مختصر الروضة (3/ 222)، شرح الكوكب المنير (4/ 400).