الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بيان أن الخلاف لفظي إذا دلت قرينة على الحكم:
قال المرداوي في " التحبير"(5/ 2247) بعد أن رجح أنه للإباحة: (النهي يدل على التحريم فورود الأمر بعده يكون لرفع التحريم وهو المتبادر، فالوجوب أو الندب زيادة لا بد لها من دليل).
ثم قال (5/ 2252) بعد أن ذكر الأقوال في المسألة: (تنبيه: قال الكوراني: هذا الخلاف إنما هو عند انتفاء القرينة (1)، وأما عند وجودها فيحمل على ما يناسب المقام بلا خلاف. انتهى).
هذا التعليل من المرداوي يشعر بأن الإباحة المستفادة من الأمر بعد الحظر قد لا تكون حكما نهائيا إذا دل الدليل على غيرها، وهذا ما صرح به من كلام الكوراني.
ويشعر بأن الخلاف بين المذهبين لفظيا فكون وجوب قتال الكفار مستفاد من رفع الحظر وعود الأمر إلى ما كان عليه قبل الحظر أو من دليل آخر بعد استقرار الأمر على الإباحة المستفادة من الأمر بعد الحظر، فكلا المذهبين اتفقا مآلا من حيث النظر في الأدلة لمعرفة حكم قتال المشركين قبل الحظر، أو بعد الإباحة.
وقد رأيت الشيخ عياض السلمي أشار إلى نحو ما اخترته فقال في " أصول الفقه الذي لا يسع الفقيه جهله"(ص/263) بعد أن رجح القول الأول بأنه للإباحة: (وأما قول شيخ الإسلام ابن تيمية: إن الأمر بعد الحظر يعيد الفعل إلى ما كان عليه قبل ورود الحظر، فقد نسب للمزني، واختاره بعض المتأخرين، وقد يفسر به قول بعض المتقدمين كالقفال الشاشي، وهو قريب من حيث التطبيق من القول الأول، وفيه جمع بين الآيات التي جاء فيها الأمر بعد الحظر وحملت على الإباحة، مثل: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} [الجمعة: 10]، والآيات التي جاء فيها الأمر بعد الحظر وحملت على الوجوب، نحو: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5]).
ما كان جوابا لما يتوهم أنه محظور:
قال الشيخ في "الأصل"(ص/26): (ومثاله جواباً لما يتوهم أنه محظور؛ قوله
(1) أي الأدلة التي تدل على أن الأمر للندب أو الوجوب.
صلّى الله عليه وسلّم: (افعل ولا حرج)، في جواب من سألوه في حجة الوداع عن
تقديم أفعال الحج التي تفعل يوم العيد بعضها على بعض).
وقال في "الشرح"(ص/162): (هذا الأمر وقع جوابا لما يتوهم أنه محظور فلا يكون للاستحباب ولا للطلب ولكنه للإباحة).
لم أقف على من ذكر هذه القاعدة غير الشيخ رحمه الله ومن وجهة نظري أن معنى هذه القاعدة أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم إنما يكون لدفع توهم الحظر، وبيان المشروعية، لا لمجرد كون الأمر مباحا.
ومن الأمثلة الدالة على أنه قد يرد مرادا به الوجوب: قوله صلى الله عليه وسلم لأصحابه عندما تحرجوا من التحلل من العمرة: (هذه عمرة استمتعنا بها فمن لم يكن عنده الهدي فليحل الحل كله فإن العمرة قد دخلت في الحج إلى يوم
القيامة) (1).
فقوله: (فليحل) لبيان وجوب التحلل من العمرة لمن كان متمتعا، ودفعا لتوهم الحظر فقد كانوا يعتقدون حظر العمرة في أشهر الحج فبين لهم النبي الجواز ودفع عنهم هذا التوهم.
التهديد:
قال في الأصل: (التهديد كقوله تعالى: (اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)، (مَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً)، فذكر الوعيد بعد الأمر المذكور دليل على أنه للتهديد).
قال ابن النجار في شرح الكوكب (3/ 23) وهو يتكلم عن المعاني التي ترد لها صيغة الأمر: ((و) الحادي عشر: كونها بمعنى (تهديد) نحو قوله تعالى (اعملوا ما شئتم) وقوله تعالى (واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم). (و) الثاني عشر: كونها بمعنى (إنذار) نحو قوله تعالى (قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار) وقد جعله قوم قسما من التهديد، وهو ظاهر البيضاوي، والصواب المغايرة.
(1) رواه مسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.