الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
، الداعي، المستدعي، الحامل، المناط، الدليل، المقتضي، الموجب المؤثر. وزاد غيره: المعنى، وكل ذلك اصطلاح سهل).
قال الشيخ العروسي في "المسائل المشتركة"(ص/289): (والقول المحقق أن إطلاق اسم الأمارة والعلامة والمعرف والباعث والموجب صحيح كما أن من سماها السبب والداعي والمستدعي والحامل والمناط والدليل والمقتضي والموجب والمؤثر كذلك صحيح، ولكن من سماها أمارة وعلامة، ولم يجعلها إلا مجرد ذلك، وسلبها التأثير فقوله باطل
…
وقد يكون من أطلق على العلة اسماً من هذه الأسماء فقد راعى بعض أوصافها الشهيرة أو المميزة، كمن سماها المناط، لأن الحكم ناط بها أي تعلق، ومن سماها المقتضى لاقتضائها الحكم، ولكن بعضاً من هذه التسميات مراعى فيها مخالفة المعتزلة الذين يقولون أن العلة تؤثر في الحكم بذاتها، وقد بالغوا أحياناً في رد بعض هذه التسميات كما تعسفوا في تأويل بعضها مما ورد استعماله من قبل الذين استعملوها من علماء هذا الفن).
تعريفها
(1):
اعلم أن العلماء اختلفوا في تعريف العلة اختلافا كبيرا على أقوال متعددة تبعا لاختلاف مشربهم العقدي.
وقد عرفها الشيخ العثيمين في "شرح نظم الورقات"(ص/188) بقوله: (الوصف المناسب للحكم الجامع بين الأصل والفرع)، وهذا أدق من تعريف الباب إلا أنه أيضا ينقصه بعض القيود وسوف يتضح ذلك من خلال التعريف الذي سوف أذكره بإذن الله.
وقد عرفها المرداوي في "التحبير"(7/ 3177) بأنها: (وصف ظاهر منضبط معرف للحكم).
وقد اعتمد الشيخ السلمي هذا التعريف إلا أنه زاد فيه أن الدليل هو الذي دل على أن هذا الوصف مناط للحكم، فعرفها بأنها: (وصف ظاهر منضبط دل الدليل على
(1) انظر في تعريف العلة: روضة الناظر (ص/276)، شرح مختصر الروضة (3/ 315)، التحبير (7/ 3177)، شرح الكوكب المنير (4/ 39)، مباحث العلة في القياس عند الأصوليين (ص/70: 102)، نقض العلة عند الأصوليين وأثره في الفقه (ص/3 " 36).
كونه مناطا للحكم) وتعريف الشيخ السلمي جيد وقد ذكر في كلامه مذاهب العلماء في بيان أثر العلة في الحكم، وسوف أنقله لدقته واستيعابه، قال - حفظه الله - في "أصوله" (ص/146): (العلة في اللغة: المرض، أو هي تغير المحل.
وفي الاصطلاح اختلف في تعريفها، وأحسن ما قيل في تعريف العلة، أنها:«وصف ظاهر منضبط دل الدليل على كونه مناطا للحكم» .
ومعنى قولهم: (وصف) أي: معنى من المعاني، ولهذا كثر في كلام الأصوليين والفقهاء إطلاق المعنى على العلة، بل إن المتقدمين لا يكادون يذكرون (العلة) بل (المعنى).
وقولهم: (ظاهر): قيد يخرج الوصف الخفي الذي لا يطلع عليه إلا من قام به، مثل الرضى في البيع، فإنه لا يعلل به وإنما يعلل انعقاد البيع بقول الشخص بعت أو قبلت، فالنطق بالصيغة وصف ظاهر، ولهذا جعل هو العلة في انعقاد البيع.
قولهم: (منضبط)، الوصف المنضبط هو الذي لا يختلف باختلاف الأفراد ولا باختلاف الأزمنة والأمكنة.
ومثلوا لغير المنضبط بالمشقة إذا قيل: علة الفطر في السفر المشقة، فإن المشقة تختلف باختلاف الأفراد والأزمان والأمكنة.
ومثلوا للمنضبط بالسفر إذا عللنا جواز الفطر به.
وقولهم: (دل الدليل على كونه مناطا للحكم)، أي: قام دليل معتبر من الأدلة الدالة على العلة على أن هذا الوصف علة الحكم.
ومعنى قولهم: (مناطا للحكم) أي: متعلَّقا للحكم، بمعنى أن الحكم يعلق على هذا الوصف فيوجد بوجوده ويعدم بعدمه.
وهذا التعريف يصلح لجميع المذاهب مع اختلافهم في أثر العلة، وذلك أن العلماء اختلفوا في أثر العلة في الحكم على ثلاثة مذاهب:
1ـ مذهب المعتزلة: أن العلة لها أثر في ثبوت الحكم، فهي المثبتة للحكم، كما أن العلة العقلية هي المثبتة لحكمها، فكما نقول: التسويد علة لكون المحل أسود، والأكل علة للشبع، والشرب علة للري، نقول: اختلاف الوزن علة لتحريم بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة مع التفاضل، وهكذا.
2 ـ مذهب الأشاعرة: أن العلة ليس لها أثر في وجود الحكم، وإنما هي علامة مجردة عليه، والحكم يسند لله وحده لا للعلل.
3 ـ المذهب الثالث: أن العلة لها أثر في الحكم، ولكن ليست مؤثرة بذاتها، بل الله جل وعلا هو الذي جعلها مؤثرة، وهذا القول هو اللائق بمذهب السلف؛ لأنه مقتضى نصوص القرآن والسنة، كقوله تعالى:(مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ)[المائدة: 32]، وقوله:(كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ)[الحشر: 7]، وقوله:(فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ)[الزخرف: 55].
وهذا خلاف نقل إلى أصول الفقه من خلافهم في علم الكلام؛ فإن المعتزلة يثبتون الأسباب ويجعلونها مؤثرة بنفسها، أو يسندون التأثير إليها، والأشعرية ينكرون أثر الأسباب ويجعلون المؤثر هو الله وحده، والأسباب والعلل عندهم ليست إلا علامات على أن الله أراد وجود المسبب، فالمعتزلة يقولون: النار محرقة بذاتها، إلا إن أراد الله أن يسلبها هذه الخاصية فإنه على كل شيء قدير، والأشعرية يقولون: النار لا تكون محرقة إلا إذا أراد الله لها ذلك.
والقول الحق في ذلك هو الجمع بين القولين، فلا ننكر أثر الأسباب والسنن التي جعلها الله في الكون لعمارته وبقائه، وفي الوقت نفسه لا نقول إن ذلك يكون بغير إرادة الله وتدبيره، بل نقول: العلل والأسباب لها تأثير، ولكن تأثيرها ليس بذاتها، بل الله جل وعلا هو الذي جعلها كذلك، وبهذا لا نكون أثبتنا خالقا مع الله، بل الله خالق كل شيء فهو خالق الأسباب والمسببات.
ومذهب المعتزلة والماتريدية أقرب إلى مذهب السلف من مذهب الأشاعرة في هذه المسألة.
وقد بنى الأشاعرة مذهبهم في كون العلة مجرد علامة، على مذهب فاسد وهو عدم تعليل أفعال الله، وهذا يناقض كثيراً من نصوص القرآن والسنة، كقوله تعالى:(مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا)[المائدة: 32]، وقوله تعالى:(لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ)[الحديد: 23]، وقوله (كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ) [الحشر: 7].
وهو أيضا يناقض ما ذكروه في مواضع من باب القياس
…
).
وقد بين هذا التناقض وذكر جوابهم عنه الشيخ العروسي حيث قال في "المسائل المشتركة"(ص/272): (وبعض هؤلاء النافين للتعليل والحكمة اضطروا إلى إثباته والقول به في الأمر والنهي، ولكنهم يجعلون التعليل في الأمر والنهي- أي الحكمة والمصلحة فيها- تعودان إلى العباد وحدهم دون أن تكون هناك حكمة تعود إلى الله سبحانه، بل صرح القرافي أنه لم يُدَّعَ التعليلُ إلا في الشرع، وأما الخلق فليس فيه مصلحة للخلق حتى يقال فيه بالتعليل، لأن الكلام في الفقه ومسائله يقتضي القول بالتعليل لأنها مصالح للخلق، فاثبتوا الأحكام بالعلل، والعلل بالمناسبات والمصالح، ولم يمكنهم الكلام في الفقه إلا بذلك لتوقف القياس عليها، ولكنهم جعلوا اقتران الأحكام بتلك العلل والمناسبات اقترانا عاديًا غير مقصود في نفسه، والعلل والمناسبات أمارات لذلك الاقتران.
قال ابن التلمساني: ويمتنع جعل العلة الشرعية مؤثرة على أصلنا، فإن الحكم الشرعي يرجع عندنا إلى خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال العباد على وجه مخصوص، وخطابه وكلامه سبحانه وتعالى قديم، والقديم لا يعلل، فضلًا عن أن يعلل بعلة حادثة، ولأن العلة في الخمر- الإسكار، وهو متحقق قبل التحريم.
وإن اعترف بعضهم بوجود هذه الحكم والمصالح في بعض الأحكام، ولكن ذلك في زعمه إنما وجدت على سبيل الجواز والتفضل. يقول القرافي في هذا المعنى:"وأما كون الزنا قطعيًا، وتحريمه من ضروريات الدين فمسلم، غير أن إباحته جائزة على الله تعالى، فله سبحانه وتعالى أن يراعي الأصلح للعباد وأن لا يراعيه، غير أن عادته- تعالى- التفضل على عباده بشرع تحصيل المصالح ودرء المفاسد على سبيل التفضل ".
وقد استشكل بعضهم إثبات تعليل الأحكام، لأنه يصادم الأصل المشهور بنفي التعليل كما حصل لإبن الحاجب عند الكلام على دليل العمل بالسبر والتقسيم، فإنه نقل إجماع الفقهاء على أنه لابد للحكم من علة، وهذا معارض للأصل المشهور وهو نفي العلل في الخلق والأمر. وشعر بعضهم بالحرج أن يقول خلاف الأصل الذي سار عليه الأشعري، ورأى في التأويل مخرجًا فقال: إن الأدلة لا تدل على إثبات التعليل