الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال المرداوي في "التحبير"(3/ 1454): (ما كان من أفعاله مختصا به فواضح. وله خصائص كثيرة، وذكرها أصحابنا وغيرهم في كتاب النكاح، وأفردت بالتصانيف. قال الإمام أحمد رضي الله عنه: (خص النبي بواجبات، ومحظورات، ومباحات، وكرامات)(1).
قال الشيخ الأشقر في "أفعال الرسول"(1/ 262) ما ملخصه: (بعض الأفعال التي كان يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم هي مما أبيح له خاصة من دون سائر المؤمنين، أو وجب عليه دونهم؛ وبعض ما حرم عليه، حرم عليه خاصة من دونهم. وهذا النوع من الأفعال داخل فيما يسمى الخصائص النبوية.
الخصائص التي تدخل في موضوع بحثنا:
لا يدخل في بحثنا الآتي، ما شاركته أمته صلى الله عليه وسلم فيه وانفردوا به عن سائر الأنبياء وأممهم؛ لأن الغرض بيان ما تقتدي به الأمة فيه من أفعاله صلى الله عليه وسلم، والذي تشاركه فيه الأمة أمره واضح لا خفاء به.
وأيضا لا يدخل في بحثنا ما كان من الخصائص في أفعاله صلى الله عليه وسلم في الآخرة، لخروجها عن نطاق التكليف.
ولا يدخل ما كان صفة من صفاته البدنية، كخاتم النبوة، وسائر ما ليس من أفعاله صلى الله عليه وسلم.
فانحصرت الخصائص النبوية التي سنبحثها في هذا الفصل، هي ما كان حكماً شرعيا لفعل من أفعاله صلى الله عليه وسلم، في هذه الدنيا، مما ينفرد به عن أمته، سواء شاركه فيه غيره من الأنبياء، أو لم يشاركه فيه منهم أحد.
عدد الخصائص:
ذكر صاحب كشف الظنون أن السيوطي ذكر في والخصائص الكبرى أنه تتبع الخصائص عشرين سنة حتى زادت عنده على الألف. وهو قد قصد أن يكون كتابه: "مستوعبا لما تناقلته أئمة الحديث بأسانيدها المعتبرة،
…
أورد فيه كل ما ورد ".
غير أنه لم يلتزم الصحة، إنما التزم أن لا يذكر خبراً في ذلك موضوعاً. ويفهم من
(1) انظر شرح الكوكب (2/ 178).
ذلك أنه لم يلتزم ترك الضعيف من الأخبار، فورد في كتابه أخبار ضعيفة كثيرة. بل ادعى محقق الكتاب أن السيوطي لم يلتزم بشرطه في تنزيه كتابه عن الأخبار الموضوعة.
وبعض ما ذكره من الاختصاص دعوى لا سند لها.
فلو أن ما جعله من الخصائص عرض على ميزان النقد لما ثبت منه في تقديري أكثر من ثلث الألف أو ربعه. وهذا في الخصائص بصفتها العامة.
أما ما اختص به صلى الله عليه وسلم في أحكام أفعاله، فإن بعض فقهاء الشافعية والمالكية ذكروها في مؤلفاتهم في أوائل كتاب النجاح، لما كان كثير من خصائصه صلى الله عليه وسلم هي في باب النكاح.
وأوله من استطرد إليها المدني صاحب الشافعي رضي الله عنهما.
وقد ذكرها القرطبي المالكي بالتفصيل، وحصرها في 37 خاصة، قال: إن منها المتفق عليه، والمختلف فيه. وذكرها السيوطي، فجعلها 65 خاصة. وذكرها الرملي الشافعي في شرح المنهاج فجعلها 47 خاصة.
ولعله ما يصح دليله من كل ما ذكر قريب من خمس عشرة خاصة لا أكثر.
منها في الواجبات: التهجد بالليل، وتخيير نسائه.
ومنها في المحرمات: تحريم الزكاة عليه وعلى آله، وتحريم أكل الأطعمة الكريهة الرائحة، وتحريم التبدل بأزواجه.
ومنها في الجائزات: خُمس خُمسِ الغنيمة، وخُمس الفيء، والوصال، والزيادة على أربع نسوة، وسقوط القسم بين زوجاته، والقتال بمكة.
الاستدلال بأفعاله صلى الله عليه وسلم الخاصة به في الأحكام المماثلة:
إذا ثبتت الخصوصية في فعل من أفعال النبي صلى الله عليه وسلم فإنها تقتضي أن حكم غيره ليس كحكمه وذلك إجماع، إذ لو كان حكمه حكم غيره لما كان للاختصاص معنى.
ثم إنه وأن امتنعت مشاركتنا للنبي صلى الله عليه وسلم في خصوصياته، فإن للاقتداء به فيها وجهاً واضحاً، فإنه إذا امتنع من أكل الثوم والبصل لكونهما محرمين عليه خاصة، فيتجه أن يقال: إن من اقتدى به في الامتناع من ذلك يؤجر، ويكون في
حقه مكروهاً وإذا وجب عليه تخيير نسائه إذا بدا منهن الضيق، استُحِبَّ ذلك لغيره.
يرى أبو شامة أن الاقتداء به صلى الله عليه وسلم ممنوع في ما أبيح له خاصة، لدلالة الخصوصية على امتناع ذلك قي حقه غيره.
وأن الاقتداء به صلى الله عليه وسلم على سبيل الاستحباب ثابت فيما فعله على سبيل الوجوب، وفي ترك ما تركه على سبيل الحرمة.
فيندب لنا على هذا القول: فعل ما فعله يكن مما اختص به من الواجبات، ويندب لنا التنزه عما تركه مما اختص به من المحرمات.
فخصوصيته صلى الله عليه وسلم -على هذا القول، إنما هي في تحتم الفعل أو الترك بالنسبة إليه، والمشاركة بيننا وبينه هي في أصل مطلوبية الفعل أو الترك المقتضية للاستحباب أو الكراهة، وتمتنع المشاركة في ما زاد على ذلك وهو تحتّم الفعل أو الترك، لدلالة الخصوصية على هذا الامتناع.
وقال أبو شامة: إن ما ذكره "لا نزاع فيه لمن فهم الفقه وقواعده، ومارس أدلة الشرع ومعاقده ومعانيه".
وقد نقل الشوكاني بعض كلام أبي شامة، ووافقه على ما ذهب إليه ونقله قبله الزركشي في البحر وأقره. إلا أن الشوكاني قيد هذه المسالة بأنه إذا علم بدليل قوي الحكم في حقنا فهو المعتمد، فإن عارض القول ما يستفاد من هذه القاعدة يقدًم الدليل القولي.
ما يختص به صلى الله عليه وسلم في أفعال غيره:
وذلك ما شرعه الله تعالى من الأحكام من فعل غيره بسببه صلى الله عليه وسلم، تعظيما لمقامه ورفعاً لشأنه. ومنه أنه لا يرثه أحد من أقاربه ولا زوجاته، ومنه أن ما تركه من ماله صدقة، وأنه لا يحل لأحد نكاح زوجاته بعده، وأنهن أمهات المؤمنين، ومن فعل منهن معصية يضاعف لها العذاب ضعفين، ومن يقنت منهن لله ورسوله فلها الأجر مرتين، وتحريم رفع الصوت فوق صوته، والكذب عليه عمدا كبيرة، ويجب القتل عله من سبه أو هجاه.
هل يصح تعدية هذه الخصائص إلى غير النبي صلى الله عليه وسلم:
ينقل عن بعض الصوفية أنه ادعى لنقسه في أتباعه أشياء من مثل هذا النوع من