الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تاريخ إجمالي لعصر الخلفاء من الصحابة:
بعد وفاته صلى الله عليه وسلم بويع أبو بكر الصديق بإجماع الصحابة إلّا من شذَّ، فقام بالأمر أكمل قيام، وكان بعض العرب ارتدَّ وبعضهم منع الزكاة، فأجبر الكل على الرجوع إلى الجادة بقوة إيمان المؤمنين، وثباته وحكمته، وجمع الكلمة وأزال كل خلاف داخلي، ثم شرع في فتوح الشام والعراق، وجمع القرآن في المصحف بإشارة من عمر، وذاك أهم أصول الفقه، توفي بعد النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين وثلثة أشهر وثمانية أيام.
وعهد بالخلافة لعمر:
فوقع إجماعهم عليه أيضًا، وتبع خطته في الفتح والعدل والشورى، توفي بعد عشر سنين وستة أشهر ونصف من ولايته شهيدًا، بعدما أوصل الإسلام من نهر مرو في الشرق إلى طرابلس الغرب في أفريقيا، وتقدَّم لنا في ترجمته تنظيماته لدولة الإسلام، ويأتي في اجتهاده شيء آخر.
وتولى بعده بإجماع من الصحابة عثمان بن عفان الأموي.
فزادت الفتوح شرقًا وغربًا، شمالًا وجنوبًا، وبقي في الخلافة اثنتي عشرة سنة غير عشرة أيام.
وهو الذي عدَّد نسخ القرآن في المصاحف وفرَّقه على عواصم الإسلام كما يأتي، ووقعت حركة ثورية، في شطر أيامه الأخير بسبب جعله الولايات في بني أمية، وظهور بعض الظلم من بعضهم بغير شعور منه لكبر سنه، فتألَّب بنو هاشم ضدهم، كما تألّبت جماعات شريرة سرية من الفرس واليهود حسدوا الإسلام
الذي أخرج أمرهم من يدهم واستولى على ملكهم، وكان رئيسهم عبد الله بن سبأ اليهودي، فاجتمعوا من العراق ومصر بالمدينة، وحاصروه بداره إلى أن قتلوه ظلمًا رحمه الله.
وتولَّى بعده علي بن أبي طالب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزوج فاطمة ابنته عليها السلام.
واختلفت عليه الصحابة فثار عليه أولًا الزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله، وعائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، والتفّوا حولها في البصرة مطالبين بدم عثمان؛ حيث أن قتلته انضمّوا لعلي في جملة من بايعه، فتوجّه علي إلى الكوفة، وجرَّد سيف فأخضعهم وسكَّن فتنتهم، ورجعت عائشة للمدينة، واستشهد طلحة والزبير -رحمهما الله، وكان للكل في ذلك رأي يعذر به، والمجتهد إذا أخطأ كان له أجر واحد.
كما ثار معاوية في الشام مطالبًا بدم عثمان أيضًا، ومعه عمرو بن العاص وكثير من الصحابة، فوقعت وقائع صفين في حدود الشام والعراق، وانجلت عن فوز معاوية وتضعضع علي وحزبه.
وثار عليه الخوارج من حزبه فوقع الانشقاق عليه من أهل جبيشه وشيعته بسبب التحيكم الذي كان معاوية طلبه، وساعده علي بطلب من حزبه، وقبوله التحكيم مع كونه الإمام الشرعي، فشلٌ في السياسة وقبولٌ للخلع حقيقة كما لا يخفى، لذلك لما اجتمع الحكمان في دومة الجندل وهما أبو موسى الأشعري من جهة علي، وعمرو بن العاص من جهة معاوية، أعلن أبو موسى حكمه بعزل علي ومعاوية معًا وتولية عبد الله بن عمر بن الخطاب طبق ما أعلم به هو عمرو بن العاص في السر، لكن عمرو سكت ولم يصرّح له بقبول ولا ردّ، وإن راجعه أولًا وطلب منه تولية ولده عبد الله، فلم يقبل أبو موسى متعللًا بأنه اشترك معه في حرب صفين، غير أنه لما نطق عمرو بن العاص بحكمه أعلم بعزل علي، ولكن أقر معاوية، وحصل تشاجر بين الحكمين، ثم ذهب عمرو للشام وبايع معاوية
وبايعه الناس، ولم يزل أمره في ازدياد وعصبيته في قوة، وتفرّق أصحاب عليٍّ ثلاث فرق:
فرقة ضده وضد معاوية وهم الخوارج، ينقمون على عليٍّ التحكيم، وعلى عثمان أثرته لأهل بيته بالولايات حتى تسبَّب عن ذلك صيرورة الخلافة إلى ملك وعصبية، وعلى معاوية ما كان له العصبية، ويرون أن الخلافة تكون شوريّة النظر فيها لعقلاء الأمة، لا تتعين في بيت ولا شخص، ولا يعترفون بالسلطة الشخصية، وهؤلاء يردون الأحاديث الورادة من طريق عثمان وعلي ومعاوية ومَنْ كان مِنْ حزبهم، كما يردون أقوالهم في الفقه ولا يعملون إلا بقليل من السنة، ولهم أقوال فقهية ومسائل على مقتضى مبدئهم؛ يجوزن الخروج عن الأئمة لمجرد الفسق، بل يكفرون بالمعاصي. وفرقة شيعة علي المتغالون فيه وفي أهل بيته، حتى وإن منهم من وصفه بالنبوءة، ومنهم من قال بألوهيته، وهؤلاء لا يقبلون إلّا ما ورد عن علي وآل بيته من أحاديث وفقه ويردون سواها، ولهم فقه مخصوص بهم، ووضعوا أحاديث كثيرة تؤيد مذهبهم، وهؤلاء أكثر كذبًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من غيرهم، وأكثرهم كفار روافض. الفرقة الثالثة: هم الجمهور الذين كانوا مع علي ومعاوية ثم معاوية بعده، وهم الذين تمسّكوا بالسنن الصحيحة، وفضحوا كذب الكذابين، ومحَّصوا الحق وذبُّوا عن الشريعة حتى أبقوها سالمة لم تؤثر عليها خيالات الضالين ولا انتحال المبطلين.
وبقي أمر معاوية يشتد إلى أن قُتِلَ علي في الكوفة غدرًا بعد أربع سنين وتسعة أشهر وعشرة أيام.
وبويع لولده الحسن سبط الرسول.
ثم تنازل بعد ستة أشهر، واجتمعت الكلمة لمعاوية، وبايعه الكافّة في ريبع الأول سنة إحدى وأربعين، هذا زمن الخلافة التي هي أشبه بجمهورية مؤقتة بوفاة الرئيس الذي قال فيه عليه السلام فيما رواه أحمد، والترمذي، وأبو داود، والنسائي، وابن حبان، وغيرهم، عن سفينة مولى النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعًا:
"الخلافة ثلاثون سنة ثم ترجع ملكًا"، ثم يقول سفينة: أمسك خلافة أبي بكر سنتين، وخلافة عمر عشرة، وعثمان اثنتي عشرة سنة، وعلي ستة1.
وروى الدرامي عن أبي عبيدة ومعاذ مرفوعًا: "إن هذا بُدِئ نبوة ورحمة، ثم يكون خلافة ورحمة، ثم ملكًا عاضًّا، ثم يكون جبرية وعتوًّا وفسادًا في الأرض" الحديث2.
وروى أحمد والبيهقي عن النعمان بن بشير مرفوعًا: "تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله تعالى، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله، ثم تكون ملكًا عاضًّا فيكون ما شاء الله أن كون ثم يرفعها الله تعالى، ثم تكون جبرية فيكون ما شاء الله أن يكون ثم يرفعها الله تعالى، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة" ثم سكت النبي صلى الله عليه وسلم. الحديث انظر المشكاة وشرحها3.
وقد بقى معاوية ملكًا تعضدة عصبية بني عبد شمس إلى وفاته سنة ستين، مدة عشرين سنة، فهذا زمن خلافة الصحابة، أما زمن وجودهم فيعتبر ممتدًا إلى آخر المائة الأولى، ويأتي إجمال تاريخ بقيته.
1 الترمذي في الفترة "4/ 503"، وقال: حديث حسن، وأبو داود في السنة "4/ 211"، وأحمد في مسنده "2205"، ولم أجده في النسائي.
2 وراه الدرامي في الأشربة من سننه "2/ 39"، عن أبي عبيدة بن الجراح، وروي عن معاذ وابن عباس. انظر مجمع الزوائد "5/ 189".
3 أحمد "4/ 273"، ورواه البزار والطبراني، قال الهيثمي: رجاله ثقات "5/ 189".