الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ترجمة عمار بن ياسر:
أبو اليقظان، العنسي1، المهاجري، حليف بني مخزوم، من السابقين الأولين، ممن عذِّب في ذات الله، كانت عليه السلام يمر به وهو يعذَّب هو وأمه، فيقول:"صبرًا آل ياسر" 2 وماتت أمه من ذلك التعذيب صابرة، شهد بدرًا والمشاهد كلها، قال عليه السلام:"إن عمارًا مليء إيمانًا إلى مشاشته" 3 وهو أحد أعلام الصحابة وفقائهم، ومن النجباء الأربعة عشر، استشهد في صفين عن تسعين سنة، وكان من حزب علي -رضي الله عن الجميع، عجبًا لصلابته في الدين، حتى شهد القتال في وقعتي الجمل وصفين وهو ابن تسعين، قال فيه عليه السلام:"عمَّار تقتله الفئة الباغية"4.
ومناقبه جمَّة رحمه الله، ولنمسك عمَّا وقع منه ضد عثمان، فذلك عن اجتهاد قيامًا بما رآه لصلاح أمته -رحمه الله5.
1 قال المؤلف رحمه الله: العنسي: بفتح المهملة وسكون النون، وعمَّار كشداد صيغة مبالغة، وياسر بكسر السين.
2 ذكره في الإصابة "7/ 713".
3 أخرجه النسائي في الإيمان "8/ 97"، وابن ماجه في المقدمة "1/ 52".
4 متفق عليه: البخاري في الصلاة "1/ 115"، ومسلم في الفترة "8/ 158".
5 عمار بن ياسر: مسند أحمد "4/ 262، 319"، طبقات ابن سعد "3/ 1/ 176"، التاريخ الكبير "7/ 25"، التاريخ الصغير "1/ 79، 84، 85"، والجرح والتعديل "6/ 389"، حلية الأولياء "1/ 139، 143"، والاستيعاب "8/ 225"، سير أعلام النبلاء "1/ 406"، تهذيب التهذيب "7/ 408"، والإصابة "7/ 64"، شذارت الذهب "1/ 45"، العبر "1/ 25، 38".
ترجمة حذيفة بن اليمان واسمه حسيل:
العبسي1 الكوفي، حليف بني عبد الأشهل، من الأنصار، من السابقين الأولين، صاحب سرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنافقين، أعلمه بما يكون من الحوادث والفتن، شهد أحدًا وما بعدها، واستشهد أبوه بها، روى مسلم عنه، أن كفار قريش أخذوه هو وأباه، فقالو: إنكم تريدون محمدًا، يعني وهو في
1 قال المؤلف رحمه الله: العبسي -بالباء الموحدة تحت، وحذيفة وحسيل مصغران أهـ.
بدر، فقلنا: لا نريد إلّا المدينة، فأخذوا منا عهد الله وميثاقه لننصر فنَّ إلى المدينة ولا نقاتل معه، فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرناه الخبر، فقال:"أنصرفا نفي لهم بعهدهم، ونستعين الله عليهم"1.
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم الكثير، والموجود له في كتب الحديث ينيف عن المائة حديث، وكان عمر يسأله عن الفتنة، وولّاه المدائن، فبقي بها إلى أن مات، وله أيادٍ في الإسلام بسيفه وعلمه، فقد فتح الدينور، وماسبذان، وهمدان، والري2، وهو الذي أشار على عثمان بنسخ المصاحف، وجمع الناس على مصحف واحد وتحريق ما سواه، وهذه خدمة للفقه تذكر فتشكر، كان عمر ينظر إليه في حضور جنائز المنافقين، فمن تخلَّف عن جنازته لم يشهدها عمر، قال فيه أبو الدرداء لعلقمة: أليس فيكم صاحب السر الذي لا يعلمه غيره، كما في الصحيحين3، توفي سنة "36" ست وثلاثين4.
1 أخرجه مسلم "5/ 176".
2 مدن مشهور، انظر معجم البلدان "2/ 545"، "3/ 116"، "4/ 410"، "4/ 41".
3 البخاري في فضائل ابن مسعود "5/ 35"، ولم أجد في مسلم.
4 حذيفة بن اليمان واسمه حسيل: ترجمته في الإصابة "2/ 44"، والاستيعاب "1/ 334"، وأسد الغابة "1/ 390".
ترجمة أبو ذر الغفاري جندب 1 بن جنادة:
في معالم الإيمان2 عنه أنه قال: صلليت قبل الإسلام بأربع سنين، قال له عبد الله بن الصامت3: من كنت تعبد؟ قال: إله السماء، أتوجه حيث وجهني الله.
والذي في صحيح مسلم بثلاث سنين، وفي رواية فيه: سنتين4قبل
1 قال المؤلف رحمه الله: جندب -بضم الجيم والدال وبفتح الدال أيضًا، وجنادة -بفتح الجيم وتشديد النون- هذا أشهر الأقوال في اسمه، واسم أبيه، وقد غلبت عليه الكنية أ. هـ.
2 معالم الإيمان في معرفة أهل القيروان، لعبد لرحمن الأنصاري الدباغ، ت سنة 696هـ.
3 عبد الله بن الصامت الغفاري البصريّ، أخذ عن عمِّه أبي ذر وعمر وعثمان. خلاصة الخزرجي "201".
4 مسلم "7/ 155".
مبعث النبي صلى الله عليه وسلم قال: أتوجه حيث يوجهني ربي: أصلي عشاء حتى إذا كان من آخر الليل ألقيت كأني خفاء، حتى تعلوني الشمس، الحديث.
من السابقين الأولين للإسلام، كان خمس الإسلام لأنه أسلم بعد أربعة، وقيل: بعد ثلاثة، وقصة إسلامه في الصحيحين1، وهاجر إلّا أنه بعد بدر وأحد، ولم يتيسر له شهودهما، ولا شهود الخندق، وقال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أبو ذر في أمتي على زهد عيسى بن مريم"2.
وقال أبو ذر: لقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يحرك طائر جناحه في السماء إلّا ذكرنا معه علمًا، وهو أول من حيي النبي صلى الله عليه وسلم بتحية الإسلام، وهي السلام عليكم، وذلك لما دخل عليه ليسلم، وروى ابن عبد البر عن أبي الدرداء، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر" 3، وقال فيه علي -كرم الله وجه: إنه وعاء مليء علمًا ثم أوكيء عليه.
قالوا: وكان يوازي ابن مسعود في العلم، ولذلك كان عمر ألحقه بأهل بدر في العطاء، وقال أبو ذر: كان قوتي علي عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعًا من تمر، فلست بزائد عليه حتى ألقى الله، وحكي عنه في معالم الإيمان4 أنه قال: إني أقربكم مجلسًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، فقد سمعته يقول:"أقربكم مني مجلسًا يوم القيامة مَنْ خرج من الدنيا كهيئة ما تركته فيها" ، وإنه والله ما منكم من أحد إلّا وقد تشبث منها بشيء غيري.
وكان بالشام، وهو ممن نشر فيه العلم والدين، وشكاه معاوية لعثمان؛ لأنه كان يرى وجوب التصدق5 بما زاد على القدر الضروري مما تقوم به الحياة، فقد
1 البخاري "5/ 59"، ومسلم "7/ 152".
2 أخرج الترمذي عن مالك بن مرثد، عن أبيه، عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق ولا أوفى من أبي ذر، شبه عيسى بن مريم عليه السلام
…
الحديث" قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، وقد روي بعض هذا الحديث فقال: "أبو ذر يمشي في الأرض بزهد عيسى بن مريم عليه السلام" "5/ 669".
3 الترمذي "5/ 669"، وابن ماجه "1/ 55".
4 انظر التعليق في الصفحة السابقة.
5 قال المؤلف رحمه الله: رأي أبي ذر هذا هو أصل المذهب الاشتراكي السائد اليوم في =
روى أبو يعلي بإسنادٍ فيه ضعف عن ابن عباس: أن أبا ذر كان يحدث ويقول: لا
= أوروبا، وكان الإسلم في ابتدائه على هذا المذهب، فكان مالهم كله لله ولرسوله، لا يملكون شيئًا لمكان الضرورة والقلة الداعية لذلك، وكانت مصلحة الدعوة للدين ونشره وإظهاره تدعو للاستعانة باموالهم وأنفسهم، فكانت أموالهم وأنفسهم كلها لله، يتصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها كيف يشاء، فقد أمرهم بالهجرة فهاجروا من مكة، وخرجوا عن مالهم وأولادهم، وفارقوا من بقي على الشرك من أزواجهم، وآخى بين المهاجرين أولًا في مكة، ثم آخى بينهم وبين الأنصار في المدينة، فكان المهاجري يرث الأنصاري وبالكعس، وفي مسلم عن أبي سعيد: بينما نحن في سفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاء رجل على راحلة له قال: فجعل يصرف بصره يمينًا وشمالًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له" قال: فذكر من أصناف المال ما ذكر حتى رأينا أنه لا حق لأحد منها في فضل، ومن ذلك ما في الصحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء الارض، وفيه أيضًا: نهي أن يؤخذ للأرض أجر أو حظ، وفيه أيضًا:"من كانت له أرض فليزرعها، أو ليرزعها أخاه ولا يكرها"، وفي لفظ البخاري:" فليزرعها أو ليمنحها، فإن لم يفعل فليمسك أرضه" ، فهذا هو أصل الاشتراكية المعتدلة. لكن الجمهور على ان ذلك قد نسخ بجعل الإرث للقرابة ومن يستحقه في كتاب الله، وبفرض جزء من المال معين وهو الزكاة لا يجب على مسلم غيره، وتقررت الملكية الناسخة للاشتراكية، لكن أبو ذر لا يرى نسخ الحكم، وكان يلبس مثل ما كان يلبس مملوكه، كما يدل لذلك حديث الصحيح، ولهذا أنكر عليه معاوية، وبسبب ذلك خرج من الشام إلى الربذة إلى أن مات بها رحمه الله*.
* قال فضيلة الشيخ عبد العزيز القارئ: هذا مما سبق التنبيه عليه، والمؤلف هنا أعوزه الحذر وفارقه التحقيق، ونحن نأخذ عليه أمرين في عجالته هذه: أولهما: أن أبا ذر رضي الله عنه لم يوافقه معظم الصحابة على اجتهاده في فهم آية الكنز، وعلى رأسهم الخليفتان الراشدان عثمان وعلي، ولذلك لم ينكر أحد على عثمان لما نفاه إلى الربذة، ولعل مكمن الخطأ في اجتهاده رضي الله عنه أنه أراد أن يحمل الأمة على أمر لما يلزمها بها لشارع الحكيم، إذ لم يلزم الإسلام أحدًا أن يوزع فضول ماله على الناس، وإنما أوجب عليه حقًّا معلومًا من ماله هو الزكاة، فمتى أداها طاب له ما بقي من ماله، ولم يعد كنزًا، عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: كنت ألبس أوضاحًا من ذهب، فقلت: يا رسول الله، أكنز هو؟ فقال:"ما بلغ أن تؤدي زكاته فزكي فليس بكنز" رواه أبو داود "2/ 95"، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزلت هذه الآية: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} قال: كبر ذلك على المسلمين، فقال عمر: أنا أفرج عنكم، فانطلق، فقال: يا نبي الله، إنه كبر على أصحابك فرض المواريث لتكون لمن بعدكم
…
الحديث" أبو داود "2/ 126".
وأما ادعاء المصنف أن أموال المسلمين في ابتداء الإسلام كانت كلها بيد الرسول صلى الله عليه وسلم يتصرف بها كيف يشاء، فإنها كانت كذلك ولكن لا على سبيل المصادرة والتأميم، وإنما كان يندبهم =
يبين عند أحدكم دينار ولا درهم إلّا ما ينفقه في سبيل الله أو يعده لغريم. فكتب معاوية إلى عثمان: إن كان لك بالشام حاجة فابعث إلى أبي ذر، وروى الطبري أن جعل يقول: يا معشر الأغنياء واسوا الفقراء، بشِّر الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله بمكاوي تكوى بها جباهم وجنوبهم وظهورهم. فما زال حتى ولع الفقراء بمثل ذلك وأوجبوه على الأغنياء، وحتى شكا الأغنياء ما يلقون من الناس، فكتب معاوية إلى عثمان في ذلك. رأى معاوية أن ذلك داع للفتنة فوجه عليه عثمان، ثم كان في الربذة منتبذًا الخلق زاهدًا عابدًا إلى أن مات، وفي مسلم1 عن الأحنف بن قيس قال: قلت لأبي ذر: ما لك ولإخوانك من قريش، لا تعتريهم وتصيب منهم؟ قال: لا وربك لا أسألهم دنيا، ولا أستفتيهم عن دين حتى ألحق بالله ورسوله. ومن فتياه ما في مسلم أيضًا أن الأحنف بن قيس سأله: ما تقول في هذا العطاء؟ قال: خذه، فإن فيه اليوم معونة، فإذا كان ثمنًا لدينك فدعه، ولما حضرته الوفاة لم يوجد في تركته ما يكفَّن به إذ كان يتصدق بعطائه كله، وكان في فلاة من الأرض هو وزوجته فقط، فجاءت سيَّارة فقال لهم: لو كان لي ثوب أو لامرأتي لم أكفن إلا فيه، وإني أنشدكم الله أن لا يكفنني رجل منكم كان أميرًا أو عريفًا أو بريدًا أو نقيبًا، وكانوا من أهل بدر كلهم، ولم يكن فيهم إلا من قارب بعض ذلك إلا فتى من الأنصار: قال يا عم، أنا أكفنك في ردائي هذا وفي ثوبي وفي عبئتي، من غزل أمي، قال أنت تكفنني، وكانت وفاته بها سنة "31" إحدى وثلاثين أو اثنين وثلاثين2.
= ويحبب إليهم الأنفاق لحاجة المسلمين في أول الإسلام، ولكن دون أن يلزم أحدًا، فالملكية الخاصة لم يمس مبدؤها بأي حكم ناسخ أو منسوخ، والأمثلة التي أوردها المصنف لا تساعده على دعواه؛ لأنها أحكام لها ظروف معروفة لدى أهل العلم، والكلام فيها مفصّل في كتبهم.
ولهذا نأخذ عليها الأمر الثاني: وهو أن اجتهاد أبي ذر رضي الله عنه لم تكن فرصة مناسبة لربطها "بالاشتراكية" من جهتين؛ أولاهما: ما بينها من أنه كان اجتهادًا مرجوحًا، وثانيهما: أنه ليس لأحد كائنًا من كان أن يخلط بين "النظام الرباني الإسلامي" وبين الأنظمة البشرية والأفكار الوضعية، فإن فعل أحد ذلك فقد جنى على شرع الله؛ لأنه يحمله حينئذ أوزار تلك الأنظمة وعيوبها ونواقصها، ولذلك لا أدري أكان المصنف في محاولته هذه التوفيق بين الاشتراكية والإسلام على بصيرة بما وصلت إليه الاشتراكيات، والغاية التي انتهت إليها وهي "الاشتراكية الماركسية"، والتي تقوم على أصول منها: الجدلية التاريخية أو التفسير المادي للتاريخ، وإنكار الأديان والأخلاق، وسائر الروابط الإنسانية، وحتمية الصراع بين الطبقات، وأن هذه "الهلوسات" الماركسية كلفت البشرية كثيرًا من الضحايا والمأسي حتى الآن.
1 مسلم "3/ 77".
2 أبو ذر الغفاري: جندب بن جنادة: ترجمته في الإصابة "7/ 125"، والاستيعاب "1/ 252"، وأسد الغابة "1/ 301".