الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ترجمة أشهب بن عبد العزيز بن داود القيسي:
بالقاف، العامري، أبو عمرو الفقيه المصري، صاحب مالك، وأحد الأعلام، يروي عن الليث، ويحيى بن أيوب، وابن1 لهيعة، وعنه الحارث بن مسكين قاضي مصر، ويونس بن عبد الأعلى، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وتفقّه بمالك والمدنيين والمصريين.
وقال الشافعي: مارأيت أفقه منه، انتهت إليه الرئاسة بمصر، وقال ابن عبد البر: كان فقيهًا حسن الرأي، وتقدَّم حكاية الخلاف في كونه كابن القاسم مجتهدًا مطلقًا أو مقيدًا، وهما بالنسبة لمالك كمحمد بن الحسن وأبي يوسف، وقال في أعلام الموقعين: مكانه من العلم والإمامة غير مجهول، ذكر ابن عبد البر في الانتقاء عن محمد بن عبد الحكم أنه أفقه من ابن القاسم مائة مرة، وأنكر ابن لبابة ذلك، قال: ليس عندنا كما قال، وإنما قاله لأن أشهب شيخه ومعلمه، وقال ابن عبد البر: كلٌّ منهما شيخه، وهو أعلم بهما لكثرة مجالسته وأخذه عنهما. صحَّ من عدد 364 من المجلد2، توفي سنة "204" أربع ومائتين، بعد الشافعي بقليل، عن أربع وستين2 سنة.
فهؤلاء أشهر من نشر علم مالك بمصر، ومنها تسرَّب إلى إفريقية والأندلس.
1 عبد الله.
2 أشهب بن عبد العزيز بن داود القيسي: ترتيب المدارك "2/ 447"، والديباج "1/ 307"، وتهذيب التهذيب "1/ 359".
منها إدخال الفلسفة، والعقل في الأحكام الفقهية من حيث كونها بنيت على جلب مصالح واتقاء مضار، فنشأ عن ذلك الاختلاف في مبادئ وأصول: كمسألة القياس، والاستحسان، والمصالح المرسلة، وأنواع الاستدلال، وخبر الواحد وما يشترط فيه من الشهرة أو عدم مخالفة عمل المدينة.
كذلك النزاع في الإجماع هل يتحقق بعد عصر الصحابة أم لا، وإذا تحقَّق فهل هو حجة أم لا، وفي الاحتجاج بالمرسَل، وبمذهب الصحابي، إلى غير ذلك، لكن كل ذلك لم ينقص من قوة الفقه، بل زادت قوته قوة، وقدمه رسوخًا، بدخوله في طور التدوين، وخروجه من طور التكوين، لما وجد في أهله من ألَّف وصنَّف بعدما كان عرضة للتلف، وبرز في السطور بعد الاحتجاب في خدور الصدور، وكان هذا العصر زاهيًا زاهرًا بسادات كبار أساطين الاجتهاد، تقدَّمت تراجمهم مختصرة، وكانت لهم أخلاق عالية وكمالات نفسانية، فلم يكن خلاف بعضهم لبعض مؤديًا لتحقير أو تعصيب أو تقاطع وتدابر، بل كانوا يثنون على المخالف لهم بالثناء الجميل. وتقدَّم ذلك في تراجمهم، وغاية ما كان ينشأ عن الخلاف أن يعتقد أن خصمة مخطيء في تلك المسألة بعينها، لما قام عنده من الدليل على خطئه في ظنِّه لا في كل المسائل، ويعتقد أنه معذور لما أداه إليه دليله، لا نقص يلحقه في ذلك، ويعرفون لكل عالم حقه ويقرون له بالفضل ويحترمون فكره.
وكان جميع العلماء مجتهدين لم يكن بينهم مقلد، ولا يقلد إلّا العوام، فلم يكن الخلالف ضارًّا لهم ولا مشينًا، بل كان سعيًا وراء إظهار الحقيقة، فلذلك عددنا الفقه فيه شابًّا قويًّا، نعم في هذ العصر، أعني: عصر أتباع التابعين، كثر الموالي وفسدت اللغة، واحتاجوا لعلومها كما سبق، واعتبر بتراجم العلماء السابقين تجد الجل منهم مولى أو موالي الموالي؛ كنافع مولى ابن عمر، وعكرمة، وكريب مولى ابن عباس، وعطاء بن أبي رباح الحبشي، والحسن البصري النوبي، وابن سيرين، ومكحول، وطاوس، والنخعي، وميمون بن مهران، والضحاك بن مزاحم، وغيرهم.
وذلك هو الطامَّة الكبرى على الشعب العربي العظيم الذي امتدت فتوحاته من الهند إلى وسط أوربا، حيث اشتغل العرب بالسياسة وبهرجتها فغلبهم
مواليهم على المناصب العلمية التي هي في الحقيقة أصل المناصب السياسية، فانحلت العصبية العربية إلّا قليلًَا بأحراز المناصب العلمية، وكان ذلك مؤذنًا بانحلالها في المناصب السياسية، وهو ما وقع في العصر بعده كما سنبينه إن شاء الله.
انتهى القسم الثاني من كتاب الفكر السامي، ويليه القسم الثالث: أوله الطور الثالث للفقه طور الكهولة.
والحمد لله أولًا وآخرًا.