الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أخذ أحكام الفقه الخمسة من القرآن والسنة:
لا يخفى أن ما يوجد في الشريعة من الأحكام منحصر في خمسة:
الوجوب، والندب، والحرمة، والكراهة، والجواز، وذلك أن أفعال المكلفين قسم منها رضيه الله، وقسم سخطه، وقسم لا رضى فيه ولا سخط.
فالأول يشمل الواجب والمندوب، والثاني: الحرام والمكروه، والثالث هو الحلال.
وطريق الحصر فيها أن طلب الشرع للفعل إما أن يكون جازمًا أو لا، الأول الوجوب، والثاني الندب، وطلبه للكف بغير كفٍّ إما جازم أو لا، الأول الحرام، والثاني المكروه، والخامس وهو الحلال أن لا يطلب فعلًا ولا تركًا، بل يخيِّر ويعبر عنه بالجائز، أما ما يعبَّر عنه بالسنة فهو من قبيل المندوب، وما يعبر عنه بخلاف الأولى فهو من قبيل المكروه، ولهذا اصطلح أئمة الفقه والأصول على الأحكام الخمسة، وتجد أبواب الفقه محتوية على بيان الواجبات والمندوبات والمحرمات والمكروهات والجائزات.
والحنفية يفرقون بين الفرض وهو ما ثبت وجويه بقطعيٍّ كالقرآن ومثاله الصلوات الخمس، والواجب وهو ما يثبت كصلاة الوتر، ولا فرق بينهما عند غيرهم.
كيف أخذ الفقهاء هذه الأحكام من القرآن؟
غير خفي أن القرآن ليس من الأوضاع البشرية الموضوعة لبيان علم من العلوم بمصطلحاته، بل هو كلام الله الذي أنزله على عبده لينقذ الناس من الظلمات إلى النور، جعله في أعلى طبقات البلاغة ليحصل الإعجاز وتثبت
النبوة وساقه مساق البشارة والإنذار والوعظ والتذكير ليكون مؤثرًا في النقوس، رداعًا لها عن هواها، سائقًا لها بأنواعٍ من التشويق إلى الطاعة وترك المعصية، والفصاحة من أعظم المؤثرات على عقول البشر بتنوع العبارة التي تؤدى بها تلك الأحكام، ومن طبيعة البشر أن يملَّ من عبارة واحدة، ولا يحصل بها التأثير المطلوب، فلو قيل في كل مسألة: هذا واجب، هذا مندوب، هذا حرام، هذا مكروه، هذا جائز لتكرر اللفظ ولم تكن هناك الفصاحة المؤثرة، فلذلك تجد القرآن تارة يعبر ببعض الألفاظ المصطلح عليها كالحرمة والحلية، قال تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} 1، {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ} 2، {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} 3 ويعبر في الوجوب بمادة فرض:{قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ} 4، {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} 5، وقد يعبِّر عن فرض بقضى، نحو:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} 6 ويعبر بكتب، قال تعالى:{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} 7، {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} 8، {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَام} 9، وقد يعبِّر بالأمر ويراد به الإلزام، قال تعالى:{أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} 10، وقد يعبِّر بالأمر عن الطلب الأعم من الوجوب والندب، كقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ} 11.
بدليل الإحسان وإيتاء ذي القربى، فإن منه ما ليس بواجب، ويعبر بينهى عن حرَّم، نحو:{إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ} 12، وقد يعبِّر عنه بلا يحل، قال تعالى:{لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا} 13، وقد يعبِّر عن الوجوب بعلى، كقوله تعالى:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْت} ، وقد
1 المائدة: 3.
2 النحل: 116.
3 النساء: 24.
4 الأحزاب: 50.
5 التحريم: 2.
6 الإسراء: 23.
7 المائدة: 45.
8 البقرة: 178.
9 البقرة: 183.
10 يوسف: 40.
11 النحل: 90.
12 الممتحنة: 9.
13 النساء: 19.
14 آل عمران: 97.
فسَّرت ذلك السنة لقوله عليه السلام: "إن الله فرض عليكم الحج فحجوا" 1، وقد يعبر بعدم الرضى عن المنع، قال تعالى:{وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} 2، أي: يمنعه ولا يبيحه بحال، والرضى لضده:{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ} 3، ومثله الحب، قال تعالى:{لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ} 4، {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} 6، {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} 7، ومثله الجناح، قال تعالى:{لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ} 8، {فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} 9 ومثله الحرج، قال تعالى:{لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ} 10 الآية، ومثله الملام، قال تعالى:{إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِين} 11.
ومن الصيغ المفيدة للوجوب ظاهرًا، جعل الفعل المطلوب من المكلف محمولًا عليه، كقوله تعالى:{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} 12، بدليل أنه إذا لم يرد به الوجوب عُقِّبَ بما يدل على عدمه، كقوله تعالى:{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} 13، ومن ذلك جعله جزاءً كقوله تعالى:{فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} 14، {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} 15.
ومن ذلك وصفه بأنه بر، قال تعالى:{وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى} 16، أو
1 سبق تخريجه في ص6.
2 الزمر: 7.
3 الفتح: 18.
4 النساء: 148.
5 البقرة: 182.
6 البقرة: 173.
7 البقرة: 182.
8 النور: 58.
9 البقرة: 158.
10 النور: 61.
11 المؤمنون: 6.
12 البقرة: 228.
13 البقرة: 233.
14 البقرة: 196.
15 البقرة: 280.
16 البقرة: 189.
وصفة بالخير، قال تعالى:{قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْر} 1.
ومن ذلك ذكر الفعل المطلوب والوعد عليه بالجنة، كقوله تعالى:{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُون} إلى قوله: {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ، الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ} 2.
ومن ذلك صيغتنا: افعل ولتفعل على المشهور فيهما كـ: {أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} ، {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا} 3.
{وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَر} 4، {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ} 5، ومحل هذا ما لم يكن بعد الحظر كقوله تعالى:{وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} 6، وما لم يكن للإرشاد نحو:{فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} 7، إلى غير ذلك مما هو معلوم في الأصول.
ومن الصيغ الدالة على التحريم: لا تفعل، على المشهور فيها أيضًا نحو:{وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيم} 8، {لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا} 9.
ومن ذلك فعل الأمر الدال على طلب الكفِّ نحو: {وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ} 10، ما لم يدل دليل على أن النهي للإرشاد ونحوه.
ومن ذلك نفي البر عن الفعل نحو: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا} 11، ونفى الخير نحو قوله تعالى:{لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ} 12.
ومن ذلك نفي الفعل؛ لأن المعدوم شرعًا كالمعدوم حسًّا، نحو:{لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} .
ومن ذلك ذكر الفعل متوعدًا عليه إمَّا بالإثم أو الفسق نحو: {قُلْ فِيهِمَا
1 البقرة: 220.
2 المؤمنون: 1-11.
3 الحج: 29.
4 لقمان: 17.
5 الحج: 20.
6 المائدة: 2.
7 النساء: 3.
8 الإسراء: 34.
9 آل عمران: 130.
10 الإسراء: 120.
11 البقرة: 189.
12 النساء: 114.
13 البقرة: 233.
إِثْمٌ كَبِيرٌ} 1، {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ} 2، وقال تعالى:{وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} 3 الآية، وقال تعالى:{ذَلِكُمْ فِسْق} 4.
ومنه اللعن كحديث مسلم: "لعن من اتخذ شيئًا فيه الروح غرضًا"5.
قال الحافظ: واللعن من دلائل التحريم كما لا يخفى.
ومن ذلك التوعد بأنه من عمل الشيطان، كقوله تعالى:{إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} 6.
ومن ذلك التوعد على الفعل بالعذاب، وهذ أخص من كل ما سبق، فإنه مع كونه يدل على الحرمة يدل على أن الفعل كبيرة من الموبقات كما هو رأي الجمهور نحو:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} 7 الآية، {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} إلى قوله:{فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيم} 8.
وبالجملة إن الأحكام الخمسة لم يُنَصُّ في الكتاب والسنة عليها كما هي في كتب الفقه بألفاظ حرِّم، وأوجب، وأبيح، وندب، وكره في كل مسألة، وإنما الكتاب والسنة وردت فيهما الصيغ الدالة على السخط أو الرضى أو عدمهما، منطوقًا أو مفهومًا، أو ورد فعله عليه السلام وتقريره، أما ما سكت عنه فقال جمهور الأمة: إن طريق الوقوف على حكمه هو القياس بناءً على أن كل مسألة لها حكم خلافًا للظاهرية، ثم إن الصحابة رضي الله عنهم، ومن بعهم أدركوا بحسب القرائن ما دلهم على تلك الأحكام، فاصطلحوا عليها ورأوا أن الأوامر والنواهي لا تخرج عنها، فبذلوا الجهد في الاستنباط والأخذ بحسب القرائن وموارد كلام العرب وإيماءتهم كناياتهم، ورب إشارة أفصح من عبارة، وكناية أبلغ من التصريح.
ومن ذلك أخذ الأمام البخاري طهارة المسك من حديث: "اللون لون دم
1 البقرة: 219.
2 البقرة: 181.
3 الفرقان: 68.
4 المائدة: 3.
5 أخرجه مسلم في الصيد "ج6/ 73".
6 المائدة: 90.
7 النساء 93.
8 التوبة: 34.
والريح ريح مسك" ، حيث وقع تشبيه دم الشهيد بالمسك؛ لأنه في سياق التكريم والتعظيم، فلو كان نجسًا لكان من الخبث ولم يحسن التمثيل به في هذا المقام، وأمثال هذا كثيرًا، كل ذلك بحسب مدراكهم وأخذهم من اللوازم والسياق والمعنى الذي لأجله وقع الأمر أو النهي، فإذا وقع التصريح بعلة الحكم عدوا ذلك إذنًا في القياس، فقاسوا على الصورة التي جاء النص فيها كل صورة وجدوا فيها تلك العلة، وقيل ليس بإذن، وعليه ذهب في جمع الجوامع.
هذا وأصناف الألفاظ التي تتلقى منها الأحكام الأربعة: ثلاثة متفق عليها: وهي لفظ عام يحمل على عمومه، نحو قوله تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} 1 اتفق المسلمون أنه متناول لجميع أصناف الخنازير ما لم يكن مما يقال عليه الاسم بالاشتراك كخنزير الماء، وخاص يحمل على خصوصه كقوله عليه السلام:"أبو عبيدة أمين هذه الأمة" 2، وعام يراد به الخصوص كقوله تعالى:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} 3، اتفق المسلمون أن ليس وجوب الزكاة في جميع أنواع الأموال، والرابع مختلف فيه، خاص يراد به العموم نحو:{فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} 4، وهو من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى فيفهم منه تحريم الشتم والضرب فأعلى.
ثم الألفاظ التي يؤخذ الحكم منها، إما أن تكون دالة على معنى واحد لا تحتمل غيره، وهو النص، ولا خلاف في وجوب العمل به، أو يحتمله وغيره على حد السواء وهو المجمل، وهذا لا يوجب حكمًا بلا خلاف، أو يكون دلالته على أحد المعنيين أو المعاني أرجح، فيحمل عليه إلّا إذا دلَّ دليل على حمله على المرجوح فيحمل عليه، ويسمى هذا الحمل بالتأويل، وهنا تتشعَّب المدراك في الدليل، وفي دلالته بهذه الصورة نشأ اجتهاد المجتهدين في عصره عليه السلام، وإقراره لهم عليه، ثم بعده، ويأتي مزيد بيان له إن شاء الله تعالى.
ومما تؤخذ منه الأحكام فعل النبي صلى الله عليه وسلم للأمر، ومداومته عليه، وإظهاره في جماعة، فيكون ذلك دليل أنه سنة عند المالكية، مندوب عند غيرهم، ما لم يصرح
1 المائدة: 3.
2 متفق عليه: البخاري "ج5/ 32"، ومسلم "ج7/ 129".
3 التوبة: 103.
4 الإسراء: 24.
بوجوبه، أو تدل عليه أمارة أخرة، كغسل اليدين للكوعين في افتتاح الوضوء والغسل، وكالمضمضة والاستنشاق، وذلك كثير.
ومن مستنبطاتهم أخذهم من صيغ النهي الفساد في العقود كالبيع والنكاح، وفي الصلاة والصوم والحج مثلًا، ولاختلاف مداركهم في النهي، هل هو للحرمة أو للكراهة؟ اختلفوا في كثير من البيوع والأنكحة هل تفسخ أم لا؟
وعلى الفسخ هل أبدًا أو إذا لم تفت، وبعد الفسخ في النكاح هل يلحق الولد المتكوّن منه أم لا؟ وكذا النهي في العبادات هل يتضمَّن البطلان فتعاد أم لا؟ وهل إعادة الصلاة في الوقت أو أبدًا؟ ومن هنا تفرع علم الفقه وكثرت مسائله وتشبعت أحكامه.
ولقد كان كثير من السلف الصالح كمالكٍ يتحرَّى أن لا يصرح بحكم اجتهادي لم يصرح به في الكتاب ولا في السنة، فلا يقول هذا حرام ولا حلال ولا واجب مثلًا، بل يقول: هذا لا يعجبني أولم يكن من فعل السلف، أو لا أدري به بأسًا، أو لا بُدَّ من فعله، أو هذا أحب إلي، لأن المفتي مخبر عن الله، ويجوز عليه الخطأ، فيتحاشى أن يندرج تحت قوله تعالى:{وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ} الآية1.
1 النحل: 116.