الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد تركت أشياء كثيرة من أشباه هذا، وأنا أحب توفيق الله إياك، وطول بقائك لما أرجو للناس في ذلك من المنفعة، وما أخاف من الضيعة إذا ذهب مثلك مع استيناسي بمكانك، وإن نأت الدار فهذه منزلتك عندي ورأيي فيك، فاستيقنه ولا تترك الكتاب إليّ بخبرك،
…
إلخ".
نقل هذه الرسالة المذكورة في المجلد الثالث عدد "82" إلى عدد "86" من أعلام الموقعين1، إلّا أني فصلتها بتراجم تسهيلًا على المطالع، ومحصّل الرسالة أن مالكًا أراد جمع الكلمة على عمل المدينة وحديث أهل الحجاز لقوته بما تقدَّم، لكن الإمام الليث تمسَّك برأيه، وأن ما عليه أهل كل بلد له حجة وأصل.
أما ما انتقده الليث من أقوال الإمام فكله أجاب عنه أصحابه في كتب الفقه والخلافيات، وليس المحل لاستقصاء ذلك، وإنما ذلك الكتاب صورة من صور النزاع الذي كان واقعًا في هذا العصر، وصورة من أصول الفقه.
1 أعلام الموقعين "3/ 83".
ترجمة سادسهم الإمام العلم إمامنا وإمام دار الهجرة وأمام الأئمة مالك بن أنس
مدخل
…
ترجمة سادسهم: الإمام العلم إمامنا وإمام دار الهجرة وأمام الأئمة مالك بن أنس:
ابن مالك بن أبي عامر الأصبحي -بفتح الهمزة والباء، نسبة إلى أصبح، قبيلة من اليمن كبيرة، بيته بيت علم وفضل، فجدُّه الأعلى أبو عامر، صحابي جليل1 شهد المشاهد كلها مع النبي صلى الله عليه وسلم خلا بدرًا، وقيل عنه: تابعي مخضرم، وجدُّه الأسفل مالك2، من كبار التابعين وعلمائهم، وهو أحد الأربعة الذين حملوا عثمان ليلًا إلى قبره، وعم الإمام وهو أبو سهيل3، من جُلَّة علماء التابعين وسادتهم، روى عنه في الموطأ، وربما روى مالك عن أبيه عن جدِّه في غير
1 ترجم له ابن حجر في الإصابة "7/ 298"، ولكن قال: ذكره الذهبي في التجريد، ولم أر من ذكره في الصحابة، وقد كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وانظر المدارك لعياض "1/ 107".
2 أبو أنس أو أبو محمد، تهذيب التهذيب "10/ 19".
3 واسمه نافع بن مالك بن أبي عامر، تهذيب التهذيب "10/ 409".
الموطأ، أما مالك فهو مجمع على إمامته ودينه وورعه ووقوفه مع السنة، مستغنٍ بشهرته عن التعريف، وقد أورد عياض في المدراك من ثناء الأئمة عليه علمًا ودينًا وعقلًا ورصانة وهدًى وورعًا وجلالة ومهابة ما فيه كفاية، وكذا السيوطي في تزيين الممالك بمناقب مالك.
وقال فيه تلميذه الشافعي: مالك حجة الله على خلقه، وقال ابن مهدي1: ما رأيت أحدًا أتمَّ عقلًا ولا أشد تقوى من مالك، وقال: ما بقي على وجه الارض آمن على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من مالك، وقال الإمام البخاري: أصح الأسانيد مالك عن أبي الزناد2 عن الأعرج3 عن أبي هريرة. وقال أبو داود: أصح الأسانيد مالك عن نافع4 عن ابن عمر، ثم مالك عن الزهري عن سالم5 عن أبيه، ثم مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة. لم يذكر أحدًا غير مالك، وقد أجمع أشياخه وأقرانه فمن بعدهم على أنه إمام في الحديث موثوق بصدق روايته، طبقت مناقبه وفضائله الآفاق.
وقال ابن وهب6: سمعت مناديًا ينادي بالمدينة ألَّا لا يفتي إلّا مالك، وابن أبي ذئب7.
وكان مهاب الجانب، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وإذا أمر بتأديب أحد امتثل أمره كانه أمير، ولذلك امتحن سنة 147 في قوله بعدم لزوم طلاق المكره، وضُرِبَ بالسياط وانفكّت ذراعه وبقي مريضًا بسلس البول إلى وفاته، وهي مسألة سياسية لأنها راجعة إلى أيمان البيعة التي أحدثوها، وكانوا يكرهون الناس على الحلف بالطلاق عند البيعة، فرأوا أن فتوى مالك تنقض البيعة وتهون الثورة عليهم، وقال ابن يونس8: سأل ابن القاسم مالكًا عن البغاة: أيجوز قتالهم؟ فقال: إن خرجوا على مثل عمر بن عبد العزيز، فقال: فإن لم يكن مثله؟
1 عبد الرحمن.
2 عبد الله بن ذكوان.
3 عبد الرحمن بن هرمز.
4 مولى ابن عمر أبو عبد الله المدني، تهذيب التهذيب "10/ 412".
5 ابن عبد الله بن عمر.
6 اسمه عبد الله.
7 هو محمد بن عبد الرحمن، تهذيب التهذيب "9/ 303".
8 لعله أحمد بن عبد الله بن يونس التميمي اليربوعي، تهذيب التهذيب "1/ 50".
فقال: دعهم ينتقم الله من ظالم بظالم، ثم ينتقم من كليهما. فكانت هذه الفتوى من أسباب محنته. "انظر أول تاريخ ابن أبي الضياف التونسي"1، ومن كلماته الدالة على تمسكه بالسنة قوله: كلما جاءنا رجل أجدل من رجل تركنا ما نزل به جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم لجدله. نقله الذهبي في كتاب العلوم.
ومع ما بلغه مالك من بعد الصيت والذكر ولا سيما بعد محنته، فما ملك دارًا يسكنها، بل مات في بيت بالكراء مع بسط الدنيا عليه في آخر حياته بالهدايا والصلات والتجارة رحمه الله.
قال الواقدي: كان مجلس مالك مجلس وقار وحلم، وكان رجلًا نبيهًا نبيلًا، ليس في مجلسه شيء من المراء واللغط ولا رفع الصوت، إذا سُئِلَ عن شيء فأجاب سائله، لم يقل: من أين رأيت هذا، وأخرج الخطيب أن شاعرًا دخل على مالك فمدحه بقوله:
يدع الجواب لا يراجع هيبة
…
والسائلون نواكس الأذقان
أدب الوقار وعزُّ سلطان التقى
…
فهو المطاع وليس ذا سلطان
وكان مالك من أتباع التابعين، إذ لم يلق صحابيًّا على الصحيح، وعدَّه ابن سعد في الطبقة السادسة من التابعين، قالوا: إنه لقي عائشة بنت سعد بن أبي وقاص، والصحيح أنها ليست صحابية؛ لأن التي أدرك مالك هي الصغرى التابعية، وأما عائشة بنت سعد التي قال فيها أبوها للنبي صلى الله عليه وسلم: لا يرثني غير ابنتي، فهي الكبرى، لم يدركها مالك ولا أهل طبقته، وقد روى عن أبي الزناد2، ونافع، وسالم بن عبد الله بن عمر، وزيد بن أسلم، وهشام بن عروة، وابن المنكدر4، والزهري5، وخلق كثير من التابعين وأتباعهم، أما
1 هو أحمد بن أبي الضياف التونسي، ت سنة 1291هـ، وتاريخه يسمى: "إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد الأمان، طبع في أربعة أجزاء.
2 هو عبد الله بن ذكوان.
3 مولى ابن عمر.
4 محمد.
5 محمد بن مسلم بن عبيد الله
الرواة عنه فالحظ الذي حصل لمالك لم يحصل لغيره قط، روى عنه ما ينيف عن ألف وثلاثمائة من أعلام الأقطار الإسلامية من الحجاز والعراق وخراسان والشام ومصر وأفريقية والأندلس، والذين تقدَّمت أسماء بلدانهم رواة حديثه، وروى عنه سواهم كثير، أما رواة الفقه عنه كابن القاسم1، ونافع، وابن وهب2، وغيرهم، فهم أيضًا كثير، ويأتي بعض تراجمهم.
وروى الحديث عنه من الأئمة أعلام من أشياخه احتاجوا إليه؛ كالإمام الزهري، وربيعة بن أبي عبد الرحمن الملقب بربيعة الرأي، وموسى ابن عقبة إمام المغازي، ويحيى الأنصار، ويزيد بن عبد الله بن الهاد، ويحيى بن سيدروس.
وروى عنه من مات قبله من العلماء كابن جريح3، وشعبة4، والثوري، وخلق، وروى عنه من أرباب المذاهب المدونة أبو حنيفة، والثوري5، والأوزاعي6، وابن عيينة7، والليث، والشافعي، ومن الخلفاء أمير المؤمنين المنصور، والمهدي، والهادي، والرشيد، والأمين، والمأمون، وقد روي عنه أنه قال: ما جلست للفتيا حتى أذن لي في ذلك سبعون من أهل العلم.
وقد زاد شهرة بكتابه الموطا، وتقدَّم لنا وصفه وفضيلته في تدوين الفقه، كان من أشد الناس تركًا لشذوذ العلم، وأشدهم انتقادًا للرجال، وأقلهم تكلفًا، وأتقنهم حفظًا، عارفًا بتفسير الغريب من الحديث، وهو أول من فتح بابه كما قال عياض في المدارك، ففتح بموطأه الباب للمؤلفين من علماء الإسلام، وعلَّمَهم كيفية التأليف والتصنيف وحسن التبويب، فاستحسن طريقه كل من أتى بعده ليومنا هذا فلسكوه ففاتهم بالتقدم.
فهو إمام كل مؤلف، وقدرة كل مصنف، وإن ألّف غيره قبله، لكن لم يقعوا على ما وقع عليه، ولا تنبهوا إلى ما ألتفت إليه، فصار العلماء المؤلفون له أتباعًا
1 عبد الرحمن بن القاسم العتقي.
2 عبد الله.
3 عبد الله بن عبد العزيز بن جريج.
4 ابن الحجاج.
5 سفيان بن سعيد.
6 عبد الرحمن بن عمرو.
7 سفيان.
والفضل له إجماعًا، وقد حاز الفضل المبين في حديث:"من سنَّ سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها"1.
قال مالك: عرضتها على سبعين من فقهاء المدينة فواطئوني عليها. فمالك له المزية العظمى على العلوم الإسلامية عمومًا، وعلى الفقه خصوصًا بموطئه هذا، فجرزاه الله خيرًا.
وله غير الموطأ تآليف بطرق صحاح دلَّت على باعه وكمال اطلاعه، لكن لم يقع لها من الشهرة والإقبال والتواتر ما وقع للموطأ، التي قال فيها الشافعي: إنها أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى، فجزى الله مالكًا خيرًا.
وكانت له مشاركة في علوم كثيرة الحديث والفقه، فقد ألَّف في علم الأوقات والنجوم، وفي التفسير، وغيره، ذكر في الديباج نقلًا عن المدراك، كل ذلك يدل على سعة مدارك الإمام مالك رحمه الله.
وهو من معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم المبشّر به في حديث الترمذي وغيره: "يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل في طلب العلم، فلا يجدون عالمًا أعلم من عالم المدينة" قال الترمذي: حديث حسن2، وصححه عياض في المدارك واستقصى ألفاظه وطرقه فانظره، قال عبد الرزاق كما رواه الترمذي: إنه مالك بن انس، وكذاك قال ابن عيينة عنه: إنه عبيد الله بن عبد الله العمري3، وقال ابن جريج: إنه مالك بن أنس، وهؤلاء كلهم معاصرون لمالك إلّا عبد الرزاق فتلميذه:
ومليحة شهدت لها ضراتها
…
والفضل ما شهدت به الأقران
قال الشافعي: قال لي محمد بن الحسن: إيهما أعلم صاحبنا أم صاحبكم؟ يعني: أبا حنيفة ومالكًا.
1 رواه جرير بن عبد الله، أخرجه مسلم في العلم "8/ 61"، والنسائي "5/ 56"، والترمذي "5/ 43"، وابن ماجه "1/ 74"، وفي الباب عن أبي هريرة وأنس وأبي جحيفة.
2 الترمذي في العلم "5/ 47"، وانظر المدراك "1/ 82".
3 انظر الانتفاء لابن عبد البر "21"، وتهذيب التهذيب "5/ 302".
قال: قلت على الإنصاف؟ قال: نعم، قلت: ناشدتك الله من أعلم بالقرآن، صاحبنا أو صاحبكم؟ قال: اللهم صاحبكم، قال: قلت: ناشدتك الله من أعلم بأقاويل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المتقدمين، صاحبنا أو صاحبكم؟ قال: اللهم صاحبكم، قال الشافعي: فلم يبق إلّا القياس لا يكون إلا على هذه الأشياء، فعلى أي شيء نقيس. نقله ابن خلكان وهو شافعي المذهب.
ونحو هذه القصة سُئِلَ حافظ فاس بل المغرب، عبد العزيز العبدوسي1 عن مالك والشافعي فقال: بينهما ما بين قبريهما.
وفي تفضيل مالك يقول عالم صقلية الإمام عمر بن عبد النور الشهير بابن الحكار:
تأملت عِلمَ المرتضين أولي النهى
…
فأفضلهم من ليس في جده لعب
ومَنْ فقهه مستنبط من حديثه
…
رواه بتصحيح الرواية وانتخب
وما مالك إلا الهدى ولذا اهتدى
…
به أمم من سائر العجم والعرب
وفقه مالك واجتهاده الذي يوافق فيه روح التشريع المحمدي دالٌّ على صدق الأبيات السابقة، وأمثلة ذلك كثيرة:
روى عبد الوارث بن سعيد قال: قدمت مكة فوجدت بها أبا حنيفة وابن أبي ليلى2 وابن شبرمة3 فقلت لأبي حنيفة: ما تقول في رجل باع بيعًا واشترط شرطًا، فقال البيع باطل، والشرط باطل. ثم أتيت ابن أبي ليلى فسألته فقال: البيع جائز والشرط جائز، فقلت: سبحان الله، ثلاثة من فقهاء العراق
1 له ترجمة في "نيل الابتهاج""179".
2 هو محمد بن عبد الرحمن.
3 عبد الله بن شبرمة الضبي أبو شبرمة الكوفي.
اختلفوا في مسألة واحدة، ثم أتيت أبا حنيفة فأخبرته، فقال: لا أدري ما قالا، رسول الله نهى عن بيع وشرط1، ثم أتيت ابن أبي ليلى فأخبرته، فقال: لا أدري ما قالا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث بريرة:"إن الولاء لمن أعتق" 2 البيع جائز والشرط باطل، ثم أتيت ابن شبرمة فأخبرته فقال: لا أدري ما قالا، قال: جابر بن عبد الله: بعت من النبي صلى الله عليه وسلم ناقة وشرط لي حلابها وظهرها إلى المدينة3. البيع جائز والشرط جائز.
أما مالك فقد عرف الأحاديث كلها، وعمل بجميعها، وقسم البيع والشرط إلى أقسام: شرط يناقض المقصود كشرط العتق فيحذف.
وشرط لا تأثير له كرهن أو حميل فيجوز.
وشرط حرام كبيع جارية بشرط أنها مغنية فيبطل البيع كله، وغيره لم يمعن النظر ولا حرَّر المناط.
ثم إن حديث بريرة وجابر كلٌّ منهما في الصحيح، أما حديث نهي عن بيع وشرط فمتكلَّم فيه، لكنه على شرط أبي حنيفة، وهو الشهرة، والله أعلم.
1 هذا حديث عمرو بن بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعًا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وشرط وهو صحيح على شرط أبي حنيفة، وسماع شعيب من عبد الله بن عمرو ثابت، قال الدراقطني في السنن "3/ 51" ثنا محمد بن الحسن النقاش نا أحمد بن تميم قال: قلت لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري: شعيب والد عمر بن شعيب سمع من عبد الله بن عمرو؟ نعم، قلت له: فعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده يتكلم الناس فيه؟ قال: رأيت علي بن المديني، وأحمد بن حنبل، والحميدي وإسحاق بن راهويه ويحتجون به، وما يؤيد أبا حنيفة في مذهبه هذا حديث:"لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع" أخرجه النسائي "7/ 259"، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وهذا على تفسير: أن البيع شرو وهذا شرط فيجتمع شرطان. "عبد العزيز القاريء".
2 رواه الجماعة: البخاري في الفرائض "8/ 191"، وفي غيره من الأبواب، ومسلم في العتق "4/ 213"، والنسائي في لطلاق "6/ 132"، وأبو داود في الفرائض "3/ 126"، والترمي في الولاء "4/ 347"، وابن ماجة في العتق "2/ 842".
3 أصل الحديث في الصحيحين: البخاري في الشرط "3/ 248"، ومسلم في المساقاة "5/ 51"، ورواه أيضًا الترمذي "3/ 545"، والنسائي "7/ 261"، وفي أبي داود "3/ 283"، وأحمد "3/ 299": بعت النبي صلى الله عليه وسلم بعيرًا واشترطت حملانه إلى أهلي، أما ذكر الحلاب فلم أجد له غير هذا الخبر.
قال الحميدي1 في كتاب جذوة المقتبس: حدَّث القعنبي2 قال: دخلت على مالك وهو يبكي في مرض وفاته فقلت: ما يبكيك؟ فقال لي: ومالي لا أبكي، ومَنْ أحق بالبكاء مني، والله لوددت أني ضربت بكل مسألة أفتيت فيها برأي بسوط سوط، وقد كانت لي السعة فيما قد سُبِقتُ إليه، وليتني لم أفت بالرأي أو كما قال.
ولم نعرف لمالك رحلة إلّا للحج، لكون العلم وجلّ العلماء مقرهما في الحجاز، وإليه يرحل إذ ذك، لذلك اقتصر على الأخذ عنهم، أو عن مَنْ يرد من علماء الأقطار للحج والزيارة.
ولد رحمه الله سنة ثلاث أو أربع وتسعين، وتوفى سنة تسع وسبعين ومائة باتفاق، بعد أن ترك أثرًا عظيمًا وعملًا جسيمًا في الفقه الإسلامي، فاز به على مَنْ قبله، واقتفى آثاره فيه من بعده.
واعتمده الاحتجاج بموطئه جميع المذاهب من حيث السنة للإجماع على فضله وتحريه وثقته، قال البيهقي3 في المدخل: عن يحيى بن محمد العنبري أنه قال: طبقات أصحاب الحديث خمسة: المالكية والشافعية والحنابلة والراهوية4 والخزيمية أصحاب محمد بن خزيمة5، نقله في أعلام الموقعين6.
1 هو محمد بن فتوح بن عبد الله أبو عبد الله بن أبي نصر.
2 عبد الله بن مسلحة بن قعنب القعنبي الحارثي أبو عبد الرحمن المدني. تهذيب التهذيب "6/ 13".
3 هو أحمد بن الحسين بن علي أبو بكر.
4 نسبة إلى إسحاق بن راهويه.
5 محمد بن إسحاق بن خزيمة.
6 مالك بن أنس بن مالم بن أبي عامر الأصبحي: أبو عبد الله المدني الأصبحي الحميري، جده أبو عامر صحابي، مات سنة 179. المعروفة والتاريخ "1/ 682"، وفهارس "3/ 637"، وسير أعلام النبلاء "8/ 48"، والحاشية التحفة اللطيفة "3/ 442"، تقريب التهذيب "2/ 223"، تهذيب التهذيب "10/ 5"، تهذيب الكمال "3/ 1296"، الكاشف "3/ 112"، الخلاصة "3/ 3"، التقيد "2/ 223"، معجم طبقات الحفاظ "146"، جامع المسانيد "2/ 559".