الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله: {لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} 1، وقوله:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} 2، وقوله:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} 3، فمضمون سورة الحجرات كافٍ للنظام الاجتماعي الإسلامي، ولي فيها تأليف خاص.
1 الحجرات: 2.
2 الحجرات: 9.
3 الحجرات: 10.
اتخاذ المنبر، ستر العورة:
في السنة الثامنة على ما في أسد الغابة اتَّخَذ نبي الله صلى الله عليه وسلم منبرًا ليسمع الناس، وقصته في الصحيح1.
العورة الغلظة عند مالك السوأتان، والمخففة ما سواهما مما بين السرة والركبة، وذلك من الرجل والأَمَة، أما المرأة الحرة فكلها عورة يجب سترها عدا الوجه والكفين، إن أمنت الفتنة، وإلّا فيجب سترها أيضًا، فأما ستر المرأة فتقدَّم تاريخ نزوله، وأما ستر عورة الرجل فهو فرض إسلامي تقتضيه الآداب العمومية والحشمة الإيمانية عند مالك، وإذا كان من الآداب فيجب الستر في الصلاة التي هي أحق بالأدب بالأولى، وغير مالك يقول: إنه من شروط الصلاة بحيث إذا لم يستر تبطل صلاته.
كان العرب يطوفون بالبيت عراة رجالًا ونساء، يقولون: ثياب أذنبنا فيها فلا نطوف بها، وفي صحيح مسلم عن ابن عباس قال: كانت المرأة تطوف بالبيت وهي عريانة فتقول: من يعيرني تطوافًا تجعله على فرجها وتقول:
اليوم يبدو بعضه أو كله
…
فما بدا منه فلا أحله
1 متفق عليه: البخاري في الصلاة "1/ 188"، ومسلم في المساجد "2/ 74".
فنزلت هذه الآية {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} 1، وفي صحيح مسلم2 أيضًا، أن العرب كانت تطوف عراة إلا الحمس1 وهم قريش، إلا أن يعطيهم الحمس ثيابًا، فيعطي الرجال الرجال والنساء النساء. وزاد غيره. ومن لم يكن له صديق بمكة يعير له ثوبًا طاف عريانًا أو ثيابه، وألقاها بعد فلا يمسها أحد، فلما بعث الله رسول الله وأنزل عليه:{يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} ، أذَّن مؤذن رسول الله ألا لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، كان النداء بمكة سنة تسع، قاله أبو حيان3.
أما النبي صلى الله عليه وسلم فكان الستر واجبًا عليه من أول المبعث، وما رُئِيَ قط عريان منذ كان ينقل حجارة الكعبة عند بنائها وعمره خمس وثلاثون سنة، عصمه الله من ذلك، والجمهور على أن قوله تعالى:{خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} ، وهو ستر العورة في الصلاة والطواف معًا بدليل:{كُلِّ مَسْجِدٍ} وليس والطواف إلّا في مسجد واحد، وأن اللفظ وإن كان خاصًّا لكنه عام في الستر مطلقًا، فلا يجوز للمسلم أن يكشف عورته إلّا لزوجته أو أمته، ويكره لهما النظر لعورته إلّا لضرورة، بل لا ينبغي له الكشف منفردًا، ولا النظر في عورة نفسه إلّا بقدر الضرورة، هذا من أجمل الآداب الاجتماعية التي فرَّط فيها المسلمون وهي من شرعهم، فترى نساء البوادي عاريات، ورجال كثير من الحواضر لا يبالون بكشف العورة في الحمامات.
1 الأعراف: 31.
2 مسلم في الحج "4/ 43".
3 قال المؤلف رحمه الله: الحمس -بفتح الحاء المهملة وسكون الميم آخره سين مهملة.
3 محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حبان الغرناطي الجباني الأندلسي النفزي أثير الدين أبو حيان النحوي صاحب البحر المحيط. ت سنة 745 هـ "الدرر الكامنة""5/ 70".