الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسند الشافعي:
إن مسنده الحديثي الذي طُبِعَ أخيرًا، قال ابن حجر العسقلاني في كتابه تعجيل المنفعة: إنما التقطه بعض النيسابوريين من الأم وغيرها من مسموعات أبي العباس الأصم1، التي كان انفرد بروايتها عن الربيع2 وبقي من حديث الشافعي شيء كثير لم يقع في هذا المسند.
وقال الأمير3 في فهرسته: إن الذي جمع المسند المذكور محمد بن جعفر ابن مطر النيسابوري لمحمد بن يعقوب الأصم، حيث وقعت له الرواية عن الربيع، وقيل: جمعه الأصم ولم يرتبه فوقع فيه التكرار، توفي الشافعي بمصر سنة "204" أربع ومائتين -رحمه الله4.
1 هو محمد بن يعقوب بن يوسف بن سنان الأموي، تذكر الحفاظ "3/ 73".
2 ابن سليمان المرادي أبو محمد المصري صاحب الإمام الشافعي.
3 لعله محمد بن محمد بن أحمد السبناوي أبو محمد المصري، اشتهر بالأمير، ت سنة 1232 هـ، وترجم له المؤلف في القسم الرابع.
4 أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع السائب الشافعي: أبو عبد الله، المطلبي، القرشي، المكي، وُلِدَ سنة 150، مات سنة 204:
الوافي بالوفيات "2/ 171"، تقريب بغداد "2/ 65"، التحفة اللطيفة "3/ 515"، الجرح والتعديل "7/ 1130"، تقريب التهذيب "2/ 143"، تهذيب التهذيب "9/ 25"، تهذيب الكمال "3/ 1161"، الخلاصة "2/ 377"، الكاشف "3/ 17"، الأعلمي "26/ 164"، الأعلام للزركلي "6/ 249"، طبقات الحنابلة "204"، وتذكر الحفاظ "1/ 329"، والبداية والنهاية "10/ 251"، وغاية النهاية للجزري "2/ 95"، حيلة الأولياء "9/ 63"، وطبقات الشافعية للعبادي "ص6".
قواعد مذهب الشافعي:
مبدؤه ما قال في الأم ونصها: الأصل قرآن وسنة1، فإن لم يكن فقياس عليهما، وإذا اتصل الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصحَّ الإسناد منه فهو سنة2، والإجماع أكبر من الخبر المفرد، والحديث على ظاهره، وإذا احتمل المعاني فما أشبه منها ظاهره أو لاها به، وإذا تكافأت الأحاديث فأصحها إسنادًا أولاها، وليس المنقطع بشيء ما عدى منقطع ابن المسيب، ولا3 يقاس على أصل ولا يقال للأصل لم وكيف، وإنما يقال للفرع لم، فإذا صحَّ قياسه على الأصل صحَّ وقامت به الحجة "أ. هـ بلفظه" نقله النووي بالسند المتصل في المنهاج.
1 قال المؤلف رحمه الله: أو سنة كذا في رواية الأصم عن أبي حاتم عن يونس بن عبد الله الأعلى، نقلها في أعلام الموقعين بلفظ أو.
2 قال المؤلف رحمه الله: في لفظ أبي حاتم: وصحَّ الإسناد به فهو المنتهى.
3 قال المؤلف رحمه الله: ولا يقاس أصل على أصل، كذا في رواية أبي حاتم. انظر عدد "465" من أعلام الموقعين الجزء الأخير.
فهذا النص منه يتبين لك أن القرآن والسنة عنده في التشريع سواء، ولا يشترط ما شرطه أبوحنيفة من شهرة الحديث إذا عمَّت به البلوي وغير ذلك مما سبق، ولا ما اشترطه مالك من عدم مخالفته لعمل أهل المدينة.
وإنما شرط الصحة والاتصال دون المرسيل إلّّّّا مرسل ابن المسيب الذي وقع الاتفاق على صحته، والشافعي هو أول من طعن في المراسيل، مخالفًا في ذلك لمالك والثوري ومعاصريهما الذين كانوا يحتجون بها، كما في رسالة أبي داود لأهل مكة، وترك الاستحسان الذي قال به المالكية والحنفية، بل أنكره وقال: إن من استحسن فقد شرّع، وألف فيه كتابه إبطال الاستحسان، وتقدَّم لنا البحث معه في ذلك في مبحث الاستحسان، ولم يعمل إلّا بقياس له علة منضبطة.
كما ردَّ المصالح المرسلة أيضًا، وأنكر الاحتجاج بعلم أهل المدينة، وأطال في الأم للاحتجاج ضده بما ردَّه عليه المالكية، وقد استدلَّ هو بعمل أهل مكة، تقف على ذلك في جامع الترمذي وفي الأم، كما أنكر على الحنفية تركهم لكثير من السنن بدعوى عدم الشهرة.
وقال الشافعي: أيضًا: إذا رفعت الواقعة للمجتهد فليعرضها على نص القرآن، فإن لم يجد عرضها على أخبار الآحاد، فإن لم يجد عرضها على ظاهر القرآن، فإن وجد ظاهرًا بحث على المخصِّص من خبر أو قياس، فإن لم يجد مخصصًا حكم به، فإن لم يعثر على لفظ قرآن أو سنة نظر في المذهب، فإن وجد فيها إجماعًا اتبعه، وإن لم يجد إجماعًا خاض في القياس. "ابن التلمساني" وليس في كلامه متعقب إلا تأخره بالإجماع وهو مقدَّم.
وتقدَّم قوله في الأم: والإجماع أكبر من الخبر المفرد، وبه يجمع بين كلاميه، وبهذا الأخير تعلم أن نص خبر الواحد عنده مقدَّم على ظاهر القرآن، وهو عمومه خلاف ما تقدَّم لمالك، وأن لا يعمل بالعام إلّا بعد البحث عن المخصص، وأن القياس لا يعمل به إلّا لضرورة عدم نصٍّ أو ظاهر، كما علم من كلامه الأول أن النصَّ لا يبحث معه عن العلة، وقال في أعلام الموقعين: قال الشافعي: الحجة كتاب الله وسنة رسوله واتفاق الأئمة.
وقال في كتاب اختلاف مع مالك: والعلم طبقات: الأولى: الكتاب
والسنة. الثانية: الإجماع فيما ليس كتابًا ولا سنة. الثالثة: أن يقول الصحابي فلا يعلم له مخالف من الصحابة. الرابعة: اختلاف الصحابة. الخامسة: القياس، فقدَّم النظر في الكتاب والسنة على الإجماع، ثم أخبر أنه إنما يصار إلى الإجماع فيما لم يعلم في كتاب ولا سنة وهذا هو الحق "أهـ منه"1.
فنُسِبَ له أنه يقدِّم القرآن والسنة الصحيحة على الإجماع عند التعارض، وهذا مذهب الحنابلة أيضًا، والذي يظهر في "جمع الجوامع" أن الإجماع مقدَّم عليهما عند التعارض باتفاق، وتقدَّم لنا عند الكلام على الإجماع فارجع إليه2، ويدل لما ذهب إليه الحنابلة ظاهر قوله تعالى:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا} 3، والآية، وقوله:{إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} 4 وقوله تعالى: {لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} 5 الآية، وقوله:{اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} 6، وقوله:{إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّه} 7 إلى غير ذلك.
وقال البيهقي في المدخل: قال الشافعي في كتاب اختلافه مع مالك: ما كان الكتاب والسنة موجودين فالعذر على مَنْ سمعه مقطوع إلا بإتيانه، فإن لم يكن ذلك صرنا إلى أقوال الصحابة أو واحد منهم، ثم كان قول الأئمة أبي بكر وعمر وعثمان إذا صرنا إلى التقليد أحب إلينا، وذلك إذا لم نجد دلالة في الاختلاف تدل على أقرب الاختلاف من الكتاب والسنة. وقال أيضًا: إذا قال الواحد منهم القول لا يحفظ عن غيره له موافقة ولا خلاف، صرت إلى اتباع قوله إذا لم أجد كتابًا ولا سنة ولا إجماعًا ولا شيئًَا في معناه يحكم له بحكمه أو وُجِدَ معه قياس. انظر عدد "380" من السفر الأخير من أعلام الموقعين8.
1 أعلام الموقعين "4/ 121".
2 تقدَّم.
3 الأحزاب: 36.
4 النور: 51.
5 الحجرات: 1.
6 الأعراف: 3.
7 الأنعام: 75، يوسف: 40، 67.
8 أعلام الموقعين "4/ 121".