الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القضاء بشاهد ويمين ومؤخر الصداق لا يقبض إلّا عند الفراق:
ومن ذلك القضاء بشهادة شاهد ويمين صاحب الحق، وقد عرفت أنه لم يزل يقضي بالمدينة به، ولم يقض به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشام وبحمص ولا بمصر ولا بالعراق، ولم يكتب به إليهم الخلافاء الراشدون أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، ثم ولي عمر بن عبد العزيز، وكان كما قد علمت في إحياء السنن والجدِّ في إقامة الدين والإصابة في الرأي والعلم بما مضى من أمر الناس، فكتب إليه زريق بن الحكم1: إنك كنت تقضي بالمدينة بشهادة الشاهد الواحد ويمين صاح الحق، فكتب إليه عمر بن عبد العزيز: إنا كنا نقضي بذلك بالمدينة، فوجدنا أهل الشام على غير ذلك، فلا تقضي إلّا بشهادة رجلين عدلين أو رجل وامرأتين. ولم يجمع بين المغرب والعشاء قط ليلة المطر، والمطر يسكب عليه في منزله الذي كان فيه بخناصرة ساكنًا.
ومن ذلك أن أهل المدينة يقضون في صدقات النساء أنها متى شاءت أن تتكلم في مؤخر صداقها تكلمت فدفع إليها، وقد وافق أهل العراق أهل المدينة على ذلك، وأهل الشام وأهل مصر لم يقض أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا من بعدهم لامرأة بصداقها المؤخَّر إلّا أن يفرِّق بينهما موت أو طلاق، فتقوم على حقها.
1 لعله زريق بن حكيم أبو حكيم الأيلي، تهذيب التهذيب "3/ 273".
الإيلاء بعد الأربعة الأشهر إذا لم يفئ طلاق من غير احتياج إلى تطليق:
ومن ذلك قولهم في الإيلاء أنه لا يكون عليه طلاق حتى يوقف إن مرَّت الأربعة الأشهر، وقد حدثني نافع عن عبد الله بن عمر، وهو الذي كان يروي عنه ذلك التوقيف بعد الأشهر أنه كان يقول في الإيلاء الذي ذكر الله في كتابه: لا يحل للمولي إذا بلغ الأجل إلّا أن يفيء كما أمر الله أو يعزم الطلاق.
وأنتم تقولون: إن لبث بعد الأربعة الأشهر التي سمَّى الله في كتابه، ولم يوقف لم يكن عليه طلاق.
وقد بلغنا أن عثمان بن عفان، وزيد بن ثابت، وقبيصة بن ذويب، وأبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، قالو في الإيلاء: إذا مضت الأربعة الأشهر فهي تطليقة بائنة، وقال سعيد بن المسيب وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وابن شهاب1: إذا مضت الأربعة الأشهر فهي تطليقة، وله الرجعة في العدة.
1 محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري.
التمليك تطليق، بعض المسائل:
ومن ذلك أن زيد بن ثابت كان يقول: إذا ملك الرجل امرأته فاختارت زوجها في تطليقه، وأن طلقت نفسها ثلاثًا فهي تطليقة، وقضى بذلك عبد الملك بن مروان، وكان ربية بن أبي عبد الرحمن يقوله، وقد كاد الناس يجتمعون على أنها إن اختارت زوجها لم يكن فيه طلاق، وإن اختارت نفسها واحدة أو اثنتين، كانت له عليها الرجعة، وإن طلقت نفسها ثلاثًا بانت منه ولم تحل له حتى تنكح زوجًا غيره. فيدخل بها ثم ثموت أو يطلقها، إلّا أن يرد عليها في مجلسه فيقول: إنما ملكتك واحدة، فيستخلف ويخلي بينه وبين امرأته.
إذا تزوَّج أمة ثم اشتراها طلقت ثلاثًا عليه، وعكسه كذلك:
ومن ذلك أن عبد الله بن مسعود كان يقول: إيما رجل تزوج أمة ثم اشتراها زوجها فاشتراؤه إياها ثلاث تطليقات، وكان ربيعة يقول ذلك، وإن تزوجت المرأة الحرة عبدًا فاشترته فمثل ذلك، وقد بلغنا عنكم شيء من الفتيا مستكرهًا، وقد كنت كتبت إليك في بعضها فلم تجبني عن كتابي، فتخوفت أن تكون استثقلب ذلك، فتركت الكتاب إليك في شيء مما أنكره.
تقديم الصلاة على الخطبة في الاستقساء:
وفيما أوردت فيه على رأيك، وذلك أنه بلغني أنك أمرت زفر بن عاصم
الهلالي حين أراد أن يستسقي أن يقدِّم الصلاة قبل الخطبة، فأعظمت ذلك؛ لأن الخطبة والاستسقاء كهيئة يوم الجمعة إلّا أن الإمام إذا دنا من فراغه من الخطبة دعا وحوَّل رداءه ثم نزل فصلى، وقد استسقى عمر بن عبد العزيز، وأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وغيرهما، فكلهم يقدِّم الخطبة والدعاء قبل الصلاة، فاستهتر الناس كلهم فعل زفر بن عاصم من ذلك واستنكروه.
تجب الزكاة على الخليطين:
ومن ذلك أنه بلغني أنك تقول في الخليطين في المال: إنه لا تجب عليهما الصدقة حتى يكون لكل واحد منهما ما تجب فيه الصدقة، وفي كتاب عمر بن الخطاب أنه يجب عليهما الصدقة ويترادان بالسوية، وقد كان ذلك يعمل به في ولاية عمر بن عبد العزيز قبلكم، وغيره فيما حدثنا، والذي حدثنا به يحيى بن سعيد، ولم يكن بدون أفاضل العلماء في زمنه، فرحمه الله وغفر له وجعل الجنة مصيره.
السلعة توجد عند المفلس:
ومن ذلك أنه بلغني أنك تقول: إذا أفلس الرجل وقد باعه رجل سلعة فتقاضى طائفة من ثمنها، أو أنفق المشتري طائفة منها، أنه يأخذ ما وجد من متاعه، وكان الناس على أن البائع إذا تقاضى من ثمنها شيئًا، أو أنفق المشتري منها شيئًا، فليست بعينها.
سهم الفرسين:
ومن ذلك أنك تذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله لم يعط الزبير بن العوام إلّا لفرس واحد، والناس كلهم يحدثون أنه أعطاه أربعة أسهم لفرسين ومنعه الفرس الثالث، والأمة كلهم على هذا الحديث؛ أهل الشام وأهل مصر وأهل العراق وأهل أفريقية، لا يختلف فيه اثنان، فلم يكن ينبغي لك وإن كنت سمعته من رجل يرضى أن يخالف الأمة أجمعين.