الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هل استعمل الصحابة القياس في العهد النبوي:
نعم: استمعله الصحابة، وأقرَّ النبي صلى الله عليه وسلم مَنْ كان قياسهم صحيحًا، وقدح فيما وجد فيه قادح، قال ابن عقيل الحنبلي1: قد بلغ التواتر المعنوي عن الصحابة باستعماله، وهو يفيد القطع.
ففي زمنه عليه السلام تقرر القياس وأصوله مع قوادحه، فنستنتج من مبحث القياس والأصول الثلاثة قبله أن نظام الفقه كمل كله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمام أصوله الأربعة، وسنفرد ترجمته للأصل الخامس، ووجوده في العهد النبوي على الجملة، فلم يبق إلّا التفريع والاستنباط منها، ولنأت بعض الشواهد التي حضرتنا الآن على استعمال الصحابة للقياس في عهده عليه السلام:
الأول: حكَّمت بنو قريظة سعد بن معاذ فحكم بأن تقتل مقاتلتم وتسبى نساؤهم وذراريهم، فقال له عليه السلام:"حكمت فيهم بحكم الله" رواه الشيخان2، وحكمه هذا من القياس، قاسه على المحاربين المذكورين في قوله تعالى:{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} الآية، بجامع الفساد لموالاتهم قريشًا في وقعة الأحزاب، ونقضهم العهد، ويحتمل أن يكون قاسهم على الأسرى الذين عوتبوا على فدائهم، وأمروا بقتلهم، وكان إذ ذاك لم ينسخ بقوله تعالى:{فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} 3.
الثاني: تمرغ عمَّار بن ياسر بالتراب حين أصبح جنبًا في سفر، وصلَّى بذلك التيمم، أما عمر الذي كان مرافقًا له فلم يتمزغ ولم يصل، ولما قدما وسألا النبي صلى الله عليه وسلم، قدح في قياس عمار الطهارة الترابية على المائية في تعميم البدن، بأنه فاسد الوضع لوجود النصِّ لقوله تعالى:{فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} 4 مشيرًا له إلى أن الملامسة المراد بها ما يعم الجماع أو هي هو. وقال له: "يكفيك
1 عليّ بن عقيل بن محمد بن الوفاء البغدادي الحنبلي، ت سنة 513هـ، ترجم له المؤلف في القسم الرابع في مشاهير الحنابلة بعد القرن الرابع.
2 البخاري في بدء الخلق "ج5/ 143"، ومسلم في الجهاد والسير "ج5/ 160".
3 محمد: 4.
4 المائدة: 6.
أن تفعل هكذا" ، وبيَّنَ له كيفية التيمم، وأنه لا فرق فيه بين أن يكون عن حدث أكبر أو أصغر، خلاف ما فهم عمر في الملامسة أنها مقدمة الجماع فقط، فلا يكفي في الجماع إلّا الغسل على فهمه، والقصة في الصحيح1.
الثالث: في النسائي، جاء رجل من البحرين لابسًا خاتم ذهب، فقال له عليه السلام:"في يدك جمرة من نار"، فقال: لقد جئنا بجمر كثير، فقال له عليه السلام:"إن ما جئت به ليس بأحزأ عنا من حجارة الحرة، ولكنه متاع الدنيا"2.
فبيَّن له فساد قياسه، وأشار إلى أن هناك فرقًا بين الذهب الملبوس الذي قُصِدَ به الزينة، وبين ما هو محمول معَدٌّ لضرورة المبادلة، وإن كان الكل أصله من تراب الأرض أشبه بحجارة الحرة وهي حجارة سود متراكة خارج المدينة المنورة.
الرابع: تيمم عمرو بن العاص جنبًا وصلَّى إمامًا بالصحابة في غزوة ذات السلاسل، ولما قدموا وأخبروا النبي صلى الله عليه وسلم عاتبه على إمامته بهم وهو جنب، ولم يأمر أحدًا منهم بالإعادة، والقصة في الموطأ3. والواقع من عمرو قياس حال الإمام على حال الفذِّ، فأشار له عليه السلام إلى أنه قياس مع وجود الفارق، وأنه قياس الأعلى على الأدنى، ولم يأمره بالإعادة، فدلَّ على أن الحكم الكراهة فقط.
الخامس: قضية أبي سعيد الخدري في الصحيح، حيث رقى ملسوعًا بسورة الفاتحة، وأخذ على ذلك جعلًا من غنم، قياسًا على الجعل في غير الرقية، فلما قدموا وأخبروا النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم:"إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله"
وسلم له ما استنبط من القياس4.
1 متفق عليه: البخاري في باب التيمم "ج1/ 89"، ومسلم "ج1/ 193".
2 النسائي في الزينة "ج8/ 153".
3 قصة عمرو بن العاص أخرجها البخاري تعليقًا "ج1/ 91"، وأبو داود "ج1/ 92"، وليست في الموطأ.
4 البخاري في الطب "ج7/ 170"، ومسلم في السلام "ج7/ 19".