الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ا
شروط العمل بالسنة:
اعلم أن لا يحتج بها إلّا إذا كانت متواترة أو صحيحة أو حسنة، ولم يكن هناك قادح، كما إذا خالف الرواي من هو أحفظ منه أو أتقن أو أكثر، فتكون حينئذ شاذة، والشاذ من قبيل الضعيف فلا يُحْتَجُّ به، وتقدم قريبًا الرد على من اشترط معرفة الفقهاء للحديث أو عدم الغرابة، وروي عن بعض السلف اشتراط رواية اثنين عن اثنين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويدل له فعل أبي بكر في مسألة ميراث الجدة ويأتي، ونسب هذا لعمر أيضًا ولم يصح، بل صح عنه العمل بخبر الواحد في حديث عبد الرحمن بن عوف في الطاعون وغيره1، نعم كان يثبت في بعض الأحيان، ويطلب الرواي الثاني كما وقع له مع أبي موسى في حديث:"إذا استأذن أحدكم ثلاثًا ولم يؤذن له فليرجع" حتى جاء بأبي سعيد الخدري يشهد أنه سمعه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم2، وقصده في ذلك أن يجعل هيبة على حديث رسول الله حتى لا يروى إلّا عن الثقة.
وكان سيدنا علي يستخلف الراوي العدل استثباتًا، إلّا أبا بكر فإنه كان يقبل روايته من غير يمين، كما ذكره المحلي في كتاب التعادل والتراجيح، ولهذا تفصيل وبيان في الأصول، والجمهور على وجوب قبول خبر الواحد الضابط عن مثله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحكي عليه في جمع الجوامع الإجماع، وعلى ذلك كان العمل في زمنه عليه السلام كما سبق، والإجماع مبحوث فيه بما سبق، واستثنى المالكية منه إذا خالف عمل أهل المدينة؛ لأن عملهم بمنزلة مرويهم لثقتهم وقربهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجوار، ومرويهم مقدَّم؛ لأنه من قبيل المستفيض، وهو مقدَّم على خبر الواحد، إذ يصير خبر الواحد بالنسبة إليه شاذًّا إذا خالفه من
1 متفق عليه: البخاري "ج7/ 168"، ومسلم "ج7/ 29".
2 الجماعة إلّا النسائي، البخاري "ج8/ 67"، مسلم "ج6/ 177"، وأبو داود "ج4/ 345"، والترمذي "ج5/ 53"، وابن ما جهة "ج2/ 1221".
هو أكثر منه، ولأنهم شاهدوا الأخير من أحواله صلى الله عليه وسلم، وهو أعرف بالناسخ والمنسوخ، وأما من نسب إلى مالك أنه يشترط موافقة العمل لخبر الواحد فقد أخطأ، واشترط الحنفية أن لا يخالفه روايه، فالعمل بما رأى لا بما روي؛ لأنه لا يخالفه إلّا عن دليل.
قلنا: في ظنه وقد لا يكون دليلًا في الواقع، وشرطوا أن لا يكون فيه البلوى، فإن هذا تتوفر الدواعي على نقله تواترًا، وذلك علة قادحة عندهم توجب ردَّه، وأن لا يخالف القياس على تفصيل عندهم يأتي في ترجمة أبي حنفية.
والصواب: أن خبر الواحد إذا تجرَّدَ عن القرائن مفيد للظن، خلافًا للظاهرية الذين ادَّعوا إفادته العلم اليقيني، قالوا: ولو لم يفد العلم فكان علمًا بالظن، والله يقول:{إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} 1، وقال:{وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} 2، وهي حجة داحضة، فالقرآن أوجب اليقين في العقائد لا في كل شيء، ونحن إنما أوجبنا العمل بخبر الواحد في الفروع العملية استنادًا لعمل الرسول عليه السلام، وقال تعالى:{فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} الآية3. انظر تفسير ابن عرفه فيها.
وأقوى ما يرد به على الظاهرة الإجماع من الصحابة فمَنْ بعدهم على العمل بظواهر النصوص التي هي متمسك الظاهرية، وبالأدلة الظنّية في الفروع، ووقع منهم الاستدلال بها في غير ما موطن، فدلَّ ذلك على تخصيص الآيات المانعة من اتباع الظن بالعقائد بدليل سياقها، وانظر شروح البخاري في باب العمل بخبر الواحد.
1 النجم: 28.
2 الإسراء: 36.
3 التوبة: 122.