الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سد الذرائع:
وهي النوع الخامس من الاستدلال، الذرائع الوسائل والطرق إلى الشيء، نهى الشارع عنه، وهي في الأصل مباحة، لكن من حيث إفضاؤها إلى المنهي تزول إباحتها، فسدّها ومنعها من أصول الفقه عند المالكية، ونازعهم غيرهم في كونها أصلًا، مع أنه لا يخلو مذهب من بناء فروع عليها، وهي كما قال القرطبي أقسام:
الأول: أن يفضي إلى الوقوع في المحرم قطعًا، وهذا لا خلاف في وجوب تجنبه، وإن كان في الأصل حلالًا إذ لا خلاص من الحرام إلّا باجتنابه، ففعله حرام من باب ما لا يتم الواجب إلّا به فهو واجب.
الثاني: أن يفضي إليه غالبًا.
الثالث: أن يتساوى الأمران:
وفي هذه وقع اختلاف الفقهاء، قال القرافي1: من الذرائع ما يجب سده بإجماعٍ كحفر الآبار في طرق المسلمين، وسب الأصنام عند من يعلم من حاله أنه يسب الله تعالى، ومنها ما هو ملغي بإجماع كزراعة العنب فإنها لا تمنع خشية الخمر وإن كانت وسيلة إلى المحرم، ومنها ما هو مختلف فيه كبيوع الآجال، فالمالكية لا يغتفرون الذريعة فيها وخالفهم غيرهم2.
لنا أدلة: قال تعالى: {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} الآية3.
وقال: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ} الآية4، وقال
1 سبقت ترجمته.
2 البقرة "2/ 32". ط دار إحياء الكتب العربية بمصر 1345هـ.
3 النور: 31.
4 البقرة: 65.
تعالى: {وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَأُوهُمْ} الآية1، وقال عليه السلام كما في الصحيح:"الراعي حول الحمى يوشك أن يقع فيه" 2، وقال عليه السلام:"دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" 3، ومن أقوى الأدلة على سدها تحريق عثمان المصاحف، وجمع الناس على حرف واحد مع أن الله وسَّع عليهم بسبعة أحرف لئلَّا يختلفوا في القرآن، وانعقد الإجماع على فعله4، وإذا أردت بسط المقام فانظر المجلد الثالث عدد120 من أعلم الموقعين، ففيه تسعة وتسعون دليلًا5.
هل وقع سد الذرائع في الزمن النبوي:
يمكن أن يكون هو ملحظ الصحابة الذين أبوا من أكل الغنم التي أخذها أبو سعيد جعلًا على رقية سيد الحي6، مع دليل البراءة الأصلية، وأن الأصل في العقود هو الصحة، حتى أجاز ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذين أبوا من أكل ما صاده أبو قتادة وهو حلال حتى أباحه لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم7 إذ كان معهم دليل الجواز، وهو مفهوم قوله تعالى:{لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} 8، لكن إذا فهموا قوله تعالى:{وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} 9 على الاصطياد الذي هو المصدر لا الصيد، وإلا كان عموم منطوقه مقدَّمًا على مفهوم الآية الأولى، وعلى مفهوم الموافقة في قوله:{وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} 10.
1 الفتح: 25.
2 رواه الجماعة: البخاري في الإيمان "1/ 21"، ومسلم واللفظ له أنه قال:".... يرتع فيه" في المساقاة "5/ 51"، وأبو داود في البيوع "3/ 243"، الترمذي "3/ 502"، والنسائي "7/ 213"، وابن ماجة "2/ 1318".
3 أخرجه الترمذي عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإن الصدق طمأنينة، وإن الكذب ريبة" قال الترمذي: حسن صحيح "4/ 668".
4 تقدم التعليق عليه.
5 "3/ 135-159".
6 سبق تخريجه ص "71".
7 رواه الجماعة: البخاري "3/ 14"، ومسلم "4/ 14"، وأبو داود "2/ 171"، والترمذي "3/ 196"، والنسائي "4/ 145"، وابن ماجة "2/ 1023".
8 المائدة: 95.
9 المائدة: 96.
10 المائدة: 2.