الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشريعة الإسلامية ديموقراطية
…
الشرعية الإسلامية ديموقراطية 1:
زعم بعض العصريين أنها أريستوقرطية2 مستدلًا بأحكام الأرقاء، وهو غلط، فإنها ما جوزت استرقاق أسرى الحرب إلّا من باب مجازاة أمم ذلك الزمان بالكيل الذي تكيل به جريًا على عادتهم، بدليل أن الاسترقاق ليس بواجب، بل الإمام مخيَّر بين المنِّ أو الفداء أو الاسترقاق أو القتل، كي يجازي المحاربين بمثل ما يعملون أن يستحقون، والشارع متشوّف للحرية، مرغِّب فيها بأنواع الترغيب، بل ألزم من أعتق جزءًا يسيرًا من رقيق أن يعتق باقيه إن وجد مالًا، فالشرع يزيل الرقِّية بأدنى سبب، فمن زعم أن شريعة الإسلام أريستوقراطية لم يصب، بل هي ديموقراطية حقة، بمعنى أنها بنيت على مبدأ العدل والمساواة في الحقوق بين طبقات الناس، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} 3، وقال عليه السلام:"كلكم من آدم وآدم من تراب" 4، وقال عليه السلام:"والله لو سرقت فاطمة ابنتي لقطعت يدها" كما في الصحيح5. وحاشاها عليها السلام.
وقد حكم عمر بن الخطاب رضي الله عنه على جبلة بن الأبهم وهو ملك غسان بالقصاص من لطمة لطمها رجلًا سوقيًّا حتى أدَّى ذلك لردته، فمع هذه النصوص التي لا تقبل التأويل كيف يقال: إنها أريسقراطية.
وهل يوجد في الدول الديمقراطية من يعامل أهل الذمة بمعاملة الشريعة الإسلامية التي توصي بأن لهم ما لنا وعليهم ما علينا، وخففت عنهم التجنيد
1، 2" يأتي تعريفهما.
3 الحجرات:13.
4 عزاه في الجامع الصغير: "2/ 94" إلى البزار عن أبي حذيفة بلفظ: "كلكم بنو آدم وخلق الله آدم من تراب" ونحوه عند أبي داود من حديث أبي هريرة "4/ 331". وعند الترمذي من حديث ابن عمر "5/ 389".
5 متفق عليه: البخاري "8/ 199"، ومسلم "3/ 114".
وجعلت بدله الجزية لئلَّا تكلفهم القتال على وطن غير وطنهم، وقال عليه السلام:"من ظلم لي ذميًّا فأنا خصيمه يوم القيامة" 1، وفي آخر وصية أوصى بها:"استوصوا خيرًا بذمة الله ورسوله".
ومن الأدلة على أنها ديمقراطية بناؤها على الشورى ونبذ الاستبداد والسلطة الشخصية، ودليل بناءها على المساوة في الأحكام أن خطاباتها عامة للذكر والأنثى والحر والعبد، وأن كل خطاب فيها وأمر ونهي متناول للرسول فمَنْ دونه، إلا إذا قام دليل على استثناء أوخصوصية، والاستثناءات لا تنافي الديمقراطية؛ إذ لا يعقل تساوي أجناس الذكور والإناث في أحكام المني والحيض ونحو هذا، فالاستثناءات ضرورية لجميع الشرائع، ولا تنافي الديمقراطية ولا المساواة، يعلم هذا كل منصف2.
1 أخرج أبو داود "3/ 171" عن عدة من أبناء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن آبائهم دنية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ألا من ظلم معاهدًا أو انتقصه أو كلَّفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئًا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة" وانظر: اللآليء المصنوعة للسيوطي "2/ 140"، والمقاصد الحسنة للسخاوي "392".
2 الديمقراطية:" مصطلح سياسي، قالو في معناها أنها: حكومة الشعب، بمعنى أن تكون إرادة الشعب مصدر السلطة، ولاشك أنها بهذا تكون مخالفة للإسلام الذي يقوم بناءه على إعطاء الحاكمية لله وحده، ولها أشكال مختلفة، وطرائق متعددة، وتقابلها: الإرستقراطية، والتي تعني: حكومة الخواص، أو الطبقة المختارة، ولقائل أن يقول: إن الديمقراطية أمثل ما وصل إليهى فكر الإنسان من أنظمة سياسية وضعية، ولآخر أن يعدد نواقصها أو عيوبها أو مزاياها، ولكن ليس لأحد أن يخلط بينها وبين النظام الإلهي الكامل الممثَّل في الشريعة الإسلامية المنزلة، وإن كان بينة الدفاع عنها، ومن فعل ذلك فقد أساء إلى شريعة الله، ولم يلتزم جانب العلم والحكمة والحذر، وسترى مثالًا أوضح لاندفاع المصنف -عفا الله عنه- في المقارنة دون رويّة عند كلامه على أبي ذر الغفاري ويأتي، وإن كان يلوح من كلامه هنا أنه يعتبر الديمقراطية شعارًا عامًّا يعني: العدالة الاجتماعية والمساواة، والارستقراطية عكسها، "عبد العزيز القاريء".