الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتابة القرآن:
اعلم أن كتابة القرآن هو أول تدوين الفقه على الحقيقة، والقرآن قد كتب كله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بغاية الإتقان، ولم تبق منه آية إلّا دونت ورتبت في محله في سورتها بلا خلاف، وكان للنبي صلى الله عليه وسلم كُتَّابٌ يبلغون أربعة وأربعين كاتبًا على ما في سبل الهدى والرشاد للشامي، وعدهم واحدًا واحدًا، ونظم العراقي بعضهم في ألفيته، وبيَّنَ أسماءهم صاحب صبح الأعشى أيضًا وغيره. منهم: زيد بن ثابت، وأُبَيّ بن كعب، ومعاوية بن أبي سفيان، وأبو بكر وعمر، وعثمان، وعلي، وغيرهم، وكان العارفون بالكتابة في المدينة قليلين، لكن لما أُسِرَ أعيان مكة في وقعة بدر جعل النبي صلى الله عليه وسلم في الفداء مالًا، ومن لم يجد فدية علَّم عشرة من صبيان المدينة، وهكذا انتشرت الكتابة وكثر الكُتَّاب، ولكثرتهم لم يكن يخلو مجلسه عليه السلام ممن يقوم بهذا الوظيف المهم، ومن ألزمهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت، كان إذا نزل قرآن على النبي صلى الله عليه وسلم أتى به فأملى عليه، فكتب في اللخاف1 والأديم وجريد النخل وألواح العظام وغير ذلك، لعدم الكاغد2 إذ ذاك عندهم.
وكل ما يكتب منه يبقى في منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويأخذ الكاتب منه نسخة لنفسه ليبثه في الصحابة، ويحفظه الحفاظ الذين جمعوا القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأشار في صحيح البخاري لبعضهم ومنهم:
1-
ابن مسعود.
2-
سالم مولى أبي حذيفة.
3-
زيد بن ثابت.
4-
أُبَيّ بن كعب.
5-
معاذ بن جبل.
6-
أبو الدرداء.
7-
أبو زيد.
8-
أبو بكر
1 قال المؤلف رحمه الله: اللخاف: حجارة بيض، ويؤخذ منه جواز كتابة القرآن في ألواح التعليم بالمدارس.
2 الكاغد: القرطاس معرب.
الصديق.
9-
عبد الله بن عمرو بن العاص.
10-
أبو أيوب الأنصاري.
11-
سعيد بن عبيد.
12-
مجمع بن جارية، وغيرهم. انظر الإتقان1.
ثم بعد وفاته عليه السلام، جمع تلك الكتابة التي كانت مفرَّقة أبو بكر بإشارة من عمر، والذي تولَّى الجمع زيد بن ثابت، ولم يكن لأبي بكر في هذا الجمع سوى أن نظمها في أوراق خاصة.
قال المحاسبي: كمن وجد أوراقًا مفرَّقة في بيت فربطها بخيط2.
ورتَّب السور بعضها مع بعض دون آيات السور، فإنها كانت مرتبة من لدن النبي صلى الله عليه وسلم بإجماع3.
نعم، فقدوا آيتين مما كان مكتوبًا في بيته عليه السلام، وهما آية التوبة:{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} الآية4، وآية الأحزاب:{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} 5 ووجدهما محفوظتين عند كثيرين يحصل بهم التواتر، لكن لم يكونوا يقبلوا إلّا ما وجد مكتوبًا زيادة في التثبت فوجوا الأولى مكتبوة عند خزيمة، والثانية عند أبي خزيمة، فعند ذلك ألحقوهما.
انظر شراح الصحيح6.
ثم في زمن سيدنا عثمان عمَدَ إلى ذلك المصحف بإشارة حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما، ونسخه في عدة نسخ وفرَّقها في عواصم الإسلام قصدًا منه
1 النوع العشرون في الإتقان: في معرفة حفاظه ورواته "ج1/ 244".
2 بل كان له في هذا الجمع فضل عظيم في أمرين هامين: أولهما: إثبات النص القرآني بصيغته النهائية التي تمَّت في العرضة الأخيرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبيل وفاته. وثانيهما: يمكن أن نسميه "التوثيق" أي: توثيق النص المكتوب بعرضعه على المحفوظ في صدرو أكبر عدد من الصحابة.
3 في ترتيب السور خلاف عرضه السيوطي في الإتقان "ج1/ 216" في النوع الثامن عشر، ولكن يبدو لنا عند التحقيق أن ترتيبها توقيفي، لعدة أمور منها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرض القرآن كله على جبريل في رمضان قبيل وفاته كما ثبت في الصحيح، وقد ثبت أن الصحابة رضي الله عنهم توخّوا في الجمعتين إثبات هذه العرضة الأخيرة، وحرصوا على متابعتها بدقة.
4 التوبة: 138.
5 الأحزاب: 23.
6 عند الكلام على حديث جمع القرآن في آخر كتاب التفسير من الصحيح.
للنشر وإزالة الاختلاف، وألزم الناس بالتلاوة عليه، وحرَّقَ ما سواها، إذ كان لكبار الصحابة مصاحف أخرى يروونها عن النبي صلى الله عليه وسلم، كل واحد حسب لغة قومه؛ لأن القرآن أنزل على سبعة أحرف، أي: سبع لغات، فخاف عثمان كثرة الاختلاف فجمعهم على لغة واحدة، وهي لغة قريش الذين هم قرابة النبي صلى الله عليه وسلم سدًّا للذريعة1.
1 لم يحذف عثمان شيئًا من أحرف القرآن التي أثبتت في العرضة الأخيرة، وكما قال المحاسبي في جمع أبي بكر: أنه كمن وجد أوراقًا مفرَّقة في بيتٍ فربطها بخيط، نقول: لم يكن لعثمان سوى أنه نقل مصحف أبي بكر ونشره في سبع نسخ، ووزَّعها على الأمصار، بعد أن ازداد من التوثق، واتخذ منهجًا فريدًا في كتابة المصاحف، أما القول بأنه جمع الأمة على حرف واحد، وفسر هذا الحرف بأنه لغة قريش، فهو قولٌ فارقه التحقيق وإن اشتهر، فهذه مصاحفه تناقلها القراء، وفيها لغة قريش وغيرها.