الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القتال:
في السنة الأولى أيضًا شرع القتال.
1-
لحماية الدعوة الإسلامية.
2-
والدفاع عن أنفسهم.
3-
واستنقاذ من بقي بمكة تحت طائلة العذاب.
وذلك أن الكفار أخرجوا المسلمين من أرض الحرم من ديارهم وأموالهم واستولوا عليها وعلى أولادهم، فصار المهاجرون فقراء كما وصفوا في القرآن، مجرَّدين عن الأصل والولد، ولم يكتفوا بهذا، بل ضيقوا بمن بقي مسلمًا بمكة من الرجال المستضعفين والأولاد والنساء بأشد المكر.
4-
وزادوا فهجوا المسلمين والرسول بأقبح الهجو ليهجوا جميع العرب ضدهم.
5-
ومنعوا انتشار مبادئ الإسلام.
6-
مانعين لهم من حرية القول.
7-
وحرية الفكر.
وهذا أقصى ما يتصور من الظلم والتضييق، وأحق ما يقاتل عليه في أنظار العالم كله، ولا يقعد عن دفع صائل كذها إلا عاجز لا ثقة له بنفسه ولا بربه الذي وعد بنصر المظلوم، ولما هيَّأ الله لرسوله عددًا ممن أسلم مختارًا حبًّا في مبادئ الدين الحنيف، وإيمانًا بمشاهدة المعجزات المتكاثرة، وتكرر من هؤلاء طلب الإذن في القتال المرة بعد المرة، إذن الله لهم في القتال بقوله:{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} 1 وقوله: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ، الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} 2 وقال: {وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا} 3.
وكل هذه الآيات نزلت بالمدينة، وبهذا تعلمون يقينًا رد طعن من يقول: إن الإسلام إنما انتشر بالسيف وأنه شريعة الحرب، بل أصل نشره الدليل والبرهان
1 الحج: 39.
2 البقرة: 193، 194.
3 النساء: 75.
وكمال مبادئه العالمية.
فشرع عليه السلام في تهيئة الجيوش وبعث البعوث والسرايا، ثم غزا بنفسه الكريمة ثمانيًا وعشرين غزاة، أولها الأبواء في السنة الثانية، وآخرها تبوك في التاسعة، وقاتل بنفسه في ثمانية منها، وقد لخصتها بتواريخها وأماكنها ونتائجها في مؤلَّف مختصر، فلينظر، فإذا ضممتها إلى البعوث والسرايا التي هيأها ولم يحضرها بنفسه الكريمة البالغة نيفًا وسبعين بعثًا، التي أولها كان في السنة الأولى مع سيد الشهداء عمه حمزة1، وقيل غيره، فجميع جيوشه بلغت مائة جيش كما قال مغلطاوي2، كل ذلك في نحو تسع سنين، وما قبضه الله حتى دان جلّ جزيرة العرب بالإسلام شرقًا وغربًا وشمالًا وجنوبًا، وانتشرت الدعوة إلى أقاصي البلدان وراء أرض العرب، إلى نفس القياصرة والأكاسرة العظام، وما خرج من الدنيا حتى ترك الأمة العربية مهذبة قادرة على تبليغ الدين، مضطلعة به ماديًا وأدبيًّا، مهيئة لتهذيب غيرها من الأمم، ولقد فعلت، وإن ما تهيأ له في هذه المدة الوجيزة من تكوين الوحدة العربية بل الإسلامية مع مغازيه وبعوثه وجيوشه التي كونها من لا شيء ولا مادة، من أمة هي أبعد الأمم عن النظام والوحدة، كله معجزة ظاهرة.
هذا في جهاده العدو الخارجي، أضف إلى ذلك جهاده العظيم في تعليم الأصحاب وتدريبهم وتهذيبهم وإقامة الحجج عليهم وتفهيمهم، وجهاده المنافقين واليهود المخالطين له في داخل المدينة، ثم المؤلفة قلوبهم من جفاة الأعراب، مع تلقي أسرار الرسالة، وتكميل الشرائع، ونزول القرآن وتدوينه، والمجاهدة بالعبادة الشاقة ليلًا ونهارًا، والقيام بالحقوق البشرية.
1 انظر الإصابة "2/ 122".
2 علاء الدين مغلطاي بن قليج بن عبد الله البكرجي المصري الحنفي، مؤرخ من حفاظ الحديث، له تصانيف كثيرة منها: شرح البخاري في عشرين مجلدًا، وشرح سنن ابن ماجة لم يكمله، والزهر الباسم في سيرة ابي القاسم، والإشارة في السيرة النبوية، ت سنة 762هـ "ترجمته بالدرر الكامنة""5/ 122".