الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اجتهاد عثمان رضي الله عنه:
كان عثمان ذا قدم راسخة في الاجتهاد والفتوى، وقضاياه أيضًا مشهورة في الصحاح وغيرها.
فهو الذي رأى جمع الناس على مصحف واحد بحرف واحد وترتيب واحد، وترك بقية الحروف السبعة سدًّا للذريعة وتوحيدًا للكلمة وقطعًا للنزاع في القرآن1، فوقع إجماعهم على ذلك، ثم عدَّد منه نسخًا وفرقه في عواصم الإسلام، وحرق ما سواه إلّا مصحف ابن مسعود، أبى حرقه، فأغضى عنه فتركه الناس بعد2.
وهو الذي امر بزكاة الدين على منبر، فانقعد الإجماع السكوتي على ذلك، والقصة في الموطأ3، وهي الأصل الذي اعتمد الفقهاء في زكاة الديون.
وكان أعلم الصحابة بالمناسك، وكان ابن عمر بعده في ذلك، وهو الذي رأى توريث المبتوتة في مرض الموت معاملة للزوج الذي بتها بنقيض قصده فوافقه الصحابة4.
ومن فتاويه ما رواه مالك أن ضوال الإبل كانت في زمن عمر إبلًا مرسلة تناتج لا يمسها أحد5. لحديث الصحيحين عن زيد بن خالد الجهني، أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن اللقطة فقال: "عرفها سنة، ثم أعرف عفاصها ووكاءها، ثم استمتع بها، فإن جاء ربها فأدها إليه" فقال: فضالة الغنم؟ قال: "خذها فإنما هي
1 لم يترك عثمان رضي الله عنه شيئًا من الأحراف السبعة الثابتة في العرضة الأخيرة، وما ذكره المؤلف وإن كان قد ذهب إليه عدد من الأئمة إلّا أنه باطل، انظر التعليق المتقدم.
2 سبقت الإشارة إلى معارضة ابن مسعود لمشروع العثماني وتحقيق المسألة.
3 الموطأ "1/ 253".
4 الموطأ في كتاب الطلاق "2/ 571".
5 الموطأ في الأقضية "2/ 759".
لك أو لأخيك أو للذئب" ، قال: فضالة الإبل؟ فقال: "مالك ولها معها حذاؤها حتى يلقاها ربها" حتى إذا كان زمن عثمان أمر بمعرفتها وتعريفها ثم تباع، فإن جاء صاحبها أعطي ثمنها1.
وهذا أخذ منه بالمصالح المرسلة، مع أنها في مقابلة النص السابق؛ لأنه رأى الناس مدوا أيديهم إلى ضوال الإبل، فجعل راعيًا يجمعها ثم تباع بالمصلحة المرسلة العامة، وهذا من حجج مالك في ذلك، على أن مالكًا لا يأخذ بها مع وجود نص يخالفها.
ومن فتاويه أن تقصير الصلاة أيام الحج ليس من النسك بل هو لأجل السفر، فمن كان متأهلًا بمكة فلا قصر عليه، فكان عثمان يتمم الصلاة لما له من الأهل بمكة، وخالف في ذلك رأي من قبله من الخلفاء2.
وله فتاوٍ وآراء في الاجتهاد كثيرة، وكيف لا وهو من الخلفاء الذين قال فيهم عليه السلام:"عليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين من بعدي" الحديث3، وإن كان عثمان لم يكن من المكثرين فقهًا ولا تحديثًا، لكنه ذو سداد في الاجتهاد، وترجمته شهيرة رضي الله عنه، وقد يجمع الصحابة ويشاورهم في الأمور الهامة، فقد استشار عليًّا في حد الوليد لما شهدوا عليه بالشرب بحده أربعين4، وقضاؤه في بعض الأمر دون شورى هو الذي كان من جملة أسباب الثورة ضده كما يُعْلَم من التاريخ، وتقديم عليّ -كرم الله وجهه- في الفقه عليه لا يلزم منه التقديم في غيره، فتلك مزية لا تقتضي التفضيل.
وقد اشتهر في زمن الخلفاء عدد من الصحابة بل والتابعين بالفقه والافتاء:
1 حديث زبد بن خالد الجهني: متفق عليه، البخاري "3/ 163"، ومسلم "5/ 133".
2 رواه أحمد في مسنده "1/ 62"، وفي إسناده عكرمة بن إبراهيم، انظر تعليق الشيخ أحمد بن شاكر على المسند "1/ 443" ط. دار المعارف، ونيل الأوطار "3/ 211".
3 أبو داود "4/ 201"، والترمذي "5/ 44"، وابن ماجة "1/ 16".
4 الذي استشار عليًّا في حد الخمر هو عمر رضي الله عنه، كما جاء في الموطأ "2/ 842"، أما حد الوليد بن عقبة ففي مسلم "5/ 126"، وفيه: أن عثمان أمر عليًّا أن يجلده، وليس فيه أنه استشاره، فجلده عليّ أربعين.