الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في العلم، فليس العشرة، وأُبَيّ، وزيد، وعائشة، وابن عمر، وابن مسعود، وابن عباس، وأبو هريرة، وعبادة، وسلمان، وأبو ذر، وأمثالهم ممن تقدَّمت لنا تراجمهم كغيرهم ممن تقدَّم لنا سرد أسمائهم في ترجمة مراتب الصحابة في الإكثار من الفتوى، ثم هؤلاء ليسوا كغيرهم ممن لم نذكر أسماءهم، وقد أشار الأبِّي1 في شرح مسلم في أحاديث فضل الشهادة، إلى أن علماءهم كانوا مجتهدين دون غيرهم، وقد أشرت لكل آنفًا إلى أن من لم يكن بلغ رتبة الاجتهاد فله قوة علية بشرط، وبهذا يزول الخلاف.
لكن التقليد لم يكن قط في الإسلام بمعنى تقليد إمام في جميع أقواله كأنه نبي معصوم، بل في الصدر الأول ما كان التقليد إلّا أن يأخذ بقول هذا الإمام تارة، وبقول هذا أخرى، ويأتي مزيد الكلام في الموضع إن شاء آخر الكتاب.
تنبيه: يستدل بعض الناس هنا بحديث: "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم" ، ولا دلالة فيه للمقام، وقد روى ابن عبد البر بسنده عن البزار: هو كلام لا يصح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم2.
1 هو محمد بن خلفة.
2 قال في كشف الخفاء، رواه البيهقي، وأسنده الديلمي عن ابن عباس "1/ 147"، وانظر جامع بيان العلم لابن عبد البر "2/ 90-92".
عدالة الصحابة:
وهي من متممات المسألة السابقة، قد اتفق الجمهور من أهل العلم على عدالتهم وصدقهم في كل ما نقلوه عن الرسول، سواء من خاض الفتنة أو اعتزلها إلّا من ارتدّ، لا طعن يلحقهم، ولا يحتاج إلى البحث عن أحوالهم، ولا إلى تعديلهم، مع تفاوتهم في وصف العدالة، كتفاوتهم على العلم على أوزان ما سبق، بخلاف التابعين ومن بعدهم؛ لأن الله عدَّلهم في القرآن في غير ما موضع، قال تعالى:{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ} 1 الآية.
1 الفتح: 29.
وقال: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ، وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا} إلى قوله: {فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون} 1 إلى غير هذا من الآيات المصرحة بالثناء عليهم وتعديلهم، لكن من كان منهم بهذه الصفات التي في القرآن.
ولا يشكل على ذلك قضية عائشة وحفصة اللتين تظاهرتا على النبي صلى الله عليه وسلم، وقالتا له: نجد منك ريح مغافر ولم يكن فيه مغافر.
ولا قوله لهلال بن أمية لما لاعَنَ زوجته: "أحدكما كاذب"، وهو صحابي بدري، وإقامته الحد على حسان وحمنة بنت جحش ومسطح بن أثاثة البدري أيضًا لما خاضوا في الإفك، وحدُّ عمر لقدامة بن مظعون إذ شرب الخمر متأولًا وهو يدري أيضًا.
وحده لأبي بكرة ومن معه لما شهدوا على المغيرة بن شعبة بالزنا ورجع بعضهم، وكل ذلك في الصحيح، كذلك قضية كتاب حاطب بن أبي بلتعة الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم:"لعل الله قد اطَّلع على أهل بدر فقال افعلوا ما شئتم فقد غفرت لكم" 2؛ لأن هذه القضايا نادرة، ولأنا لم ندع لهم عصمة فهم كغيرهم يصدر منهم الذنب ويتدراكهم الله بالتوبة، وكل هؤلاء ثبتت توبتهم وفضلهم فلا قدح، والشريعة معصومة، والله كلفهم بتبليغها إلينا، واختارهم وعدلهم وصدقهم وأذهب كل حرج من صدرونا نحوهم، فمحلهم الثقة والصدق والأمانة والحمد لله رب العالمين.
1 الحشر: 8.
2 متفق عليه: البخاري في المغازي، باب: فضل من شهد بدرًا "5/ 99"، ومسلم في فضائل الصحابة "7/ 167".