الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} 1 واستثنى من ذلك من لا ريبة في كشفها فقال: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ} 2.
بهذا انسدل الحجاب على نسوة الإسلام الحرائر، واستراحت الضمائر وأمنت الفتنة، وذهبت "الظنة"3، وتمَّ الاحترام، وعظم بذلك الإنعام.
وشرع الاستيذان في جميع البيوت أخذًا بالحيطة فقال تعالى: {لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُم} 4، وهذا ما يسمَّى بالحرية الشخصية والحرمة الأفرادية، فلا يجوز التهجم على البيوت ولا دخولها إلّا بإذن، أو إن كان هناك موجب شرعي ثابت ببينة تستحل به الحرمة، وإلّا فلا، ولا تضيق على النسوة المسلمات في ذلك، لإنهن ألفنه وهو من التكاليف الدينية التي ترتاح لها الضمائر المؤمنة، وتتلقاها بالانشراح وإن كانت نزيهة أبية، ولا أقرَّ لعين مؤمن ولا مؤمنة منه ولله الحمد، ولا محوج لغيرنا أن يتدخل في شئوننا الداخلية التي هي حيوية لنا كهذه، فإذا لم تحمله على انتقاده غبطة فحسد، ولا ينقضي عجبي من رجل يدعي أنه مسلم وينتقده، أو يزعم أن ليس في الشريعة ما يدل عليه، أو لم يكن في الصدر الأول.
1 النور: 30، 31.
2 النور: 60.
3 في الطبعة المغربية "الضنة" بالضاد المعجمة ولا يستقيم المعنى، و"الظنة" التهمة.
4 النور: 27، 28.
الحج والعمرة:
الحج أحد أركان الإسلام الخمسة، شرع في السنة الرابعة أيضًا، إذ نزل قوله تعالى:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} 1، بدليل ذكره في حديث ضمام بن ثعلبة2، وقدومه كان سنة خمس على ما عند الواقدي3، وسلمه في فتح الباري مستدلًا به، فإذا ضممنا هذه إلى كونه عليه
1 آل عمران: 97.
2 سبق تخريجه.
3 انظر ترجمته وقد سبقت.
السلام- إنما حجَّ سنة عشر، مع إمكان أن يحج سنة سبع وثمان وتسع، أنتج لنا أن الحج واجب على التراخي لا الفور، خلافًا لمن ضيق، ثم رأيت الحافظ1 نقل عن الشافعي نحو هذا، فلله الحمد.
الحج والعمرة كانا معلومين عند العرب، وكانوا يقيمون موسم الحج كل عام، وذك من بقايا شريعة إبراهيم عليه السلام، قال تعالى:{وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ، وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ، ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} 2، إلا إنهم زادو فيه ونقصوا، كتركهم الوقوف بعرفة، والسعي بين الصفا والمروة، وجعلهم النسيء في أشهر الحج، فجاءت شريعة الإسلام بتقرير ما كانوا يعرفونه من الحجّ، وأصلحت ما أفسدوه منه، حتى رجع لما كان عليه زمن إبراهيم عليه السلام.
وقد حجَّ عليه السلام قبل الهجرة مرتين قبل وجوبه، على نحو ما كان يحج إبراهيم، ولم يخرج عنه إلى ما غيرته الجاهلية، أما بعد الهجرة فلم يحجّ إلا حجة الوداع في العام العاشر من الهجرة، فيما بيَّنَ لهم المناسك بالفعل الذي هو أقوى من القول، وقال:"خذوا عني مناسككم" 3، وهناك تمَّت شرائع الحج والعمرة، ونزل قوله تعالى:{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} 4، ونزل:{لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} 5، فأباح التجارة في الحج وأباح تحصيل المقصدين، ونزل:{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} 6، ونزل:{ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} 7، ونزل:{إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} الآية8، والذي وقع في السنة الرابعة هو تقرير فرضيته على كل مسلم، وكان في ذلك أيضًا تشويق لفتح
1 ابن حجر العسقلاني صاحب الفتح.
2 الحج: 26-28.
3 سبق تخريجه.
4 البقرة: 197.
5 البقرة: 198.
6 البقرة: 158.
7 البقرة: 199.
8 التوبة: 37.
مكة، وذلك من حكمة الحج.
ومن حكمته الاجتماع والائتلاف والتعارف بين الأمم الإسلامية، وتفقُّد أحوال بعضهم، واقتباس العلوم والمتاجر وغير ذلك، فهو من المصالح الاجتماعية والدينية معًا.
وما قيل في الحج يقال في العمرة؛ لأنها قرنت به في كتاب الله، قال تعالى:{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} 1، وقرأ علقمة ومسروق وإبراهيم النخعي:"وأقيموا الحج والعمرة لله" خرج الطبري بأسانيد صحيحة عنهم2، هكذا يقول الشافعية والحنابلة، وقال المالكية والحنفية: بعدم وجوب العمرة، متمسكين بالبراءة الأصلية.
ولم تذكر في حديث جبريل المبين لقواعد الإسلام، ولا في حديث بُنِيَ الإسلام على خمس، بل حديث ضمام بن ثعلبة تضمَّن نفي وجوبها حيث قال: هل عليّ غيرها فقال: "لا، إلا أن تطوّع" 3 وأما الآية السابقة فغاية ما فيها أنها قرنت مع الحج، ودلالة الاقتران ضعيفة كما علم في الأصول، ومع هذا فهي عند المالكية والحنفية من آكد السنن، وهي عنندنا مما يتعيّن بالشرع، ولذلك لما صُدَّ عليه السلام عن البيت عام الحديبية قضاها في عام عمرة القضية بعده، وقال مالك: ليس بقضاء، وفيها بيَّن لهم تتمة أحكامها بالفعل، ثم في عام الفتح، وعام حجة الوداع، حيث اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم فيها أيضًا، فقد ثبت في الصحاح أنه اعتمر أربع مرات بعد الهجرة، وهي المبينة آنفًا.
1 البقرة: 196.
2 قراءة شاذة وإن صحت أسانيدها، لمخالفتها للمصحف الإمام.
3 سبق تخريجه.