الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البزدوي وأمثاله بالاستقراء.
وليست المحافظة عليها، والجواب عن كل ما يرد عليها مما يخالفها من فقه متقدميهم بأولى من المحافظة على أضدادها، والجواب عمَّا يرد تلك الأضداد، وعلى نمطها ألَّف القرافي1 قواعده في المذهب المالكي، وعياض2، والمقري3، والونشريسي4، والزقاق5، وأمثالهم. فتلك القواعد إنما هي مأخوذة بالاستقراء من كثير من الفروع لا من كلها.
وهكذا في مذهب الشافعية والحنابلة ألَّف أصحابهما على هذا النمط بيان الأصول التي عليها مبني جل المسائل، أخذوها من صنيع الإمام وأصحابه في استنباطهم، بل كثير من الأحكام اجتهدوا واستنبطوا لها عللًا لم ينصّ عليها الإمام ولا عليه أصحابه، فيفتحوا بها بابًا للاجتهاد والاستنباط على مذهب الإمام.
1 هو أحمد بن إدريس، الديباج المذهب "1/ 236".
2 عياض بن موسى أبو الفضل اليحصبي.
3 محمد بن محمد بن أحمد أبو عبد الله التلمساني، شذرات الذهب "6/ 193".
4 أحمد بن يحيى بن محمد الونشريسي التلمساني، الإعلام "1/ 255"، وذكره في الاستقصاء "4/ 165".
5 هو علي بن قاسم بن محمد التجيبي، ت سنة 912 هـ.
خبر الواحد عند أبي حنيفة:
إن أبا حنيفة يعمل به، لكن بشرط أن لا يخالفه راويه، فإن خالفه فالعمل بما رأى لا بما روى، لأنه لا يخالف مرويه إلّا وقد اطَّلع على قادح استند فيه لدليل، قلنا في ظنه، وقد سبقه إلى هذا الأصل سعيد ابن المسيب، ففي صحيح مسلم عنه عن معمر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من احتكر فهو خاطيء" فقيل لسعيد: إنك تحتكر؟ فقال: إن معمر الذي كان يحدث بهذا الحديث كان يحتكر1، قال الترمذي بعد روايته: إنما روي عن سعيد بن المسيب أنه كان يحتكر الزيت والحنطة ونحو هذا2.
1 مسلم في المساقاة "5/ 75".
2 الترمذي "3/ 558".
ويشترط أيضًا أن لا يكون مما تعمّ به البلوى، فإن عموم البلوى يوجب اشتهاره أو توافره، فإذا روي آحادًا فهو علة قادحة عنده، كحديث:"من مس ذكره فليتوضأ" 1، وقال غيره: كل ذلك غير لازم ولا قادح.
ويشترط أن لا يخالف القياس، وأن يكون روايه فقيهًا، فإن خالف القياس ولم يكن راويه فقيهًا فثالثها، في معارض القياس إن عرفت العلة بنصٍّ راجح على الخبر، ووجدت قطعًا في الفرع لم يقبل خبر الواحد المعارض للقياس، أو ظنًّا فالوقف وإلا قُبِلَ، مثال المعارض للقياس حديث الصحيحين:"لا تصروا الإبل ولا الغنم، فمن ابتاعها بعد فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها، إن شاء أمسك، وإن شاء ردها، وصاعًا من تمر" 2 فردّ التمر بدل اللبن مخالف للقياس، فيما يضمن به من المتلف من مثله أو قيمته، انظر جمع الجوامع.
فإذا توفرت هذه الشروط في خبر الواحد ولو ضعيف السند3 فإنه يأخذ به، ويقدّمه حتى على القياس، ولا يلتفت لسنده الخاص، ولا لكونه على وفق عمل أهل المدينة أو خلافهم، بل مشهورًا عند فقهاء العراق، فإذا لم يكن كذلك اعتبره شاذًّا، وذهب إلى القياس وترك الحديث ولو كان صحيحًا، أوعمل به أهل المدينة أجمع، وتقدَّمت لنا مقالة أبي يوسف صاحبه وردّ الشافعي لها آخر ترجمة السنة النبوية في القسم الأول من هذا الكتاب4.
1 أبو داود "1/ 46"، والترمذي "1/ 126"، كلاهما عن بسرة بنت صفوان، وللشيخ أحمد شاكر تعليق مسهب في تخريج الحديث في الترمذي، ورواه النسائي "1/ 83"، ومالك في الموطأ "1/ 422"، وابن ماجه "1/ 161"، كلهم عن بسرة، وروي أيضًا عن أم حبيبة وأبي أيوب عند ابن ماجه.
2 البخاري "3/ 92"، ومسلم "5/ 6" كلاهما عن أبي هريرة.
3 قال المؤلف رحمه الله: بأن كان من رواية مجهول بناء على أصله من أن المسلمين كلهم عدول حتى يثبت الجرح، ويأتي عن ابن سلطان ما يقيده.
4 تقدم.