الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من مناظراتهم في ذلك
…
من مناظرتهم في ذلك:
أخرج عبد الرازق من طريق الشعبي قال: جاء رجل إلى شريح1 فسأله عن دية الأصابع، فقال: في كل إًبع عشرة إبل، فقال: سبحان الله، هذه وهذه سواء، الإبهام والخنصر. فقال: ويحك، إن السنة منعت القياس، اتبع ولا تبتدع، وأخرجه ابن المنذر وسنده صحيح.
وأخرج مالك في الموطأ عن ربيعة: سألت سعيد بن المسيب: كم في أصبع المرأة؟ قال: عشرة من الإبل، قلت: ففي أصبعين؟ قال: عشرون، قلت: ففي ثلاث؟ قال: ثلاثون. قلت: ففي أربع؟ قال: عشرون، قلت: حين عظم جرحها واشتدت مصيبتها نقص عقله؟ فقال له سعيد: أعراقي أنت؟ فقال ربيعة: بل عالم مستثبت، أو جاهل متعلم، فقال سعيد: هي السنة.
لأن مذهب أهل الحجاز أن المرأة تكون ديتها كدية الرجل إلى ثلث الدية، لما رواه عمر بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عقل المرأة مثل عقل الرجل حتى تبلغ الثلث من ديتها" رواه النسائي2، فإذا زادت على
1 ابن الحارث بن قيس أبو أمية الكوفي.
2 النسائي في القسامة "8/ 39".
ذلك كانت ديتها على النصف من ديته، فأجري ذلك على ظاهره ولو أدَّى إلى نتيجة غير معقولة؛ إذ لا شأن للعقل في التشريع الذي فيه نص، فالأربعة الأصابع ديتها أكثر من الثلث، ولذلك ترد إلى النصف من دية الرجل فتصير عشرين، فلم يفهم ربيعة وجه ذلك، فلذلك سأله فلم يعجبه سؤاله، فقال له: أعراقي أنت؟ لقول العراقيين: إن ديتها على النصف مطلقًا، وهو مذهب أبي حنيفة، والشافعي، والليث، والثوري، وجماعة، وكان الشعبي1 مع كونه كوفيًّا ضد أهل الرأي، وما يؤثر عنه قوله: أرأيت لو قتل الأحنف2 بن قيس وقتل معه صغيرًا، أكانت ديتهما واحدة أم يفضَّل الأحنف لعقله وحلمه؟ قالوا: بل سواء، قال: فليس القياس بشيء.
وانظر كتاب الحيل في صحيح البخاري وشروحه، وما قيل في حديثي المصراة والمزابنة في البيوع، تقف على أقول الفريقين وتعلم أن الأمة بعدما افترقت طوائف من خوراج وشيعة وفرقهما، افترق بعد ذلك الجمهور أيضًا الذين لم يمسّهم ابتداع إلى أهل رأي وحديث، وكم من مسألة يظن بأهل العراق فيها أنهم قد نبذوا النصّ وأخذوا بحكم العقل والنظر، وحاشاهم أن يعتمدوا ذلك، وإنما سبب ذلك وجود قادح عندهم في النصّ لم يطَّلع عليه الحجازيون، أو لم يصلهم الحديث، أو وصلهم حديث آخر قد عارضه فرجحوه، مثاله: اجتمع الأوزاعي3 بأبي حنيفة بمكة، فقال الأوزاعي: ما بالكم لا ترفعون أيديكم عند الركوع والرفع منه؟ فقال أبو حنيفة: لم يصحّ عن رسول الله في ذلك شيء.
فقال الأوزاعي: كيفل وقد حدَّثني الزهري4 عن سالم5 عن أبيه6 عن رسول
1 عامر بن شراحيل.
2 قال المؤلف رحمه الله: لطيفة: كان الأحنف أعور أطلس أحنف، والأطلس من لم تنبت له لحية، والحنف الاعوجاج في الرجل إلى داخل، ومع ذلك كان إذا ركب يركب معه ثمانون ألفًا من بني تميم لفضله وجوده وعقله وحلمه، لا يعتبرون بنقص حسّه، بل بكمال معناه، وكانوا يقولون: لوددنا أن نشتري له لحية بعشرين ألفًا، ثم إن الحجة التي احتجّ بها الشعبي على نبذ القياس ليست بشيء؛ لأن القرآن زال الفرق بين الأحنف والصبي في القصاص، وعلّق الحكم على النفس فقال:{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} ، وقال:{مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ} الآية. إلّا ما استثني عند من يراه.
3 عبد الرحمن عمرو
4 محمد بن مسلم بن عبد الله.
5 ابن عبد الله بن عمر.
6 عبد الله بن عمر بن الخطاب.