الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الرابع في الحذف
وهو آخر الأبواب
[سبب الحذف والزيادة]:
في (أدب الكاتب) ما نصه (1): "قال أبو محمَّد بن قتيبة: الكُتَّاب يَزيدون في كتابة الحرف ما ليس في وزنه، ليفصلوا بالزيادة بينه وبين المشْبِهِ له. وينقصون (2) من الحرف ما هو في وزنه، استخفافًا واستغناء بما أُبْقِىَ عما أُلْقِىَ إِذا كان في الكلام دليل على ما يحذفون، كما أن العرب كذلك يفعلون، يحذفون من الكلمة نحو "لَمْ يَكُ" وهم يريدون "لم يَكُن" ويختزلون من الكلام ما لا يتم الكلام على الحقيقة إِلا به، استخفافًا وإِيجازًا إِذا عَرَف المخاطَبُ ما يعنون، كما قال النَّمِر بن تَوْلَب (3):
فإِنَّ المنِيَّةَ مَن يَخْشَهَا
…
فَسَوْفَ تُصَادِفُهُ أَيْنَمَا (4)
(1) أدب الكاتب لابن قتيبة ص 161 - 162.
(2)
في أدب الكاتب "ويُسقطون".
(3)
النَّمر بن تولب بن زهير بن أقيش العكلى، شاعر مخضرم. عاش عمرًا طويلًا في الجاهلية، ولم يمدح أحدًا ولا هجا، وكان من ذوى النعمة والوجاهة جوادًا وهابًا لماله، وأدرك الإِسلام وهو كبير السن ، ووفد على النبي صلى الله عليه وسلم فكتب عنه كتابًا لقومه، وروى عنه حديثًا، وعاش إِلى أن خرف، وقد ذكره عمر مرة فترحم عليه، وفي المؤرخين من يذكر أنه نزل البصرة "وقد بنيت في أيام عمر"، وكان عمرو بن العلاء يسميه "الكيس" لحسن شعره، توفي سنة 14 هـ، "الشعر والشعراء جـ1 ص 315 - 317، وانظر الأعلام جـ8 ص 48".
(4)
البيت من المتقارب، انظر الجمَل للزجاجى، ص 273، التصريح بمضمون التوضيح للشيخ خالد جـ2 ص 252.
أراد: "أَيْنَمَا ذَهَبَ" أو "أَيْنَمَا كَان"، ومثل هذا كثير في القرآن، وربما لم يُمْكِن الكُتَّاب أن يفصلوا بين المتشابهين بزيادة أو نقص فتركوهما على حالهما، واكتفوا بما يدل مِن مُتَقَدِّم الكلام ومُتَأَخِّرِه، ونحو قولك في الكِتَاب للرجلين:"لَن يَغْزُوَا"، وللجميع "لَن يَغْزُوا"، وكذلك للواحد (1)، فلا يُفصل بين الاثنين والجميع والواحد، وإنما الذي يَزيده الكُتَّاب للفرق بين المتشابهيْن حروف المّدِ واللِّين، وهي الألف والواو، والياء، لا يَتَعدُّوْنها إِلى غيرها، ويُبدِلونها من الهمزة، أَلا ترى أنهم قد أجمعوا على ذلك في كتاب المصحف؟ وأما ما ينقصون لاستخفاف فحروف المّدِ واللِّين وغيرها، وسترى ذلك في موضعه إِن شاء الله تعالى" انتهى كلامه (2).
وهو مبنى على ما كان عليه المتقدمون من الكُتَّاب، من زيادة الألف بعد واو الفعل في غير المصحف كما سبق عن النووى على "مسلم"(3)، وقد عرفت من الباب السابق ما استقر عليه رأى المتأخرين من تخصيص زيادة الألف بواو الضمير المتطرفة، أي التي لم يتصل بها ضمير المفعول على ما بيناه هناك (4).
كما أن كلامه في زيادة الياء مبنى على زيادتها في المصحف التي ذَكَرَ في "جَمْع الجوامع" عِدَّةَ مواضع منها، زادوا فيها الياء فيه (5).
ولم أجد موضعًا زادوها فيه في الخط القياسى إِلا على ما قيل في "خَطائِهِ"
(1) يقال للواحد: لن يَغْزُوَ.
(2)
أي كلام ابن قتيبة في أدب الكاتب.
(3)
سبقت الإِشارة إِلى ذلك ص 304 - 305.
(4)
سبق الحديث عن ذلك ص 308 - 309.
(5)
همع الهوامع "ومعه جمع الجوامع" جـ6 ص 340. وهذه المواضع مذكورة في الهمع، وهي {بِأَيْدٍ} [الذاريات: 47] {وَمَلَئِهِ} [الأعراف: 103] {مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ} [الأنعام: 34] {وَمَلَئِهِمْ} [يونس: 83].
و"مَلَائهِ" ونحوهما، لكن قول شارح "الشافية" في الكلام على "عَمْرو" المتقدم (1) أن المضاف للضمير لا يفصل منه بحرف زائد يقتضى أن الياء غير مزيدة.
وقد جعلت في هذا الباب ستة فصول وتتمة الباب.
(1) تقدم ذلك ص 314.