الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[تقريظ للشيخ عبد الهادي نجا الأبيارى]
وهذه صورة ما كتبه الأديب الأوحد واللوذعى المفرد السيد عبد الهادي نجا الأبيارى (1). تقريظًا على "المطالع".
بسم الله الرحمن الرحيم
{وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3)} [الطور: 1 - 3] إِنَّ حَمْدَ الله الأكرم الذي علَّم بالقلم لَمِن أعظم ما تستدرّ به غيوث الأجور. فسبحانه من إِله جعل العناية بتجديد رسوم ما اندرس من رُبوع المعارف دليلًا على عنايته بمن حلاه حلاها، وأنار مطالع المطابع المصرية بكواكب "المطالع النصرية" لمَّا تبلَّج بَدْرُها، وأشرق سَناها.
والصلاة والسلام على أفضل رسله الذي بدأ به الوجود (2) وختم الرسالة، واستنقذ الأمة بأنوار هديه من ظلمات الغى والضلالة، وعلى آله وصحبه الذين عرفوا معانى جوامع كلمه، فغدوا أئمة يَقْتدى بهم من خطباء الكتابة من رقى منبرها متصرفًا بلسانه وقلمه.
وبعد:
فقد اطلعت على الرسالة النصرية في الفنون الرسمية فوجدتها روض خطوط تيْنَع به من الحظوظ أزهارٌ، وتجرى تحت أدواح سطور طروسه من غرائب المعارف أنهارٌ، يقرأ طيرُ الأذهان في أفانينه من فنونه صحفًا منشرة، ويصافح نسيمُ المعانى العجيبة أكُفَّ أوراق غصون فصوله النضرة. بل {كِتَابٌ مَرْقُومٌ (20) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ} [المطففين: 20 - 21]، وما يجحد بآيات فضله إِلا
(1) سبق التعريف به ص 79.
(2)
القول بأن نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم بدأ الله به الوجود، وأنه أول خلق الله، أو أنه مخلوق من نور العرش، أو من نور الله، باطل لا أساس له من الصحة، وليس عليه دليل من الكتاب والسنة الصحيحة، ولم يقل به أحد من سلفنا الصالح، ولا من الأئمة الذين ساروا على طريقتهم غير مبدلين ولا مغيّرين.
الغافلون الذين هم في غمرتهم يعمهون.
ورسالة رسوم تصبح بها رسوم الفضل رياضًا نضرة، أو سماء بالنجوم زاهرة إِن لم ترض أن تكون رياضًا في الأرض مزهرة.
بها أَمِنتْ المطابع من الزَّلل، وأصبح الكُتّاب في جُنَّة من طوارق الخلل، وباهوا في مطارف معارف، وقالوا في ظل من التصحيح وارِف، مع ألفاظ رقَّت لطفًا فكانت على الحقيقة نسيم الشمال، ومعانٍ دقّت فكانت أَسَحَر من عيون الغزلان، وأَمْضَى من السيوف الصِّقال.
فلو أن لفظًا تصوّر جوهرًا تتحلى به الأعناق، أو كوكبًا تستضئ به الآفاق، كانت تلك الألفاظ التي تفضى بسامعها إِلى السجود وتسرى سلافة وقتها في الأفئدة سَرَيانَ الماء في العود.
فما أَعْجَبَه من مؤلف بَدْر إِشراقه في مطالع تمه، وزَهَر زَهْر فضله يَفْترُّ حسنًا في كمه.
فلله ما تضمنه من بديع الاختراع الذى هو كأنه شكل صاحبه انطبع في مرآة الطروس بانعكاس الشعاع.
ولله مؤلفه حيث أوضح فيه من خفايا خطوط الخطوط أفصح إِيضاح، وفتح به أبواب المعانى لكل معان بدون مفتاح، وحشد في بيوت أبوابه ما تسخر رقته بالشمال، والشمول، مطلعًا في بروجه من مطالع قلمه ما لا تدّعيه البدور الكوامل، مبدعًا من جوامع عباراته وبدائع براعاته ما حصر عنه لسان سحبان وائل (1). قائلًا لمن حوله من الفضلاء: ألا تستمعون؟ ولذوى المجاراة في هذا الفن العجيب: ألا تجتمعون؟ فقال القوم: هيهات هيهات، وأَنَّى لنا المطار في
(1) هو سحبان بن زفر بن إِياس الوائلى، من باهلة، خطيب يضرب به المثل في البيان فيقال:"أخطب من سحبان"، "أفصح من سحبان" اشتهر في الجاهلية وعاش زمنًا في الإِسلام، وكان إِذا خطب يسيل عرقًا، ولا يعيد كلمة، ولا يتوقف ولا يقعد حتى يفرغ، وأسلم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجتمع به، وأقام في دمشق أيام معاوية بن أبي سفيان، وله شعر قليل وأخبار، توفي سنة 54 هـ "تهذيب تاريخ ابن عساكر جـ6 ص 65، بلوغ الأرب للآلوسى جـ3 ص 156، خزانة الأدب جـ4 ص 347، وانظر الأعلام جـ3 صـ 79".
هذا الأفق الذي لا تدَّعى قوادمُ السوابق من الطير فيه الثبات، وهذا أفق نَصْرىّ لا تستطيع مطاولته الأفهام، وتلك عصَا قومٍ متى ألقيت تَلْقَف ما يأفك عِصِىّ الأقلام.
وكيف لا وهو الذي بلغ برقائق الفصاحة ودقائق البلاغة أرفع الدرج، ولم يزل صدره بحر الفضائل، فحدِّثْ عن البحر ولا حرج، نحا نحو "تهذيب التحرير" فقَرَّ به عينًا. وشرح صدرًا. وتشاجرت على لفظه الأمثلة، فلا بدع إِذا ضرب زيدٌ عمْرًا.
كان روض هذا الفن الجليل قبله يَبَسًا فمن غُدْران (1). فضله ارتوى، وسرى في عوده روح اليُنُوع فاهتز بعد أن كان ذَوَى.
فأبقى الله مؤلفَه أبا الوفا، وأدامه ممر الجديدين مجتنى ثمر الصفا، ولا برح متمكنًا من الآداب تمكُّنَ من حَسُن له فيها مبتدأ وخبر، وزاد بيانه سحرًا حتى يقال هذه ثغور الغوانى إِذا نَظم، وهذه نجوم الدرارى إِذا نَثَر، بجاه خير الأنام، خاتم رسل الله عليه أفضل الصلاة وأتم السلام (2).
قاله بفَمِه ورَقَمه بقلمه عبد الهادي نجا الأبيارى، حفظه الله بلطفه السارى.
(1) غُدْران: جمع "غدير" وهو القطعة من الماء يغادرها السيل "مختار الصحاح - غدر".
(2)
هذا توسل غير مشروع، راجع ما كتبناه عن ذلك أول الكتاب ص 31.