الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تتمة الكتاب
[ترتيب الحروف الهجائية على الطريقة الأبجدية]:
قولهم (الحروف الهجائية التي أولها الألف وأخرها الياء) فيه إيماءٌ إِلى اختيارهم ترتيبها على هذا الوضع، وترجيحه عن ترتيبها على طريقة "أَبَجَدْ" -بفتح الباء- ويقال "أَباجَاد" كصيغة الكُنْية كما في "حاشية القاموس"(1). ومنه قول الشاطبى (2)
جَعَلْتُ أَبا جَادٍ عَلَى كُلّ قَارِئٍ
…
دَليلًا عَلَى المنظومِ أَوَّلَ أَوَّلا (3)
لِمَا نقله المحشِّى (4) عن كتاب البَلَوِى الأندلسى (5) المسمِّى (أَلِف با) من أنه "يُكره لمعلم الصبيان أن يعلمهم أَباجاد". قال: لأنها أسماء شياطين
(1) إِضاء الراموس لابن الطيب المغربى جـ3 مادة "بجد" مخطوط بدار الكتب المصرية رقم 396 لغة تيمور، وهذا الجزء غير برقم الصفحات، وله ميكروفيلم رقم 51151. والزبيدى في تاج العروس "جـ2 ص 294" نقل عن شيخه ابن الطيب "مادة/ بجد".
(2)
تقدمت ترجمته ص 86.
(3)
متن الشاطبية "حرز الأمانى" ص 9، والمعنى:"جعلت حروف "أبجد" المعروفة علامة على كل قارئ من الأئمة السبعة، ورواتهم الأربعة عشر على ترتيب ما نظمت، فجعلت الحرف الأول للقارئ، والحرف الثاني للراوى الأول عنه، والثالث للراوى الثاني عنه، وهكذا" -انظر الوافى في شرح الشاطبية، لعبد الفتاح القاضى "طبع الجهاز المركزى للكتب الجامعية والمدرسية 1402 هـ -1982م".
(4)
المحشى هو ابن الطيب المغربى -انظر هامش رقم (1) من هذه الصفحة".
(5)
يوسف بن محمَّد بن عبد الله بن يحيى بن غالب، أبو الحجاج البلوى المالقى الأندلسى المالكى ويقال له: ابن الشيخ، عالم بالأدب واللغة، زار الإِسكندرية في حجه ذهابًا وعودة، سنة 561 هـ، 562 هـ، قال المنذرى: كان أحد الزهاد المشهورين، يقال: إِنه بني بمالقة اثنى عشر مسجدًا بيده، ولم تفته غزوة في البر ولا في البحر، مولده سنة 529 هـ، ووفاته سنة 604 هـ، له كتاب "ألف باء" في مجلدين، سماه الزبيدى صاحب "تاج العروس""ألف با للألبا"، وله كتاب آخر توسع فيه فيما أوجزه في "ألف با" "من مصادر ترجمته: التكملة لابن الأبار جـ737، وانظر كشف الظنون ص 471، الأعلام جـ8 ص 247 - 248".
أَلْقَوها على ألسنة العرب في الجاهلية، وصرح به سَحْنُون (1) وغيره من أصحابنا المالكية، وروى عن ابن عباس (2) أنه سُئل عن قومٍ ينظرون في النجوم يكتبون "أَباجَاد" فقال: أولئك قومٌ لا خَلَاقَ لهم. . . إِلى أن قال: وعندى في ذلك نَظَرٌ، لأنه لم يَثْبُتْ عنه عليه السلام من طريق صحيح أو حسن -بل ولا ضعيف- يعتدُّ به، وإنما قال سَحْنُون (3): سمعت حَفْص بن غِيَاث (4) يحدث أن "أَباجَاد" أسماء شياطين، وقال محمَّد: سمعت بعض أهل العِلْم يقول: إِنها أسماء ولد "سَابُور" مَلِك فارس؛ أَمَرَ مَن كان في طاعته من العرب أن يكتبوها، قال: فلا أرى لأحدٍ أن يكتبها، فإِنها حرام" اهـ (5).
قال المحشِّى: "وقد أورد بعض أحكامها شيخ شيوخنا العلامة البارع النحوى الجامع أبو بكر الشَّنَوانى (6) في رسالته المعروفة بـ "حِلْيةُ أهل الكَمال بأمثلة
(1) عبد السلام بن سعيد بن حبيب التنوخى، الملقب بسحنون، قاضى فقيه انتهت إِليه رياسة العلم في المغرب، أصله شامى من حمس، ومولده في القيروان سنة 160 هـ، وولي القضاء بها سنة 234 هـ واستمر إِلى أن مات سنة 240 هـ، وكان رفيع القدر عفيفًا أبىَّ النفس زاهدًا، لا يهاب سلطانًا في حق يقوله: روى المدونة "في فقه المالكية" عن عبد الرحمن بن قاسم عن الإِمام مالك، ولأبى العرب محمَّد بن محمَّد بن تميم كتاب "مناقب سحنون وسيرته وأدبه" "ومن مصادر ترجمته: قضاة الأندلس ص 28، البداية والنهاية جـ5 ص 875،، وانظر الأعلام جـ4 ص 5".
(2)
تقدمت ترجمته ص 74.
(3)
سبق التعريف به قبل أسطر قليلة.
(4)
حفص بن غياث بن طلق بن معاوية النخعى الأزدى الكوفى، أبو عمر، من الفقهاء وحفاظ الحديث الثقات، ولى القضاء ببغداد الشرقية في خلافة هارون الرشيد، ثم ولاه قضاء الكوفة ومات فيها سنة 194هـ وكان مولده سنة 117 هـ، "من مصادر ترجمته: تاريخ بغداد جـ8 ص 188، وفيات الأعيان جـ2 ص 197، تهذيب التهذيب جـ2 ص 415".
(5)
ألف باء -للبلوى جـ1 ص75 - 76 "طبع المطبعة الوهبية 1287هـ"، وانظر تاج العروس جـ2 ص 294، وقد نقل مؤلفه عن محشى القاموس "ابن الطيب المغربى" الذي نقل -بدوره- عن البلوى، وقد رجعت لكتاب البلوى ووثقت منه النص المنقول.
(6)
سبق التعريف بالشنوانى ص 100.
الجَلَال" (1)، ثم ذكر المحشِّى الرواية الموافقة لما في "القاموس" (2) و"الخطط المقريزية" (3): "أنهم كانوا ملوك مَدْيَن، وأن رئيسهم "كَلَمُن" وأنهم هَلكَوا يوم الظلة (4)، وأنهم قوم شعيب عليه السلام" ثم قال:"وروى عن عبد الله ابن عمرو بن العاص (5) وعروة بن الزبير (6) أنهما قالا: أول من وضع الكتاب العربى قوم من الأوائل، نزلوا في عَدْنان بن أد بن أدد" أسماؤهم: "أَبْجَدْ، هَوَّز، حَطّى، كَلَمُن، صَعْفَضْ، قَرَسَت" فوضعوا الكتاب العربى على أسمائهم، ووجدوا حروفًا ستة ليست من أسمائهم -وهي "ثَخَذْ، ظَغَشْ" فسموها الروادف- ويذكر أن عمر بن الخطاب لقى أعرابيًا فقال له: "هل تُحسن أن تقرأ القرآن؟، فقال: نعم. قال: فاقرأ أُمَّ القرآن، فقال: والله ما أُحْسِنُ البنات فكيف الأُمَّ؟. فضربه، ثم أسلمه إِلى الكُتَّاب، فمكث فيه
(1) كتاب "حلية أهل الكمال بأمثلة الجلال" لأبي بكر الشنوانى ذكره رضا كحالة في معجم المؤلفين "جـ2 ص 283" في ترجمة الشنوانى باسم "حلية الكمال بأجوبة أسئلة الجلال" وهو مذكور بهذا العنوان الأخير في "إِيضاح المكنون" جـ1 ص 420.
(2)
القاموس المحيط "مادة/ بجد -باب الدال، فصل الباء".
(3)
الخطط المقريزية جـ1 ص 349 - 350.
(4)
قال الله تعالى عن قوم شعيب -أهل مدين "وهم أصحاب الأيكة"{فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الشعراء: 189]-، قال عبد الله بن عمر، إن الله سلط عليهم الحرَّ سبعة أيام حتى ما يظلهم منه شئ، ثم إِن الله أنشأ لهم سحابة، فانطلق إِليها أحدهم فاستظل بها، فأصاب تحتها بردًا وراحة، فأعلم بذلك قومه، فأتوها جميعًا، فاستظلوا تحتها، فأججت عليهم نارًا" "تفسير ابن كثير جـ3 ص 346".
(5)
عبد الله بن عمرو بن العاص القرشى الصحابي، من أهل مكة، أسلم قبل أبيه، وكان من النساك، كثير العبادة، وكان يكتب في الجاهلية، ويحسن السريانية، وعمى في آخر حياته، توفي سنة 65 هـ "من مصادر ترجمته: حلية الأولياء جـ1 ص 283، تهذيب التهذيب جـ5 ص 337".
(6)
عروة بن الزبير بن العوام الأسدى القرشى، أبو عبد الله المدني، أحد الفقهاء السبعة بالمدينة، كان عالمًا صالحًا كريمًا لم يدخل في شئ من الفتن، قدم مصر وتزوج وأقام بها سبع سنين، ثم عاد إِلى المدينة، وتوفى فيها سنة 94 هـ أو 95 هـ "من مصادر ترجمته: وفيات الأعيان جـ3 ص 255، تهذيب التهذيب جـ7 ص180 - 185، حلية الأولياء جـ2 ص 176".
حينًا، ثم هرب، وأنشأ يقول:
أَتَيْتُ مُهاجِرينَ فَعلَّمُونى
…
ثلاثةَ أَسْطُرٍ مُتَتَابِعَات
كِتَاب الله في رَقٍ صَحيحٍ
…
وآياتِ القرآنِ مُفصَّلاتِ
فَخَطُّوا لى أَبا جَادٍ وقَالُوا
…
تَعَلَّمْ صَعْفَضًا وقرِيساتِ
وما أنا والكتابةَ والتَّهَجِى
…
وما خطُّ البنينَ مِنَ البَنَاتِ
انتهى ما نقلته مختصرًا مما نقله المحشِّى من كتاب "أَلِف با"(1). وهو قد يدل على أنهم كانوا أولًا يُعلِّمون الهجاء على ترتيب أَبجد، وكنت قرأت في بعض الكتب أن الحروف الأبجدية فرع عن السُّريانية، لأنها على ترتيبها، فلعل عدولهم عن تعليمها الصغار -مع كَوْن الجُمل على ترتيبها، والحاجة داعية إِليه في أمور كثيرة، منها الزيج- ليس إِلا لِشُبّهة قامت عندهم، أو للأحاديث الواردة الدالة على أن هذا الترتيب الجاري عليه التعليم هو المتلَقَّى عن صاحب الشريعة المطهرة عليه الصلاة والسلام.
ثم إِن ما ذكره المحشِّى في ترتيب الأبجدية من الشعر وغيره إِنما هو على طريقة المغاربة دون ما عليه إِمام المشارقة الغزالي (2) وغيره. وينبنى على اختلاف الطريقتين الاختلاف في أعدادها بالجُمل.
والخلاف بينهما في أعداد ستة أحرف، وهي: السين والصاد (المهملتان)، والشين والضاد والظاء والغين (المعجمات).
فالسين عندنا بستين، وعندهم بالثلاثمائة التي هى عدد الشين المعجمة
(1) إِضاء الراموس لابن الطيب المغربى جـ3 - مادة (بجد) - مخطوط بدار الكتب المصرية برقم 396 لغة تيمور، والجزء غير مرقم الصفحات، وله ميكروفيلم (51151)، وقد سبق الإِشارة إِلى موضع النقل عن كتاب (ألف باء) للبلوى -راجع حاشية رقم (5) ص (426).
(2)
تقدمت ترجمته ص 157.
عندنا، وهي عندهم آخر الحروف بالأَلْف الذى هو عدد أَلْفَيْن عندنا، وهي عندهم بالتسعمائة التي هى عدد الظاء عندنا، وهي عندهم بالثمانمائة التي هى عدد الضاد عندنا، وهي عندهم بالتسعين الذى هو عدد الصاد عندنا، وهي عندهم بستين عدد السين التي أبتدأنا بها.
ونسأل الله حسن الختام بجاه (1) سيد الكائنات عليه وعلى آله وصحابته وأتباعهم أتم الصلاة والسلام، آمين:
(1) هذا التوسل لا يجوز شرعًا، وقد تقدم الكلام على هذا في المقدمة ص 34، 35 [الناشر].