الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أبواب البيوع والتجارات والسلم
في بيان أنواع البيوع جمع بيع، وهو في اللغة: المبادلة مطلقًا، وفي الشرع: مبادلة المال المتقوم بالمال المتقوم تمليكًا وتملكًا في التجارات جمع التجارة، وهي عبارة عن شراء شيء ليبيع بالربح، وإنما جمعهما باعتبار أنواعهما من بيع العين بالعين وهي المقايضة؛ سمي بالمقايضة لتساوي العوضين في العينية، يقال: هما قبضان أي: متساويان وبيع الدين بالعين، وهو السلم وبيع العين بالدين وهو بيع النسيئة وبيع الثمن بالثمن وهو الصرف. كذا قاله ابن مالك في (شرح مجمع البحرين) وإنما سمي البيع بيعًا؛ لأن البائع يمد باعه إلى المشتري حالة العقد غالبًا كما سمي صفقة؛ لأن أحد المتبايعين يصفق يده على يد صاحبه. كذا قاله الزرقاني.
والسلم هو في اللغة: التقديم والتسليم، وفي الشرع: اسم لعقد يوجب الملك في الثمن عاجلًا وفي المثمن (ق 793) آجلًا، فالمبيع يسمي مسلمًا فيه، والثمن رأس المال، والبائع مسلم إليه والمشتري رب التسليم، كذا قاله السيد محمد الجرجاني الحنفي، وجه المناسبة بين هذا الكتاب والكتاب السابق الأيمان والوفاء بما لزم فإن من حلف باليمين المنعقد لزم عليه الكفارة إن حنث وما باع شيئًا يلزم عليه أن يسلمه إلى المشتري، وإنما قدم كتاب الأيمان على كتاب البيوع اهتمامًا لشأنها؛ لأن في اليمين تعظيم لله تعالى، وفي نسخة: أبواب البيوع والسلم بفتحتين نوع من التجارة فعطفه من قبيل عطف الخاص على العام.
باب بيع العرايا
في بيان حكم حال بيع العرايا بفتح العين المهملة والراء المهملة وتحتية قبلها ألف وبعدها ألف بزنة نداما، جمع العرية بفتح العين المهملة وكسر الراء المهملة وفتح التحتية المشددة فمثناة بزنة طرية. قال سعيد بن زيد الباجي المالكي: العرية ما منح من ثمن النخل، كما صوبه الزرقاني.
757 -
أخبرنا مالك، حدثنا نافع، عن عبد الله بن عمر، عن زيد بن
(757) صحيح، أخرجه البخاري (2064)، ومسلم (1539)، والترمذي (1302) وغيرهم.
ثابت، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخَّص لصاحب العرِيَّة أن يبيعها بخَرْصها.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: ثنا مالك حدثنا نافع، بن عبد الله المدني مولى ابن عمر ثقة فقيه ثبت مشهور، كان في الطبقة الثالثة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات سنة سبع عشرة ومائة عن عبد الله بن عمر، عن زيد بن ثابت، رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخَّص لصاحب العرِيَّة بفتح المهملة وتشديد التحتية الرطب والعنب على الشجر أن يبيعها بخَرْصها بفتح الخاء المعجمة وسكون الراء المهملة والصاد المهملة، أي: ثمن مقدر ومخمن على الثمر أي: رخص صلى الله عليه وسلم أن يبيع الثمر على الشجر على وجه التخمين والتقدير، وفيه من لطائف الإِسناد صحابي عن صحابي.
* * *
758 -
أخبرنا مالك، أخبرنا داود بن الحُصين، أن أبا سفيان مولى ابن أبي أحمد أخبره عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخَّص في بيع العرايا بالتمر فيما دون خمسة أوسُق- أو في خمسة أوسق - شكَّ داود: لا يدري: أقال خمسة أو فيما دون خمسة.
قال محمد: وبهذا نأخذ.
وذكر مالك بن أنس: أن العريَّة إنما تكون أن الرجل يكون له النخل فيطعمُ الرجل منها ثمرة نخلة أو نخلتين يلقطها لعياله، ثم يثقل عليه دخوله حائطه فيسأله أن يتجاوز له عنها، على أن يعطيه بمكيلتها تمرًا، عند صِرام النخل.
فهدا كله لا بأس به عندنا، لأن التمر كله كان للأول، فهو يعطي منه ما شاء، فإن شاء سلم له تمرًا لنخله، وإن شاء أعطاه بمكيلتها من التمر؛ لأن هذا كله لا يجعل بيعًا، ولو جعل بيعًا لما حل تمر بتمر إلى أجل.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: ثنا، وفي أخرى: أنا أخبرنا داود بن الحُصين،
(758) صحيح، أخرجه البخاري (2078)، ومسلم (1539).
بالتصغير الأموي مولاهم، يكنى أبا سليمان المدني، ثقة إلا في عكرمة ورأى برأي الخوارج لكن لم يكن داعية، ووثقه ابن معين والنسائي والعجلي، وكنى برواية مالك عنه توثيقًا، كان في الطبقة السادسة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات سنة خمس وثلاثين ومائة كذا في (تقريب التهذيب) أن أبا سفيان قيل: اسمه وهب، وقيل: قزمان مولى عبد الله ثقة، كان في الطبقة الثالثة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات بعد المائة ابن أبى أحمد اسمه عبد بلا إضافة ابن جحش الأسدي الصحابي، أخي زينب أم المؤمنين أخبره عن أبي هريرة: رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخَّص بتشديد الخاء المعجمة المفتوحة من الترخيص في بيع العرايا بفتح العين المهملة جمع عرية بزنة فعيلة.
قال الجمهور: بمعنى فاعلة؛ لأنها عرية بإعراء مالكها أي: أفرده لها من باقي النخل، فهي عارية وقيل: بمعنى مفعولة من عراه يعروه إذا أتاه؛ لأن مالكها يعروها، أي: يأتيها فهي معرورة، وفسرها مالك فقال: العرية أن يعري الرجل برجل تحتله ثم يتأذى بدخوله عليه، فرخص له أن يشتريها منه بثمر أسنده ابن عبد البر.
وقال سعيد بن زيد الباجي: العرية الموهوب ثمرها، وفي البخاري عن سعيد بن جبير: العرايا تمر يهب نخلها.
قال الأبي: وإطلاق رواية الحديث بإضافة البيع إليها يمنع تفسيرها بأنها (ق 794) هبة التمر وأنها النخلة، فالصواب تفسيرها بأنها ما منح من ثمر النخل. كذا قاله الزرقاني (1) فيما دون خمسة أوسُق بفتح فسكون فضم جمع وسق، وهو بفتح أوله أفصح وأشهر من كسره صاع بصاع النبي صلى الله عليه وسلم أو في خمسة أوسق شك داود: أي: ابن الحصين شيخ الإِمام مالك لا يدري: أقال أي: هل قال شيخه أبو سفيان خمسة أو فيما دون خمسة وبسبب هذا الشك اختلف قول الإِمام مالك فقصر في المشهور الحكم على خمسة أوسق فأقل اتباعًا لما وجد عليه العمل، لأن الخمسة أو مقادير المال الذي يجب فيه الزكاة من هذا الجنس، فقصر الرفق على شرائها فما زاد عليها خرج إلى المال الكثير الذي يطلب فيه التجار مع ما فيه من المزابنة، وعنه أيضًا. قصر الجواز على أربعة، فأقل عملًا بالمحقق؛ لأن الخمسة شك فيها أو العرايا رخصة أصلها المنع، فيقصر الجواز على المحقق،
(1) الزرقاني في شرحه (3/ 338).
وسبب الخلاف أن النهي عن المزابنة وقع مقرونًا بالرخصة في العرايا؛ ففي الصحيح (1): نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع التمر بالتمر ورخص في العرية أن تباع بخرصها يأكلها، وفي الحديث دلالة أن الرخصة إنما هي فيما يكال فيحتج به، لأحد القولين يعني المشهور بتعميمها في التمر، وكلها يبيس ويدخر كالزبيب وغيره.
قال القرطبي: وهو الأول؛ لأن النص إنما هو في التمر.
قال محمد: وبهذا نأخذ أي: لا نعمل إلا بما رواه هنا أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وذكر مالك بن أنس: بن مالك بن عمير بن أبي عامر الأصبحي، من كبار أتباع التابعين أن العريَّة إنما تكون أي: قصتها وحالتها أن الرجل يكون له النخل أي ملكًا له والنخل اسم جنس مفرد النخلة فيطعمُ أي: فيهب الرجل المالك الرجل أي: المسكين منها أي: من جملة النخل ثمرة نخلة أو نخلتين أي: من بستانه يلقطها بضم القاف أي: يأخذها لعياله، جملة استئنافية متضمنة للتعليل أو حالية ثم يثقل عليه أي: يشق على مالكها دخوله أي: دخول الرجل المعطي في فك يوم حائطه أي: بسبب ما أو لا يرضى بالخلف في الوعد والرجوع في الهبة فيسأله أن يتجاوز له عنها، أي: يسامح له عن أخذها بعينها على أن يعطيه أي: بدل عنها بمكيلتها أي بمقدار ما يكال به ويقاس عليه تمرًا، عند صِرام النخل بكسر الصاد المهملة أي: جذاذها وقطع ثمرها، وحاصله أنه يعطيه مكان ذلك تمر مجذوذ بالخرص لدفع ضرره عن نفسه.
فهذا كله لا بأس به عندنا، لأن التمر كله كان للأول، فهو يعطي منه ما شاء، فإن شاء سلم له تمرًا لنخله، أي: ليأخذ من ثمرها وإن شاء أعطاه بمكيلتها أي: بمقدارها من التمر: لأن هذا أي: العطاء كله لا يجعل بيعًا، أي: حقيقة بل مجازًا. وخلاصته أن الموهوب لا يصير ملكًا للموهوب له ما دام متصل بملك الواهب فما يعطيه من الثمر لا يكون عوضًا بل هبة مبتدأة، وإنما سمي بيعًا لأنه في صورته ولو جعل بيعًا أي: حقيقيًا لما حل تمر بتمر إلى أجل أي: لدخول الربا فيه من جهتين عدم التساوي والنسيئة، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع التمر بالتمر كما رواه الشيخان وأبو داود عن سهل بن أبي حثمة (2)،
(1) البخاري (2062)، ومسلم (1588).
(2)
تقدم قريبًا.