الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لما فرغ من بيان ما يتعلق بالربا فيما يكال أو يوزن، شرع بذكر ما يتعلق إلى حكم حال الرجل ثبت له على رجل العطايا والدين فيزيد أن يبيعه قبل أن يقبضه، فقال: هذا
* * *
باب الرجل يكون له العطاء أو الدين على الرجل فيبيعه قبل أن يقبضه
في بيان ما يتعلق بحكم حال الرجل يكون له العطايا أو الدين على الرجل فيبيعه قبل أن يقبضه؛ فإن قيل: لم خص البعض بالذكر، ولم يقل: قبل أن يستوفي فيه؟
أجيب فإنه أشار إلى اليسير في مذهبنا كما اشترى طعامًا بثمن معلوم واكتال (ق 856) البائع بعض الطعام في وعاء المشتري وحبس بعضه لأجل الثمن جاز للمشتري أن يبيع الطعام المحبوس عند البائع، فإن قبض البعض قبض الكل حكمًا خلافًا لمالك، حيث قال في (الموطأ): لا يبيع شيئًا مما كان من الطعام وغيره على رجل حتى يقبضه يستوفيه انتهى.
824 -
أخبرنا مالك، أخبرنا يحيى بن سعيد، أنه سمع جميل المؤذن يقول لسعيد بن المسيَّب: أيّ رجل اشترى هذه الأرزاق التي يُعطاها الناس بالجار، فابتاع منها ما شاء الله، ثم أُريد أن أبيع الطعام المضمون عليَّ إلى ذلك الأجل، فقال له سعيد: أتريد أن توفيهم من تلك الأرزاق التي ابتعت؟ قال: نعم، فنهاه عن ذلك.
قال محمد: لا ينبغي للرجل إذا كان له دين أن يبيعه حتى يستوفيه، لأنه غَرَرٌ فلا يدري أيخرج أم لا يخرج، وهو قولُ أبي حنيفة رحمه الله.
• أخبرنا مالك، أخبرنا يحيى بن سعيد، قد سبق طبقته أنه سمع جميل بفتح الجيم وكسر الميم وإسكان التحتية ثم لام، هو ابن عبد الرحمن المؤذن المدني أمه من ذرية سعد القرظ، وكان يؤذن سمع سعيد بن المسيَّب: وعمر بن [عبد](*) العزيز، وعنه مالك بواسطة يحيى وبلا
(824) إسناده صحيح.
(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: ما بين المعكوفتين سقط من المطبوع
واسطة، والصواب أن اسم أبيه عبد الرحمن، كما هنا، وقيل: اسمه عبد الله بن سويد أو سوادة. كذا ذكره ابن الحذاء يقول لسعيد بن المسيب: أيّ رجل اشترى هذه الأرزاق التي يُعطاها بالتحتية أو الفوقية الناس بالرفع نائب فاعل يعطى بتحتية، والنصب على أنه المفعول الثاني لتعطى بالفوقية بالجار، بالجيم ثم ألف ثم الراء المهملة المخففة: مدينة على ساحل البحر بينها وبين المدينة يوم وليلة. كذا في (النهاية) فابتاع منها أي: اشترى بعض الأرزاق ما شاء الله، أي: في الذمة بدليل قوله: ثم أُريد أن أبيع الطعام المضمون عليَّ أي: ذلك الأجل، فقال له سعيد: أتريد أن توفيهم أي: تعطيهم من تلك الأرزاق التي ابتعت؟ أي: اشتريتها أولًا قال: نعم، فنهاه عن ذلك قال الفاضل السيد محمد الزرقاني: زاد في ذلك في (الموطأ): قال مالك: وذلك رأيي أي: خوفًا من التساهل في ذلك حتى يشترط القبض أو يسعه قبل أن يستوفيه، فمنع عن ذلك للذريعة التي يخاف منها التطرف إلى المحذور إن قلت. انتهى.
قال محمد: لا ينبغي أي: لا يجوز للرجل إذا كان له دين على الناس من الطعام وغيره أن يبيعه حتى يستوفيه، أي: غاية أخذ الدائن حقه تمامًا من المديون لأنه غَرَرٌ أي: بيع فيه خدعة وحيلة فلا يدري أي: الدائن أيخرج أي: المال أم لا يخرج، وهو قولُ أبي حنيفة رحمه الله تعالى، وبه قال مالك، فإن قيل: ما الفائدة في قوله: لا ينبغي للرجل إذا كان له دين أن يبيعه حتى يستوفيه، وهو مخالف لما في الترجمة حيث قال هنالك: الرجل يكون له العطايا أو العين على الرجل، فيبيعه قبل أن يقبضه.
أجيب بأنه أشار هنالك إلى الرخصة، وهنا إلى الجواز وهو مذهب مالك.
* * *
825 -
أخبرنا مالك، أخبرنا موسى بن مَيْسَرة، أنه سمع رجلًا يسأل سعيد بن المسيَّب، فقال: إني رجلٌ أبيع الدين، وذكر له أشياء من ذلك، فقال له ابن المسيَّب: لا تبع إلا ما أويْتَ إلى رحلك.
قال محمد: وبه نأخذ، لا ينبغي للرجل أن يبيع دينًا له على إنسان إلا من
(825) إسناده صحيح.
الذي هو عليه؛ لأن بيع الدَّين غَرَرٌ، لا يدري أيخرج أم لا، وهو قول أبي حنيفة رحمه الله.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا مالك أخبرنا موسى بن ميسرة بفتح الميم وسكون التحتية وفتح السين المهملة والراء المهملة فالهاء، فهو الديملي بكسر الدال وسكون التحتية، مولاهم يكنى أبا عروة المدني ثقة كان في الطبقة السادسة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات سنة ثلاثين (ق 856) ومائة. كذا قاله ابن حجر (1) أنه سمع رجلًا يسأل سعيد بن المسيَّب، فقال: إني رجلٌ أبيع الدين، أي: على إنسان أحيانًا وذكر له أشياء من ذلك، أي: من تصدير ما هنالك فقال له ابن المسيَّب: لا تبع إلا ما أويْتَ بالمد ويقصر أي: ابتعت به إلى رحلك أي: منزلك، وهو كناية عن قبضه.
قال محمد: وبه نأخذ، أي: لا نعمل إلا بما قاله سعيد بن المسيب لا ينبغي للرجل أن يبيع دينًا له على إنسان إلا من الذي هو عليه، لأن بيع الدَّين غَرَرٌ، أي: خدعة بالنسبة إلى غير الديون لا يدري أيخرج أي: من المديون أم لا، وهو قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى، اعلم أنه لا يجوز بيع مشتري منقول قبل قبضه وقيد بالمنقول؛ لأن بيع العقار يجوز قبل قبضه.
وقال الشافعي ومحمد وزفر: لا يجوز أيضًا؛ لأنه مبيع لم يقبض فلا يصح بيعه كالمنقول.
وقال مالك: بجميع التصرفات إن كان غير الطعام؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال في الطعام: "يدًا بيد" وقيل: القبض لا يأتي ذلك.
وقال أحمد: لا يجوز بيعه قبل القبض إن كان مكيلًا أو موزونًا أو معدودًا أو إن لم يكن يجوز، ولنا ما روى أبو داود (2) وابن حبان (3) في صحيحه والحاكم في (مستدركه) (4) وصححه عن عبد الله بن عمر قال: ابتعت زيتًا في السوق، فلما استوجبته لقيني رجل
(1) في التقريب (1/ 554).
(2)
أبو داود (3/ 282).
(3)
ابن حبان في صحيحه.
(4)
الحاكم في المستدرك (2/ 46).