الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب اللقطَة
في بيان حكم ما يتعلق باللقطة بضم اللام وفتح القاف والطاء ثم تاء وهي مال يوجد على الأرض ولا يعرف مالك، وهي علي وزن الهمزة والضحكة مبالغة في الفاعل، وهي لكونها مالًا مرغوبًا جعلت أخذًا مجازًا لكونها سببًا لأخذ من رأها كذا قاله السيد محمد الجرجاني.
وقال بعض الشارحين: وهي أمانة سواء كانت في الحلال أو الحرام، وسواء كانت متاعًا أو بهيمة، وجه المناسبة بين هذا الباب والباب السابق وجوب الأداء بما عنده من الشهادة واللقطة، لكن الأول معنوي والثاني صوري، فإن من كان شاهدًا (ق 881) على شيء أوله وجب عليه الشهادة إذا طلبت منه، وكذلك من أخذ اللقطة ووجد صاحبها فطلبها وجب عليه ردها لصاحبها.
850 -
أخبرنا مالك، أخبرنا ابن شهاب الزهري، أن ضَوَالَّ الإِبل كانت في زمن عمر بن الخطاب إبلًا مرسلة تُنَاتَجُ، لا يَمَسّها أحد، حتى إذا كان زمنُ عثمان بن عفان، أمر بمعرفتها وتعريفها، ثم تُباعُ فإذا جاء صاحبها أعطي ثمنها.
قال محمد: كلا الوجهين حسن، إن شاء الإِمام تركها ترعى حتى يجيء أهلها، فإن خاف عليها الضَّيعة أو لم يجد من يرعاها فباعها، ووقف ثمنها، حتى يأتي أربابها فلا بأس بذلك.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا مالك أخبرنا ابن شهاب الزهري، أن ضَوَالَّ الإِبل بفتح الضاد المعجمة وتشديد اللام جمع ضالة مثل دابة ودواب الأصل في الضلال الغيبة ومنه قيل للحيوان الضائع: ضالة للذكر والأنثى والجمع الضوال ويقال لغير
(850) صحيح: أخرجه مالك (529) والبيهقي في الكبري (12312).
الحيوان: ضائع ولقطة، وضل البعير غاب وخفى موضعه، وأضللته بالألف أي: فقدته كذا قاله الأزهري (1)، فإضافة الضوال إلى الإِبل من إضافة العام إلى الخاص وكانت أي: الضالة أو اللقطة في زمن أي: وقت خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه إبلًا مرسلة أي: مسيبة غير مضبوطة ولا مربوطة، وزاد في نسخة: مؤبلة بضم الميم وفتح الهمزة وفتح الموحدة المشددة ثم لام مفتوحة فهاء منصوبة على أنها صفة مرسلة أي: مجتمعة فهو تشبيه بليغ بحذف أداة التشبيه أي: كالمؤبلة المقتناة في عدم تعرض أحد إليها واجترائها في الكلاء وضحه بقوله: تُنَاتَجُ، بحذف أحد التائين أي: تتناتج بعضها بعضًا كالمقتناة لا يَمَسّها أحد، أي: لا يأخذها للنهي عن التقاطها حتى أي: لم يأخذها إلى حين إذا كان زمنُ عثمان بن عفان، أي: وقت خلافة ابن عفان أمر بمعرفتها أي: أولًا وتعريفها، أي: ثانيًا بعد التقاطها خوفًا من الخونة ثم أي: بعد تعريفها مدة يليق بها تُباعُ فإذا جاء صاحبها أعطي ثمنها بصيغة المجهول؛ لأن هذا أضبط له.
قال محمد: كلا الوجهين أي: من طريق عمر وعثمان حسن، أي: مستحسن شرعًا وعرفًا إن شاء الإِمام تركها ترعي كما في نسخة حتى يجيء أهلها، أي: فيأخذها فإن خاف عليها الضَّيعة بفتح الضاد المعجمة وسكون التحتية وفتح المهملة أي: التفتت أو لم يجد من يرعاها أي: يراعي حالها فباعها، ووقف بتشديد القاف أي: حبس ثمنها، أي: جعل ثمنها موقوفًا ومحفوظًا حتى أي: إلى النهاية يأتي أربابها فلا بأس بذلك أي: بما ذكر من بيعها وحفظ ثمنها إلى أن يأتي صاحبها ويعطيها إلى صاحبها.
* * *
851 -
أخبرنا مالك أخبرنا نافع، أن رجلًا وجد لُقَطَة، فجاء إلى ابن عمر فقال: إني وجدتُ لُقَطَةً، فما تأمرني فيها، فقال ابن عمر: عَرِّفها، قال: قد فعلتُ، قال: زِدْ، قالَ: قد فعلتُ، قال: لا آمرك أن تأكلها، لو شئْتَ لم تأخذها.
(1) انظر: "الزاهر"(ص: 366).
(851)
إسناده صحيح.
• أخبرنا مالك، أخبرنا نافع، أن رجلًا لم يسم وجد لُقَطَة، فجاء إلى ابن عمر رضي الله عنهما فقال: إني وجدتُ لُقَطَةً، فما تأمرني فيها، فقال ابن عمر: عَرِّفها، بتشديد الراء المكسورة قال: قد فعْلتُ، أي: عرفتها قال: زِدْ، قالَ: أي: الرجل الواجد قد فعلتُ، قال: أي: ابن عمر لا آمرك أن تأكلها، أي: وأنت تريد أن تأكلها لو شئْتَ أي: عدم أكلها ولا تملكها بلا ضمان لم تأخذها أي: وكان يرى كراهة الالتقاط مطلقًا.
* * *
852 -
أخبرنا مالك، أخبرنا يحيى بن سعيد، أنه قال: سمعتُ سليمان بن يَسَار يحدِّث أن ثابت بن الضحاك الأنصاري حدَّثه: أنه وجد بعيرًا بالحَرَّة فعرّفه، ثم ذكر ذلك لعمر بن الخطاب فأمره أن يُعَرِّفَه، قال ثابت لعمر: قد شغلني عن ضيعتي، فزعموا أنه قال له: أرسله حيث وجدته.
قال محمد: وبه نأخذ، من التقط لُقَطَة تساوي عشرة دراهم فصاعدًا عَرَّفَها حولًا، فإن عُرِفَت وإلا تصدق بها، فإن كان محتاجًا أكلها، فإن جاء صاحبها خَيَّره بين الأجر وبين أن يَغْرمَها، وإن كان قيمتها أقل من عشرة دراهم عَرَّفها على قَدْرِ ما يرى أيامًا، ثم صنع بها كما صنع بالأولى، وكان الحكم فيها إذا جاء صاحبها كالحكم في الأولى، وإن ردّها في موضعها الذي وجدها فيه فقد برئ منها، ولم يكن عليه في ذلك ضمان.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: لنا مالك أخبرنا يحيى بن سعيد، بن قيس الأنصاري المدني، يكنى أبا سعيد القاضي ثقة ثبت، كان في الطبقة الخامسة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات سنة أربع وأربعين أو بعدها ومائة أنه قال: سمعت سليمان بن يَسَار بفتح الياء والسين الخفيفة الفقيه الهلالي المدني مولى ميمونة، وقيل: أم سلمة ثقة فاضل، أحد الفقهاء السبعة كان في الطبقة الثالثة (ق 882) من طبقات كبار التابعين من أهل المدينة، مات بعد المائة يحدِّث أن ثابت بن الضحاك أي: الخليفة الأنصاري الأشهلي
(852) صحيح: أخرجه مالك (527) والبيهقي في "الكبرى"(12311).
الصحابي الشهير المتوفى سنة أربع وستين على الصواب، ووهم من قال سنة خمس وأربعين حدَّثه: أي: أخبره أنه وجد بعيرًا بالحَرَّة بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء أي: ذات حجارة السود بظاهر المدينة فعرّفه، بتشديد الراء ثم أي: بعد تعريفها مرارًا ذكر ذلك أي: التعريف بها لعمر بن الخطاب رضي الله عنه فأمره أي: إلى ثابت بن الضحاك أن يُعَرِّفَه، أي: ثانيًا قال ثابت لعمر: قد شغلني أي: منعني تعريفه عن ضيعتي، بفتح الضاد المعجمة وسكون التحتية وفتح العين أي: ملكي ومزرعتي، كذا قاله الجوهري، أو عن خدمة عيالي فقال له: أرسله حيث وجدته أي: في المكان الذي وجدته فيه.
قال محمد: وبه نأخذ، أي: لا نعمل إلا بما رواه سليمان بن يسار عن ثابت بن الضحاك من التقط أي: وجد لُقَطَة تساوي أي: قيمتها عشرة دراهم فصاعدًا أي: وزيادة عليها عَرَّفَها حولًا، بفتح الحاء المهملة وسكون الواو ثم لام أي: سنة فإن عُرِفَت بصيغة المجهول أي: اللقطة وإلا أي: وإن لم تعرف اللقطة سنة تصدق بها، أي: إن كان الواجد غنيًا فإن كان محتاجًا أي: فقيرًا أكلها، فإن جاء صاحبها خَيَّره بين الأجر أي: بين أن يختار أجر الصدقة وبين أن يَغرْمَها، بفتح التحتية وسكون الغين المعجمة وفتح الراء من باب علم أي: يقضي قيمة له أي: لصحاب المال كأنها دين على الملتقط فيلزم عليه أداء دينه لما أخرجه البزار في (مسنده) والدارقطني في (سننه) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول صلى الله عليه وسلم نهى عن اللقطة قال: "لا تحل فمن التقط شيئًا فليعرفه سنة فإن جاء صاحبه فليرده إليه فإن لم يأت فليتصدق به فإن جاء فليخيره بين الأجر وبين الذي له" وإن كان قيمتها أقل من عشرة دراهم عَرَّفها على قَدْرِ ما يرى أي: يليق بها أيامًا، أي: مفوضًا أمرها إلى المبتلى به ثم صنع بها كما صنع بالأولى أي: من التفصيل بين الغني والفقير وكان الحكم فيها أي: والحال أن الحكم في اللقطة التي كان قيمتها أقل من عشرة دراهم ثم صنع بها كما صنع بالأولى، وفي نسخة: كما كان في الأولى أي: كما كان قيمة اللقطة تساوي عشرة دراهم فصاعدًا عرفها حولًا، فإن عرفها وجاء صاحبها ردها وإلا يتصدق بها إن كان الملتقط غنيًا، وإن كان فقيرًا أكلها، ثم إن جاء صاحبها خيره بين الأجر وبين أن يغرمها إليه فعلم من هذا أن اللقطة كانت أمانة في يد الملتقط وكان الحكم فيها إذا جاء صاحبها كالحكم في الأولى، وإن ردّها في موضعها الذي وجدها فيه فقد برئ منها، أي: تخلص من عهدتها ولم يكن
عليه في ذلك أي: الرد ضمان أي: غرامة لصاحبها إن ضاعت، وهذا القول المفصل روى محمد عن أبي حنيفة، وقدر محمد في الأصل مده التعريف بالحول من غير تفصيل بين القليل والكثير، وهو قول مالك والشافعي لما روى الشيخان (1) عن زيد بن خالد الجهني قال: سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اللقطة فقال: عرفها سنة ثم اعرف عفاصها أي: وعائها ووكائها أي: رباطها ثم استبقها فإن جاء صاحبها فردها، والصحيح أن شيئًا من هذه التقادير ليس بلازم وأن تفويض التقدير إلى رأى الأخذ لإِطلاق حديث مسلم عن أبي بن كعب (ق 883) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في اللقطة:"فإن جاء أحد يخبرك بعددها وعائها ووكائها فأعطه، إياها وإلا فاستمتع بها" وفي رواية: "وإلا فهي كسبيل مالك"، وما روى من التقييد بالسنة لعلة لكون اللقطة المسئول عنها كانت تقتضي ذلك، أو لأن الغالب في اللقطة شيئًا يعلم أن صاحبه لا يطلبه كالنواة وقشر الرمان يكون إلقاؤه إباحة حتى جاز الانتفاع به من غير تعريف، ولكنه يبقى على ملك مالكه أن التمليك من المجهول لا يصح وملك المبيح لا يزول بالإِباحة. كذا قاله علي القاري بتشديد التحتية نسبة إلى قارة بطن من خدمة بن مدركة.
* * *
853 -
أخبرنا مالك، حدثنا يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيَّب، قال: قال عمر وهو مسند ظهره إلى الكعبة: من أخذ ضالة فهو ضال.
قال محمد: وبهذا نأخذ، وإنما يَعني ذلك: من أخذها لِيَذْهَبَ بها، فأما من أخذها ليردّها وليعرّفها، فهذا لا بأس به.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا مالك أخبرنا، وفي نسخة: حدثنا يحيى بن سعيد، وقد سبق ترجمته من قبل عن سعيد بن المسيَّب، بكسر الياء وفتحها قال: قال
(1) أخرجه البخاري (91) ومسلم (1722).
(853)
إسناده صحيح: أخرجه مالك (528) وابن أبي شيبة (5/ 195) وعبد الرزاق في مصنفه (18612) والبيهقي في الكبرى (12307).
عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو مسند ظهره إلى الكعبة، جملة معترضة من أخذ ضالة فهو ضال أي: عن طريق الصواب أو آثم أو ضامن إن هلكت عنده، عبر بها عن الضمان بالمشاكلة وذلك أنه إذا التقطها فلم يعرفها فقد أضر بصاحبها وصار سببًا في تضليله عنها فكان مخطئًا ضالًا عن الحق، وأصل هذا حديث مرفوع أخرجه أحمد ومسلم والنسائي عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من أوى ضالة فهو ضال ما لم يعرفها"(1) فقيد الضال بعدم التعريف، فلا حجة لمن كره اللقطة مطلقًا في أثر عمر هذا ولا في قوله صلى الله عليه وسلم:"حرق النار" أخرجه النسائي بإسناد صحيح عن الجارود العبيدي؛ لأن الجمهور حملوها على من لم يعرفها جمعًا بين الحديثين وحرق بفتح الحاء والراء وقد تسكن أي: تؤدي أخذها للتملك فهو تشبيه بليغ بحذف أداة التشبيه للمبالغة كذا قاله الفاضل الزرقاني (2).
قال محمد: وبهذا نأخذ، أي: لا نعمل إلا بما رواه سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب وإنا يَعني أي: يريد عمر بن الخطاب ذلك: أي: يكون أخذ ضالًا من أخذها لِيَذْهَبَ بها، أي: لنفسه لردها إلى صاحبها فأما من أخذها ليردّها وليعرّفها، فهذا لا بأس به أي: فلا ضلالة له.
والحاصل أن اللقطة أمانة إذا شهد على أخذ ليردها على صاحبها لما روى إسحاق بن راهويه في (مسنده) عن عياض بن حمار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أصاب لقطة فليشهد ذا عدل ثم لا يكتم" وأما لم يشهد وأدى أنه أخذها للرد ضُمِّنَ عند أبي حنيفة ومحمد أن حجة المالك أخذ للرد.
وقال أبو يوسف: لا يضمن لأن صاحبها يدعي بسبب الضمان وهو ينكر فكان القول قوله كما في الغضب، وهو قول مالك والشافعي وأحمد؛ لأن الإِشهاد غير واجب عندهم بل مستحب هذا وإن بين مدعي اللقطة علامتها حل الدفع ولا يجب بلا حجة وهو قول الشافعي، وقال مالك وأحمد وأبو داود وابن المنذر: يجب الدفع بالعلامة لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق فإن جاء أحد يجزك بعددها وعائها ووكائها فأعطه إياها.
(1) أخرجه مسلم (1725) وأحمد (16607) ومالك (1487).
(2)
انظر: "شرح الزرقاني"(4/ 68).