الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لما فرغ عن ذكره ما يتعلق بحكم اللقطة، شرع (ق 884) في ذكر ما يتعلق بحكم الشفعة، فقال: هذا
* * *
باب الشفعَة
في بيان ذكر الأحاديث التي تتعلق بحكم الشفعة، هي في اللغة بالضم رسم من الشفع وهو الضم، سميت بذلك لما فيها ضم المشتري إلى الشفيع، وفي الشريعة تملك العقار على مشتريه جبر بمثل ثمنه الذي اشتراه به.
854 -
أخبرنا مالك، أخبرنا محمد بن عُمَارة، قال: أخبرني أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حَزم، أن عثمان رضي الله عنه قال: إذا وقعت الحدود فلا شفعة، ولا شفعة في بئر ولا فحل نخل.
• أخبرنا مالك، أخبرنا محمد بن عُمَارة، بضم العين ابن عمرو بن حزم الأنصاري المدني صدوق، كان في الطبقة السابعة من صغار التابعين من أهل المدينة، وكان أبوه عمارة بن عمرو بن حزم في الطبقة الثالثة من طبقات التابعين من أهل المدينة كذا قاله الحافظ ابن حجر أخبرني أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حَزم، الأنصاري النجاري بالنون والجيم المشددة المدني القاضي اسمه وكنيته واحد، وقيل: يكنى أبا محمد، ثقة عابد كان في الطبقة الخامسة، من طبقات التابعين، من أهل المدينة، مات سنة عشرين ومائة أن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: إذا وقعت الحدود في أرض وهو جمع حد وهو هنا ما تتميز به الأملاك بعد القسمة، وأصل الحد المنع فتحديد الشيء يمنع خروج شيء منه ويمنع دخوله فيه فلا شفعة، فيها لأنها لا محل لها بعد تميز الحقوق بالقسمة فصارت غير مشاعة.
قال مالك والشافعي وأحمد: لا شفعة للجار بل للشريك وحده لما ذكر، ولما روى البخاري (1) عن أبي سلمة عن جابر بن عبد الله قال: "قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في
(854) إسناده حسن، أخرجه مالك (1423) وعبد الرزاق في مصنفه (14426) والبيهقي في الكبرى (11773).
(1)
أخرجه البخاري (2214).
كل ما يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة"، ولنا أن الشفعة للشريك في نفس المبيع ثم للشريك في حق المبيع كالشرب والطريق ثم لجار ملاصق فعندنا الشفعة كل واحد من هذه الثلاثة على هذا الترتيب، وهو قول سفيان الثوري وعبد الله بن المبارك كما ذكر الترمذي في (جامعه) وأبو داود في البيوع والترمذي في الأحكام وقال: حسن صحيح وقال: لا شفعة في بئر ولا فحل نخل بفتح الفاء وسكون الحاء المهملة ثم لام مضاف إلى نخل، وإضافته إليه من قبيل إضافة الموصوف إلى صفته، كخاتم فضة، فالمراد بالفحل حصير يجعل من ورق النخل، وفي الحديث: "أنه صلى الله عليه وسلم دخل على رجل من الأنصار وفي ناحية البيت فحل أي: حصير فأمر بناحية منه فرشت ورش عليه الماء ثم صلى عليه، كذا قاله الفاضل محمد الواني، فلا يصح الشفعة في البئر ولا في فحل النخل لأنهما لا يقبلان القسمة.
* * *
855 -
أخبرنا مالك، أخبرنا ابن شهاب، عن أبي سَلمة بن عبد الرحمن، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة فيما لم يُقْسم، فإذا وقعت الحدود فلا شفعة فيه.
قال محمد: قد جاءت في هذا أحاديث مختلفة، والشريك أحقُّ بالشفعة من الجار، والجار أحقُّ من غيره، بلغنا ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
• أخبرنا مالك، أخبرنا ابن شهاب، وفي نسخة: قال: بنا، ابن شهاب عن أبي سَلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني قيل: اسمه عبد الله، وقيل: إسماعيل، ثقة مكثر تابعي ابن الصحابي كان في الطبقة الثالثة من طبقات التابعين، من أهل المدينة، مات سنة أربع وتسعين، وكان مولده سنة بضع وعشرين من الهجرة كذا في (تقريب التهذيب).
قال ابن عبد البر أبو عمر: هذا حديث مرسل لأكثر رواة (الموطأ) لمالك وموصول
(855) مرسل: وقد سبق مسندًا عند البخاري (2214) من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر مرفوعًا.
في رواية عبد الملك بن الماجشون عن مالك، وكذا في رواية أبي عاصم النبيل ويحيى بن أبي قتيلة وابن وهب يخلو عنه فقالوا عن أبي هريرة، وذكر الطحاوي أن قتيبة (ق 885) وصله عن مالك والله أعلم. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة أي: بين الشركاء فيما أي: في كل شيء مشترك مشاع قابل للقسمة لم يُقْسم، أي: بالفعل بين الشركاء فإذا وقعت الحدود أي: إذا تميز الأملاك بعد القسمة وصرفت الطرق بين الشركاء فلا شفعة فيه أي: لأنه لا محل لها بعد تميز الحقوق وبالقسمة فصارت غير مشاعة، وهذا الحديث نص في ثبوت الشفعة في المشاع، وصدور هذا الحديث يشعر ثبوتها في المنقولات، وسياقه يشعر باختصاصها بالعقار، وهو مشهور وفي مذهب مالك والشافعي وأحمد؛ لأنه أكثر الأنواع ضررًا والمراد بالعقار ما يحتمل القسمة فما لا يحتملها لا شفعة فيه لأن يقسمه تبطل منفعته، وعن مالك رواية بالشفعة احتمل القسمة أم لا وللبيهقي عن ابن عباس مرفوع:"الشفعة في كل شيء"(1) ورجاله ثقات، لكن أعلَّ بالإِرسال إلا أنه له شاهدًا من حديث جابر بإسناد لا بأس به، وشذ عطاء فأخذ بظاهره فقال بالشفعة في كل شيء حتى التراب، ونقله بعض الشافعية عن مالك، ورد بأنه لا يعرف عند أصحابه وحمله الجمهور على العقار لحديث الباب ونحوه وهو أصل ثبوت الشفعة، وأخرجه مسلم (2) عن أبي الزبير المكي عن جابر بلفظ:"قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل مشترك لم يقسم ربعة أو حائط ولا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه فإن شاء أخذ وإن شاء ترك فإذا باع فلم يؤذنه فهو أحق به" والربعة بفتح الراء تأنيث الربع وهو المنزل والحائط والبستان، وفيه أنه لا شفعة للجار؛ لأنه حصر الشفعة فيما لا يقسم فما قسم لا شفعة فيه وقد صار جارًا، وبه قال الجمهور وأثبتها أبو حنيفة والكوفيون كذا قاله الزرقاني (3). وقال المصنف رحمه الله:
قال محمد: قد جاءت في هذا أي: في حكم الشفعة أحاديث مختلفة، أي: طرقها والشريك أي: في العين أو فيما يتعلق به أحقُّ بالشفعة من الجار، أي: الملاصق والجار أحقُّ من غيره، بلغنا ذلك أي: حاصله عن النبي صلى الله عليه وسلم أي: كما حررناه وقدرناه.
* * *
(1) أخرجه البيهقي في "الكبرى"(11806).
(2)
أخرجه مسلم (1608).
(3)
انظر: شرح الزرقاني (3/ 476).