المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

856 - أخبرنا عبد الله بن عبد الرحمن بن يَعْلى - المهيأ في كشف أسرار الموطأ - جـ ٤

[عثمان الكماخي]

فهرس الكتاب

- ‌أبواب البيوع والتجارات والسلم

- ‌باب بيع العرايا

- ‌باب ما يكره من بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها

- ‌باب الرجل يبيع بعض الثمر ويستثني بعضه

- ‌باب ما يكره من بيع التمر بالرطب

- ‌باب بيع ما لم يُقبض من الطعام وغيره

- ‌باب الرجل يبتاع المتاع أو غيره بنسيئة ثم يقول أنفدني وأضع عنك

- ‌باب الرجل يشتري الشعير بالحنطة

- ‌باب الرجل يبيع الطعام نسيئة ثم يشتري بذلك الثمن شيئًا آخر

- ‌باب ما يُكره من النجش وتلقي السلع

- ‌باب الرجل يُسْلم فيما يُكال

- ‌باب بيع البراءة

- ‌باب بيع الغرَر

- ‌باب بيع المزابنة

- ‌باب شراء الحيوان باللحم

- ‌باب الرجل يساوم الرجل بالشيء فيزيد عليه آخر

- ‌باب ما يوجب البيع بين البائع والمشتري

- ‌ باب الاختلاف في البيع ما بين البائع والمشتري

- ‌باب الرجل يبيع المتاع بنسيئة فيفلس المبتاع

- ‌باب الرجل يشتري الشيء أو يبيعه فيغبن فيه أو يسعر على المسلمين

- ‌باب الاشتراط في البيع وما يفسده

- ‌باب من باع نخلًا مؤبرًا أو عبدًا وله مال

- ‌باب الرجل يشتري الجارية ولها زوج أو تهدى إليه

- ‌باب عهدة الثلاث والسنة

- ‌باب بيع الولاء

- ‌باب بيع أمهات الأولاد

- ‌باب بيع الحيوان بالحيوان نقدًا ونسيئة

- ‌باب الشركة في البيع

- ‌باب القضاء

- ‌باب الهبة والصدقة

- ‌ باب النحلى

- ‌باب العمرى والسكنى

- ‌كتاب الصرف وأبواب الربا

- ‌باب الربا فيما يُكال أو يوزن

- ‌باب الرجل يكون له العطاء أو الدين على الرجل فيبيعه قبل أن يقبضه

- ‌باب الرجل يكون عليه الدين فيقضي أفضل مما أخذه

- ‌باب ما يكره من قطع الدراهم والدنانير

- ‌باب المعاملة والمزارعة في الأرض والنخل

- ‌باب إحياء الأرض بإذن الإمام أو بغير إذنه

- ‌باب الصلح في الشرب وقسمة الماء

- ‌كتاب العِتَاق

- ‌باب الرجل يعتق نصيبًا له من مملوك أو يسيب سائبة أو يوصي بعتق

- ‌باب بيع المدبر

- ‌باب الدعوى والشهادات وادعاء النسب

- ‌باب حكم اليمين مع الشاهد

- ‌باب استحلاف الخصوم

- ‌باب الرهن

- ‌باب الرجل تكون عنده الشهادة

- ‌باب اللقطَة

- ‌باب الشفعَة

- ‌باب المكَاتب

- ‌ أبواب السير

- ‌باب الرجل يعطي الشيء في سبيل الله

- ‌باب إثم الخوارج وما في لزوم الجماعة من الفضل

- ‌باب قتل النساء

- ‌باب المرتد

- ‌باب ما يُكره من لبس الحرير والديباج

- ‌باب ما يكره من التختم بالذهب

- ‌باب الرجل يمر على ماشية الرجل فيحتلبها بغير إذنه وما يُكره من ذلك

- ‌باب نزول أهل الذمة مكة والمدينة وما يُكره من ذلك

- ‌باب الرجل يقيم الرجل من مجلسه ليجلس فيه وما يُكره من ذلك

- ‌باب الرقى

- ‌باب ما يُستحب من الفأل والاسم الحسن

- ‌باب الشرب قائمًا

- ‌باب الشرب في آنية الفضة

- ‌باب الشرب والأكل باليمين

- ‌باب الرجل يشرب ثم يناول من عن يمينه

- ‌باب فضل إجابة الدعوى

- ‌باب فضل المدينة

- ‌باب اقتناء الكلب

- ‌باب ما يكره من الكذب وسوء الظن والتجسس والنميمة

- ‌باب الاستعفاف عن المسألة والصدقة

- ‌باب الرجل يكتب إلى رجل يبدأ به

- ‌باب الاستئذان

- ‌باب التصاوير والجرس وما يُكره منها

- ‌باب اللعب بالنرد

- ‌باب النظر إلى اللعب

- ‌باب المرأة تصل شعرها بشعر زوجها

- ‌باب الشفاعة

- ‌باب الطيب للرجل

- ‌باب الدعاء

- ‌باب رد السلام

- ‌باب الإشارة في الدعاء

- ‌باب الرجل يهجر أخاه المسلم

- ‌باب الخصومة في الدين والرجل يشهد على الرجل بالكفر

- ‌باب ما يُكره من أكل الثوم

- ‌باب الرؤيا

- ‌باب جامع الحديث

- ‌باب الزهد والتواضع

- ‌باب الحب في الله

- ‌باب فضل المعروف والصدقة

- ‌باب حق الجار

- ‌باب اكتتاب العلم

- ‌باب الخضاب

- ‌باب الوصي يستقرض من مال اليتيم

- ‌باب الرجل ينظر إلى عورة الرجل

- ‌باب النفخ في الشراب

- ‌باب ما يُكره من مصافحة النساء

- ‌باب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌باب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وما يُستحب من ذلك

- ‌باب فضل الحياء

- ‌باب حق الزوج على المرأة

- ‌باب حق الضيافة

- ‌باب تشميت العاطس

- ‌باب الفرار من الطاعون

- ‌باب الغيبة والبُهتان

- ‌باب النوادر

- ‌باب الفأرة تقع في السمن

- ‌باب دباغ الميتة

- ‌باب كسب الحجام

- ‌باب التفسير

الفصل: 856 - أخبرنا عبد الله بن عبد الرحمن بن يَعْلى

856 -

أخبرنا عبد الله بن عبد الرحمن بن يَعْلى الثقفي أخبرني عَمرو بن الشَّريد عن الشَّريد بن سُويد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الجارُ أحقّ بصقبه".

قال محمد: وبهذا نأخذ، وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا.

• أخبرنا عبد الله بن عبد الرحمن بن يَعْلى بن كعب الطائفي يكنى أبا يعلى الثقفي، صدوق ويهم، كان في الطبقة السابعة من طبقات صغار التابعين، من أهل الطائف، كانت في الإِقليم الثاني من الأقاليم السبعة، مات بعد المائة أخبرني وفي نسخة: قال: أخبرني عَمرو بن الشَّريد بفتح الشين المعجمة الثقفي، يكنى أبا الوليد الطائفي ثقة كان في الطبقة الثالثة من طبقات التابعين من أهل الطائف، مات بعد المائة عن أبيه الشَّريد أي: بالتصغير البصري قال: مرسلا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الجارُ أحقّ بصقبه" بفتح الصاد المهملة وسكون القاف ثم موحدة عمود طويل وسط البيت، يعني: الجار أحق بشفعة عمود جاره وفي نسخة: بسقبه بالسين (ق 886) والقاف والموحدة، وهو بمعنى القرب كذا قاله محمد الواني، رواه البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن نافع والنسائي وابن ماجه عن الشريد بن سويد، وفي رواية لأحمد والأربعة عن جابر بلفظ:"الجار أحق بشفعة جاره وينظر بها إن كان غائبًا إذا كان طريقهما واحد".

قال محمد: وبهذا نأخذ، وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا، والله أعلم.

لما فرغ من ذكر ما يتعلق بذكر الشفعة، شرع في ذكر ما يتعلق بحكم المكاتب، فقال: هذا

* * *

‌باب المكَاتب

في بيان ما يتعلق بحكم المكاتب أي: الكتابة في اللغة: الجمع، وفي الشرع: المكاتبة إعتاق الملوك يدًا وتصرفًا حالًا ورقبة مالًا؛ ولهذا قيل: المكاتب طار من ذل

(856) حسن الإسناد: أخرجه ابن ماجه (2496) وأحمد (18967) وأصله عند البخاري.

ص: 168

العبودية ولم يزل مباحة الحرية، وصورته أن يكاتب قنه بمال حال أو منجم أو مؤجل فإن أديته، فأنت حر وإن عجزت فأنت قن وقبل العبد فكان مكاتبًا، استنبط المصنف رحمه الله هذه الترجمة من قوله تعالى في سورة النور:{وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33]، وجه المناسبة بين هذا الباب وبين الباب السابق اتصاله المملوك نوعًا إلى ملك المالك فإن الجار إذا قال حين سمع أن جاره الملاصق باع أرضه أنا شفيعه لا يملك المشتري بما اشتراه، وكذلك العبد المكاتب إذا لم يقض بدل الكتابة تمامًا لم يخلص عن ملك مولاه قال صلى الله عليه وسلم:"المكاتب عبد ما بقي عليه درهم"(1) كذا في شرح (الاختيار شرح المختار).

857 -

أخبرنا مالك، أخبرنا نافع، عن ابن عمر، أنه كان يقول: المُكَاتَبُ عَبْدٌ ما بقيَ عليه من كتابته شيء.

قال محمد: وبهذا نأخذ، وهو قولُ أبي حنيفة، وهو بمنزلة العبد في شهادته وحدوده وجميع أمره، إلا أن لا سبيل لمولاه على ما له ما دام مكاتبًا.

• أخبرنا مالك، أخبرنا نافع، عن ابن عمر، رضي الله عنه أنه كان يقول: المُكَاتَبُ عَبْدٌ ما بقيَ عليه من كتابته شيء وفي رواية أبي داود (2) عنه مرفوعًا: المكاتب عبد ما بقي عليه من مكاتبه درهم.

قال محمد: وبهذا نأخذ، وهو قولُ أبي حنيفة، وهو بمنزلة العبد في شهادته وحدوده وجميع أمره، إلا أن لا سبيل لمولاه على ما له ما دام مكاتبًا.

* * *

858 -

أخبرنا مالك، أخبرنا حُميد بن قيس المكيّ، أن مكاتبًا لابن المتوكل

(1) أخرجه أبو داود (3926) وعبد الرزاق في مصنفه (15728) والبيهقي في "الكبرى"(22257).

(857)

صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة (5/ 66) وعبد الرزاق في مصنفه (15722) والبيهقي في الكبرى (22263).

(2)

أخرجه أبو داود (3926).

(858)

صحيح: أخرجه مالك (573).

ص: 169

هلك بمكة وترك عليه بقيّةً من مكاتبته، وديونًا للناس، وترك ابنه، فأشكل على عامل مكة القضاء في ذلك، فكتب إلى عبد الملك بن مروان، يسأله عن ذلك، فكتب إليه عبد الملك: أن ابدأ بديون الناس فاقضها، ثم اقض ما بقي عليه من كتابته، ثم اقسم ما بقي من ماله بين ابنته ومواليه.

قال محمد: وبهذا نأخذ، وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا: أنه إذا مات بدئ بديون الناس، ثم مكاتَبَتِه، ثم ما بقي كان ميراثًا لورثته الأحرار من كانوا.

• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا مالك أخبرنا حُميد بالتصغير ابن قيس المكيّ، الأعرج يكنى أبا صفوان القاري ليس به بأس، كان في الطبقة السادسة من طبقات التابعين، من أهل مكة، مات سنة ثلاثين، وقيل: بعدها ومائة كذا في (تقريب التهذيب)(1) أن مكاتبًا أي: كان اسمه عباد لابن أي: لابن المتوكل هلك أي: مات بمكة وترك عليه بقيّةً من مكاتبته، أي: بدل كتابته وديون الناس بالنصب عطف على بقية وفي نسخة: وديونًا للناس، وترك ابنه، أي: وله مال فأشكل بصيغة غير الفاعل أي: اشتبه على عامل مكة أي: على أميرها يومئذ القضاء في ذلك، أي: الأمر لعدم علمه به فكتب إلى عبد الملك بن مروان، أي: الخليفة بالشام يسأله عن ذلك، أي: عن قضاء متروكاته المكاتب فكتب إليه أي: إلى عامل مكة عبد الملك: أن بفتح الهمزة وسكون النون ابدأ بكسر الهمزة وسكون الموحدة أمر من بدأ يبدأ بديون الناس فاقضها، أي: فاحكم بديون الناس (ق 887) قبل الحكم بميراث الورثة ثم اقسم ما بقي عليه أي: من ماله من كتابته، أي: من بدل كتابته لسيده ثم اقسم ما بقي من ماله بين ابنته أي: النصف بالفرضية ومواليه أي: بين معتقيه الذين كاتبوه البقية بالعصبية.

قال أبو عمر بن عبد البر: قضى بذلك معاوية بن الحكم قبله، ذكر معمر عن قتادة عن معبد الجهني قال: سألني عبد الملك عن المكاتب يموت وله ولدًا حرار فقلت: قضى عمر أن ماله كله لسيده، وقضى معاوية أن سيده يعطي بقية كتابته، ما بقي لولده الأحرار،

(1) تقدم.

ص: 170

ومالك لا يقول بهذا لأنه جاء من وجوه أن بنته كانت حرة، أمها حرة والمكاتب لا يرثه وارث إذا مات قبل العتق وإنما يرثه من معه من ورثته في كتابته وإلا فكله لسيده كما قضى به عمر، وقال زيد بن ثابت رضي الله عنه، كذا قاله السيد الفاضل محمد الزرقاني (1).

قال محمد: وبهذا نأخذ، أي: لا نعمل إلا بما قاله حميد بن قيس المكي وهو أي: ما قاله حميد بن قيس قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا أي: المكاتب إذا مات أي: وله مال بدئ بصيغة المجهول بديون الناس، ثم مكاتَبَتِه، أي: بقية من بدل كتابته فإنها دين عليه ثم ما بقي أي: من المال كان ميراثًا لورثته الأحرار من كانوا أي: رجالًا ونساء من أصحاب الفروض والعصبات، أما أصحاب الفروض فاثنى عشر نفر أربعة منها من الرجال وهم الأب والجد وهو أب الأب وإن علا والأخ لأم والزوج، وثمان منها من النساء، وهن الزوجة والبنت وبنت الابن وإن سفلت والأخت لأب وأم الأخت لأب والأم والجدة الصحيحة، وأما العصبات فثلاثة أنواع أولها عصبة نسبية، وثانيها عصبة غير نسبية فاطلب تفصيلها في كتب الفرائض.

فالحاصل أن المكاتب إذا مات عن وفاء ولم يفسخ كتابتة وقضى للبدل من ماله وحكم بموته حرًا؛ لأن البدل بموته انتقل إلى تركته كسائر الديون، فإن أدى منها صار كأدائه بنفسه قبل الموت وحكم بإرث ورثته منه ما بقي من ماله وحكم بعتق أولاده حال كونهم ولد أو في كتابته، أو حال كونهم شراهم أو حال كونه كوتب وولده صغيرًا؛ لأن هؤلاء يتبعونه في الكتابة فيتبعونه في عتقه، أو حال كونه كوتب هي وولده كبيرًا بكتابته واحدة؛ لأنهما صارا باتحاد الكتابة كشخص واحد، فإذا حكم بعتق أحدهما في وقت حكم بعتق الآخر فيه هذا لو عجز طاب ما أدي لسيده الذي ليس بمصرف الصدقة؛ لأنه أدى إليه من صدقة تصدق بها عليه، فإن الملك قد تبدل وتبدل الملك كتبدل العين كما أنه أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم في حديث بريرة (2) حيث قال في الحكم الذي تصدق به عليها: هو لها صدقة ولنا هدية، وصار كالفقير يموت عن صدقة أخذها حيث تطيب لوارثه الغني، وكالفقير إذا استغنى حيث تطيب له ما أخذه من الزكاة (ق 888) حال الفقر وكابن السبيل إذا أخذ الصدقة ثم إذا وصل إلى ماله ومعه شيء منها حيث يطيب له؛ لأن المحرم على

(1) انظر شرح الزرقاني (4/ 129).

(2)

أخرجه البخاري (1422).

ص: 171

الغني هو الأخذ وهو ليس بموجود، فمن أخذ حال الحاجة ثم استغنى ولو أباح الفقير للغني والهاشمي عبر ما أخذه من الزكاة لا يطيب له؛ لأن الملك لم يتبدل.

* * *

859 -

أخبرنا مالك، أخبرني الثقة عندي، أن عُروة بن الزبير وسليمان بن يسار سُئلا عن رجل كاتبَ على نفسه وعلى وَلَده ثم هلك الكاتب وترك بنين، أيَسْعَونَ في كتابة أبيهم أم هم عبيد، فقالا: بل يَسْعَون في كتابة أبيهم، ولا يوضع عنهم: بموت أبيهم شيء.

قال محمد: وبهذا نأخذ، وهو قولُ أبي حنيفة، فإذا أدّوا عُتِقوا جميعًا، وقال مالك بن أنس: أخبرني مُخْبرٌ أن أمَّ سَلَمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت تقاطع مكاتبتها بالذهب والورق.

• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا مالك أخبرني الثقة عندي، أشار مالك بقوله: عندي إلى شيخه ربيعة بن أبي عبد الرحمن بن فروخ التيمي المدني، كان في الطبقة الخامسة من طبقات التابعين، من أهل المدينة، مات سنة ست وثلاثين ومائة أن عُروة بن الزبير وسليمان بن يسار سُئلا عن رجل كاتبَ على نفسه وعلى وَلَده بضم الواو وسكون اللام ثم دال مهملة جمع ولد بفتحتين أي: على أولاده الصغار والكبار وبفتحة الواو واللام بمعنى الأولاد فإن الولد اسم الجنس يشمل على الواحد والاثنين والثلاثة هلك أي: مات الكاتب وترك بنين، أيَسْعَونَ أي: هل يسعى بنو المكاتب في كتابة أبيهم وفي نسخة: في مكاتبة أبيهم أم هم عبيد، أي: رقاق فقالا أي: كلاهما معًا وفي نسخة: فقال أي: أجاب كل واحد من عروة بن الزبير وسليمان بن يسار على سبيل المناوبة، لكن النسخة الأولى: فإنهما تسارعا معًا إلى الجواب اهتمامًا لشأن هذا الحكم أي: ليسوا عبيدًا بل يَسْعَون أي: البنون في كتابة أبيهم، ولا يوضع عنهم: أي: لا يحط عن البنين بموت أبيهم شيء أي: من بدل الكتابة ولو قال.

(859) أخرجه مالك (578).

ص: 172

قال محمد: وبهذا نأخذ، أي: لا نعمل إلا بما رواه الثقة عن عروة بن الزبير وسليمان بن يسار وهو أي: ما قاله الثقة قولُ أبي حنيفة، فإذا أدّوا أي: بدل الكتابة عُتِقوا جميعًا، أي: لكلهم مجتمعين وقال مالك: وإن كانوا صغارًا لا يطيقون السعي لم ينتظر بهم أن يكبروا وكانوا رقيقًا لسيد أبيهم إلا أن يكون ترك المكاتب ما يؤدي به عنهم نحوهم إلى أن يتكلفوا السعي أي: إلى أن يقدروا عليه، فإن كان فيما ترك ما يؤدي عنهم أدى ذلك عنهم وتركوا على حالتهم حتى يبلغوا السعي، فإن أدوا ما بقي عتقوا وإن عجزوا رقوا لسيد أبيهم انتهى.

أخبرنا مالك: وفي نسخة: قال مالك بن أنس: أخبرني مُخْبرٌ بصيغة اسم الفاعل أي: محدث، وفي نسخة: محمد وهو مصحف عن مخبر كما يؤيده ما قاله مالك في (الموطأ) أنه بلغه أن أمَّ سَلَمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت تقاطع بضم الفوقية مكاتبها بكسر الموحدة جمع مكاتب، فإن أم سلمة رضي الله عنها كاتبت عدة منهم: سليمان وعطاء وعبد الله وعبد الملك أي: تأخذ منهم عاجلًا بالذهب والورق بكسر الراء أي: الفضة فشأنها يحط ما عليهم من بدل الكتابة بمقابلة أخذ الذهب والفضة عاجلًا والله أعلم، قال أبو عمر: ذكر مالك جواز القطاعة عن أم سلمة؛ لأن ابن المكاتب ينهى عنها إلا بالعروض ويراه من باب صنع وتعجل كذا قاله الفاضل السيد محمد الزرقاني (1).

لما فرغ من بيان ما يتعلق بحكم المكاتب، شرع في بيان حكم المال هي للإِعطاء إلى رجل تجاوز على الخيال، فقال: هذا

* * *

باب السبق في الخيل

في بيان حكم السبق أي: حال كونه في الخيل والسبق بفتحتين مال يجعل هذا على المسابقة يقال له في اللسان (ق 889) التركي: "أو كدك ويا رش أهلي ما بينلرندة وضع اتد كلري ما لدرو"، والمعنى هذا باب كائن في بيان جواز إعطاء القوم ما لهم لصاحب الخيل بمجاوزته في العدو على سائر الخيال في المسابقة، وجه المناسبة بين هذا الباب والباب السابق أخذ المال قيل الوقت المعين له وبعده.

(1) انظر شرح الزرقاني (4/ 143).

ص: 173

860 -

أخبرنا مالك، أخبرنا يحيى بن سعيد، قال: سمعتُ سعيد بن المسيَّب يقول: ليس برِهان الخيل بأس، إذا أدخلوا فيها محلِّلًا إن سبق أخذ السبَقَ، وإن سُبق لم يكن عليه شيء.

قال محمد: وبهذا نأخذ، إنما يكره من هذا: أن يضع كل واحد منهما سَبَقًا، فإن سبق أحدُهما أخذ السَّبقَيْن جميعًا، فيكون هذا كالمبايعة، فأما إذا كان السَّبق من أحدهما أو كانوا ثلاثة والسَّبق من اثنين منهم، والثالث ليس منه سَبَق إن سَبَق أخَذَ وإن لم يسبق لم يغرم: فهذا لا بأس به أيضًا، وهو المحلِّل الذي قال سعيد بن المسيب.

أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا مالك أخبرنا يحيى بن سعيد بن قيس الأنصاري المدني يكنى أبا سعيد القاضي، ثقة ثبت كان في الطبقة الخامسة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات سنة أربع وأربعين أو بعدها ومائة قال: سمعتُ سعيد بن المسيَّب يقول: ليس برِهان الخيل بأس، أي: لا كراهة بما يتراهن على الخيل إذا أدخلوا فيها أي: في المسابقة بالخيل محلِّلًا بكسر اللام أي: متوسعًا بين المتسابقين وهو من يجعلها حلالًا إن سبق بصيغة الفاعل أي: بخيل أخذ السبَقَ، بفتحتين أي: المال المرهون وإن سُبق بصيغة المجهول لم يكن عليه شيء أي: شرط أن لا يخرج المحلل من عنده شيئًا ليخرج العقد من صورة القمار، وهو أن يخرج كل منهما سبقًا فمن غلب أخذه فهذا ممنوع اتفاقًا وأجمعوا على جواز المسابقة بلا عوض لكن قصرها مالك والشافعي على الحافر والنصل لحديث:"لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر"(1) رواه الترمذي، وحسنه ابن حبان وصححه عن أبي هريرة رضي الله عنه، وخصه بعض العلماء بالخيل، وأجازه عطاء في كل شيء.

(860) صحيح: أخرجه مالك (48) وابن أبي شيبة (7/ 714) والبيهقي في الكبرى (20331).

(1)

أخرجه أبو داود (2574) والترمذي (1700) والنسائي في "المجتبى"(3587) وابن ماجه (2878) وأحمد (9788) والنسائي في "الكبرى"(4427) وابن حبان (4690) والشافعي في "المسند"(1584) والطبراني في "الأوسط"(2189) والصغير (150) والبيهقي في "الكبرى"(20308).

ص: 174

قال محمد: وبهذا نأخذ، أي: لا نعمل ولا نفتي إلا بما قاله هنا سعيد بن المسيب إنما يكره أي: تحريمًا من هذا: أن يضع كل واحد منهما سَبَقًا: أي: مالا للغالب فإن سبق أحدُهما أي: أحد السابقين على صاحبه أخت السَّبقَيْن بفتحتين أي: المالين المرهونين جميعًا، فيكون هذا أي: وضع كل واحد من المسابقين ما لا ليأخذه الغالب في العدو كالمبايعة، أي: كالقمار في الحرمة فأما إذا كان السَّبق أي: المال من أحدهما أو كانوا أي: الشارعون بالسابقة ثلاثة والسَّبق أي: المال الموضع من اثنين منهم، والثالث أي: والحال أن الرجل الثالث من المسابقين ليس منه سَبَق أي: حال، وفي نسخة: فيه أي: لم يوضع لأجل الثالث مال إن سَبَق أي: إن غالب الثالث في العدو والسعي عليهما أخَذَ أي: بما وضعها وإن لم يسبق بصيغة الفاعل أي: وإن لم يتجاوز الثالث عليها لم يغرم: أي: لا يلزم بأخذ الثالث مالا من صاحبه، وفي نسخة: وإن سبق بصيغة المجهول فهذا أي: جواز المسابقة إذا توسط الثالث بين الاثنين لا بأس به أي: لا حرمة فيه أيضًا، أي: بجواز المسابقة فيما سبق بلا كراهة وهو أي: الثالث المحلِّل الذي قال أي: ذكره سعيد بن المسيب.

واعلم أنه يجوز المسابقة على الأقدام والخيل والبغال والحمير والإِبل والرمل؛ لأنها من أسباب الجهاد ويحتاج إليها في إقامة هذه الفريضة على العباد، فإن شرط فيه جعل مال من أحد الجانبين وسبقهما بأن يقول أحدهما لصاحبه: إن سبقتني فلك كذا، وإن سبقتك فلا شيء لي، أو من ثالث إن سبقتنا فالمال لك، وإن سبقناك فلا شيء لنا جاز في هذين الوجهين لاشتماله على التحريض على آلة الحرب، وأما إذا شط الجعل من الجانبين فحرم لكونه قمارًا، (ق 890) إلا أن يكون بينهما محلل بفرس ليصير الغير بينهما بحيث يتوهم أنه سبق، وإنما قيد به لأن في سر المحلل لو لم يكن مثلهما لم يجز؛ لأنه لا فائدة في إدخاله بينهما ولم يخرج من أن يكون قمارًا، ثم إن سبقهما أخذ منهما الجعل أو سبقاه لم يعطهما شيئًا وفيما بينهما أيهما سبق أخذ من صاحبه، وعلى هذا التفصيل إذا تنازعا في مسألة ورجعا إلى شيخ لأن في ذلك حثًا على العلم كما كان في المسابقة حثًا على الجهاد، والله رؤوف بالعباد. كذا قاله علي القاري.

* * *

ص: 175

861 -

أخبرنا مالك، أخبرنا ابن شهاب، أنه سمع سعيد بن المسيَّب يقول: إن القَصْواء ناقة النبي صلى الله عليه وسلم كانت تَسبق كلما وَقعت في سِباق، فوقعت يومًا في إبل فسُبقت، فكانت على المسلمين كآبة أن سُبقتْ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الناس إذا رفعوا شيئًا - أو أرادوا رفع شيءٍ - وضعه الله".

قال محمد: وبهذا نأخذ، لا بأس بالسَّبْق، في النَّصْل، والحافر، والخفّ.

أخبرنا مالك، أخبرنا ابن شهاب، أنه سمع سعيد بن المسيَّب يقول: إن القَصْواء ناقة النبي صلى الله عليه وسلم كانت تَسبق أي: أمثالها من النوق كلما وَقعت في سِباق، أي: لم يغلب أبدًا فوقعت يومًا في إبل أي: في مسابقة إبل فسُبقت، بصيغة المجهول فكانت على المسلمين كآبة أي: حزن وملالة أن سُبقتْ، أي: لأجل مغلوبيتها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الناس أي: جميعهم إذا رفعوا شيئًا - أي: إن أرادوا شك من الراوي رفع شيء وضعه الله" أي: إظهارًا لقدرته وضعف خليقته ويشير إليه قوله تعالى في سورة الأنعام: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: 18]، ومفهوم الحديث أنهم إذا خفضوا أو أرادوا خفض شيء رفعه الله سبحانه نقضًا عليهم وتنبيهًا لهم أنه هو الرافع والخافض، لا رافع لما خفضه ولا خافض لما رفعه، وأنهم لو اجتمعوا على شيء لم يقدره الله لم يقدروا عليه ولم يصلوا إليه، وإن كان من جملتهم الأنبياء والأولياء.

قال محمد: وبهذا نأخذ، أي: لا نعمل أنا وأصحاب أبي حنيفة إلا بما قاله سعيد بن المسيب لا بأس أي: لا كراهة بالسَّبْق، أي: بأخذ المال في مسابقة النَّصْل، أي: الرمي بالسهم والحافر، أي: حافر الخيل والبغال والحمير والخفّ أي: خفاف الإِبل.

لما فرغ من بيان ما يتعلق بحكم السابقة في الخيل، شرع في بيان ما يتعلق بحكم السير والغزو.

* * *

(861) مرسل: أخرجه الدارقطني (4/ 302).

ص: 176