الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طعامًا ما لم يكن أي: البيع في زرع أي: في زراعة لم يبد صلاحه، أي: لم يظهر أو في ثمر أي: على شجر لم يبد صلاحه، أي: بأن لم يؤمن فساده فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار وعن شرائها حتى يبدو صلاحها أي: كما مر والزرع في حكم الثمر.
قال محمد: وهذا أي: ما تقدم عندنا لا بأس به، وهو السَّلم، بفتحتين وهو المسمى ببيع السلم، وهو في اللغة السلف، وفي الشرع بيع أجل بعاجل يُسْلِمه الرجل أي: يقدم الثمن في طعام أي: معلوم قدره وجنسه كبر وشعير إلى أجل معلوم، وأقله شهر. كذا وروى عن محمد وهو الأصح وعليه الفتوى بكيل معلوم، من صنف معلوم، أي: نوع ووصف كجيد ولا خير أي: لا فائدة في أن يشترط ذلك أي: دفعه أو أخذه من زرع معلوم أو من نخل معلوم، أي: لاحتمال فسادها بالعاهة والآفة وهو أي: عدم الفائدة في الشرط في صحة السلم أن يكون المسلم فيه من زرع معلوم ونخل معلوم قول أبي حنيفة رحمه الله ويدل على صحة السلف الكتاب والسنة والإِجماع كما مر آنفًا.
لما فرغ من بيان ما يتعلق بالسلم ما يكال فيما باع، شرع في بيان ما يتعلق بالبيع بشرط سلامة المبيع عن عيب شرعي، فقال: هذا
* * *
باب بيع البراءة
في بيان ما يتعلق إلى بيع أي: من شرط البراءة أي: براءة المبيع من عيب شرعي.
774 -
أخبرنا مالك، حدثنا يحيى بن سعيد، عن سالم بن عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر: أنه باع غلامًا بثمانمائة درهم بالبراءة، فقال الذي ابتاع العبدَ لعبد الله بن عمر: بالعبد داء لم تسمِّه، فاختصما إلى عثمان بن عفان، فقال الرجل: باعني عبدًا وبه داء، فقال ابن عمر: بعته بالبراءة، فقضى عثمان على ابن عمر أن يحلف بالله: لقد باعه العبد وما به داء يعلمه، فأبى عبد الله بن عمر أن يحلف، فارتجع الغلام فصحّ عنده العبد، فباعه عبد الله بن عمر بعد ذلك بألف وخمسمائة درهم.
(774) إسناده صحيح.
قال محمد: وبلغنا عن زيد بن ثابت أنه قال: من باع غلامًا بالبراءة فهو بريء من كل عيب، وكذلك باع عبد الله بن عمر بالبراءة ورآها براءة جائزة، فبقول زيد بن ثابت وعبد الله بن عمر، نأخذ، من باع غلامًا أو شيئًا وتبرّأ من كل عيب، فرضي بذلك المشتري وقبضه على ذلك، فهو بريء من كل عيب؛ علمه أو لم يعلمه؛ لأن المشتري قد برأه من ذلك.
فأما أهل المدينة فقالوا: يبرأ البائع من كل عيب لم يعلمه، فأما من علم وكتم فإنه لا يبرأ منه، وقالوا: إذا باعه بيع الميراث برئ من كل عيب؛ علمه أو لم يعلمه؛ إذا قال: ابتعتك بيع الميراث، فالذي يقول: أتبرأ إليك من كل عيب وبيّن ذلك أحرى أن يَبْرأ لما اشترط من هذا، وهو قول أبي حنيفة، وقولنا، والعامة.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: حدثنا مالك، وفي أخرى: أنا، رمزًا إلى أخبرنا، وفي أخرى: محمد أخبرنا مالك، حدثنا يحيى بن سعيد، بن قيس الأنصاري المدني يكنى أبا سعيد القاضي ثقة ثبت، كان في الطبقة الخامسة من طبقات التابعين المحدثين من أهل المدينة، مات سنة أربع وأربعين أو بعدها ومائة عن سالم بن عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ابن عمر بن الخطاب القرشي العدوي، يكنى أبا عمر أو أبا عبد الله المدني أحد الفقهاء السبعة، كان ثبتًا وعابدًا فاضلًا يشبه بأبيه في الهدي والسمت، وكان في الطبقة الثالثة من طبقات كبار التابعين المحدثين من أهل المدينة، مات في آخر سنة ست بعد المائة على الصحيح، كذا قاله ابن حجر العسقلاني (1) أنه باع غلامًا له أي: مملوكًا لابن عمر بثمانمائة درهم بالبراءة، أي: بشرط براءة بيعه عن ضمان عيب في عبد مجملًا فقال الذي أي: المشتري ابتاع العبدَ أي: اشتراه لعبد الله بن عمر: أي: بعد مضي مدة عن بيعة بالعبد داء أي: مرض قديم لم تسمِّه، لي أي: لم تعين لي ذلك الداء ولم تبرأ عنه بخصوصه، ولعل ابن عمر قال: الخصوص داخل في ضمن العموم، وقد ورد: كل الصيد في جوف الفراء، وصار مثلًا مشهورًا فاختصما أي: رفع ابن عمر
(1) في التقريب (1/ 226).
والمشتري الحكم بعد المنازعة باعني أي: ابن عمر عبدًا وبه داء، أي: مرض فقال (ق 808) ابن عمر: بعته بالبراءة، أي: عن عيب مطلقًا فقضى عثمان رضي الله عنه على ابن عمر أن يحلف بالله: لقد باعه العبد وما به أي: والحال أنه ليس بالعبد داء مرض يعلمه، فأبى أي: امتنع عبد الله بن عمر أن يحلف، فارتجع الغلام أي: استرده فصحّ عنده الغلام، أي: العبد كما في نسخة: فباعه أي: الغلام المسترد عبد الله بن عمر بعد ذلك أي: بعد برئه بألف وخمسمائة درهم أي: بضعف ما باعه أولًا.
قال محمد: وبلغنا عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه قال: من باع غلامًا أي: عبدًا مملوكًا بالبراءة فهو أي: فبائعه بريء من كل عيب، أي: ولا يضمن له ولا يحلف عليه وكذلك أي: مثل ما قال زيد بن ثابت باع عبد الله بن عمر بالبراءة ورآها أي: واختار البراءة براءة جائزة، فبقول زيد بن ثابت وعبد الله بن عمر، نأخذ، أي: إنما نعمل بقولهما لا بقول عثمان بن عفان فعلمان خير من علم واحد، وقولهما أقرب إلى القياس والاحتياج إلى تعامل الناس كمن باع غلامًا أي: مملوكًا أو شيئًا أي: آخر من حيوان أو غيره وتبرّأ أي: أظهر براءة البيع من كل عيب، فرضي بذلك أي: البيع وقبضه أي: المبيع على ذلك، أي: العقد المراء فهو أي: فبائعه بريء من كل عيب؛ أي: في مبيعه علمه أي: سواء علم البائع عيب المبيع أو لم يعلمه، لأن المشتري قد برأه بتشديد الراء المهملة أي: صحح براءة البائع من ذلك أي: العيب حيث قبله على عيبه البرء عنه قوله: فأما أهل المدينة أي: فقهائهم من المالكية التابعين لعثمان فقالوا عطف على قوله قال: محمد عن زيد بن ثابت.
قال ابن هشام: وفائدة العطف ربط المفصل بالمجمل قال تعالى في سورة النساء: {فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً} [النساء: 153] وقال سعد الدين في شرح أما بعد من (شرح التلخيص): كلمة أما أصلها مهما، وهو مبتدأ متضمن معنى الشرط لزمه الفاء لجوابه غالبًا. انتهى فعلم من مفهومه غالبًا أن الفاء قد تحذف عن جواب أو، كما حذفت في قوله تعالى في سورة آل عمران:{فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ} [آل عمران: 106].
قال ابن هشام: قلت: الأصل فيقال لهم: أكفرتم فحذف القول استغناء بالمقول فتبعته الفاء في الحذف انتهى. والأمر هنا كذلك تقديره مهما يكن من شيء، فأما أهل