الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب إثم الخوارج وما في لزوم الجماعة من الفضل
في بيان إثم الخوارج، جمع الخارج وهم فرقة من سبعين فرقة من الفرق الإِسلامية يخرجون في زمان الصحابة والتابعين وأتباع التابعين إلى يوم القيامة على الإِمام الحق، اتفق المسلمون على إمامته لقصدهم عزله عن إمامته وسبب إثمهم إكفارهم المسلمين المرتكبين الكبيرة، فإنهم نسبوا عليًا رضي الله عنه إلى الكفر، وخرجوا عليه بنهروان، وهم اثنى عشر ألف رجل فدعاهم إلى الطاعة له فأبوا وقتلهم جميعًا إلا عشر رجال ثم توالدوا وتكاثروا كما في (الملل والنحل) للشهرستاني، وإضافة الإِثم إلى الخوارج من قبيل إضافة الحال إلى محلها، وما في لزوم الجماعة من الفضل أي: وبيان فضل من استقر في مذهب أهل السنة والجماعة.
وذلك أنه قال الشيخ أبو الحسن الأشعري رحمه الله تعالى لأستاذه أبي علي الجبائي: ما تقول في ثلاثة إخوة الأول مطيع والثاني عاص والثالث صبي فقال: الأول يثاب بالجنة والثاني يعاقب والثالث لا يثاب ولا يعاقب.
وقال الأشعري: فإن قال الثالث: يا رب لم أمتني صبيًا وما أبقيتني إلى أن أكبر فأومن بك وأطيعك فأدخل الجنة، فقال علي الجبائي: يقول الرب: إن كنت أعلم منك إنك لو (ق 895) كبرت لعصيت فدخلت النار فكان الأصلح لك أن تموت صبيًا.
قال الأشعري: فإن قال الثاني لله: لم تمتني صبيًا لئلا أعطي فلا أدخل النار ماذا يقول الرب، فبهت الجبائي، وترك الأشعري مذهبه واشتغل وهو ومن تابعه بإبطال رأي المعتزلة وإثبات ما وردت به السنة ومضى عليه الجماعة، فسموا أهل السنة والجماعة كذا قال سعد الدين التفتازاني في (شرح العقائد).
865 -
أخبرنا مالك، أخبرني يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سَلَمة بن عبد الرحمن: أنه سمع أبا سعيد الخُدْري يقول: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يخرج فيكم قومٌ تَحْقرون صلاتكم مع صلاتهم، وأعمالَكم مع أعمالهم، يقرؤُون القرآن لا يجاوز حَنَاجِرَهم، يَمْرُقون من الدِّين مُرُوقَ السهم
(865) صحيح، أخرجه البخاري (5058) ومسلم (1064) وأحمد (11185) ومالك (477).
من الرَّميَّة، تنظر في النصل، فلا ترى شيئًا، تنظر في القِدْح، فلا ترى شيئًا، تنظر في الرّيش، فلا ترى شيئًا، فتَتمارى في الفُوق".
قال محمد: وبهذا نأخذ، لا خير في الخروج، ولا ينبغي إلا لزوم الجماعة.
• أخبرنا مالك، أخبرني يحيى بن سعيد، وقد سبق طبقته آنفًا عن محمد بن إبراهيم، بن الحارث بن خالد الغيمي، يكنى أبا عبد الله المدني، ثقة له أفراد، كان في الطبقة الرابعة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات سنة عشرين ومائة على الصحيح عن أبي سَلَمَة بن عبد الرحمن: بن عوف الزهري المدني، قيل: اسمه عبد الله، وقيل: إسماعيل، ثقة مكثر، كان في الطبقة الثالثة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات سنة أربع وتسعين، وكان مولده سنة بضع وعشرين أنه سمع أبا سعيد الخُدْري اسمه سعيد بن مالك بن سنان الصحابي ابن الصحابي يقول: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يخرج فيكم أي: فيما بينكم أيها الأمة قومٌ أي: هم الذين خرجوا على علي بن أبي طالب رضي الله عنه يوم النهروان فقتلهم فهم أصل الخوارج، وأول خارجة خرجت إلا أن منهم طائفة كانت ممن قصر المؤمنين يوم الدار في قتل عثمان رضي الله عنه، وسموا خوارج من قوله يخرج كذا قاله في (التمهيد) تَحْقِرون بكسر القاف أي: تستقلون أيها المؤمنون صلاتكم مع صلاتهم، وفي نسخة: يحقرون بصيغة الجمع الغائب أي الخوارج وأعمالَكم مع أعمالهم، أي: لكمال مبالغتهم في تحسين الأعمال الظاهرة، وهو من قبيل عطف العام على الخاص كقوله تعالى في سورة نوح:{وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [نوح: 28] يقرءُون القرآن أي: آناء الليل والنهار.
وفي رواية للبخاري: "يتلون كتاب الله رطبًا" أي: لمواظبتهم على تلاوته، فلا يزال لسانهم رطبًا بها أو هن من تحسين الصوت بها لا يجاوز أي: ثواب قراءتهم أو جميع طاعتهم حَنَاجِرَهم، جمع حنجرة، وهي الحلقوم، والمعنى أنه سبحانه وتعالى لا يقبلها ولا يرفعها كأنها لم تجاوز حلقومهم، أو أنهم لا يعلمون بالقرآن فلا يثابون على قرائته، فلا يحصل لهم غير مجرد القراءة، وهذا المعنى ظاهر في علماء زماننا فإنهم يدعون بأن يقولون: نحن من أهل السنة والجماعة، ويقولون ما لا يفعلون ويقرؤون القرآن ولا يجاوز
قلوبهم القاسية؛ فإن منهم (ق 896) يقرؤون قوله تعالى: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} [هود: 113] ثم يميلونهم ويحبونهم ويترددون أبوابهم ويجالسون معهم ويصدقونهم فيما يكذبون ويأكلون طعامهم كما تأكل الأنعام، ومنهم منٍ يقرؤون قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء: 10] ثم يأكلون أموالهم، ومنهم من يقرؤون قوله تعالى:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة: 45] وفي آية أخرى: {فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44] ثم يحملون بغير ما أنزل الله ومنهم يقرؤون قوله تعالى: {وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا} [التوبة: 40] وقوله تعالى: {هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} [البروج: 21، 22] ويرون الفتوى في (خلاصة الفتاوى) من ألقى الفتوى إلى الأرض كفر ثم يجالسون مجالس الدرس لتعليمهم المتعلمين ويلقون كتبهم في الأرض تساهلًا وعدم مبالاتهم بها، وهي لا تخلوا من آية قرآنية كيف يكون حالهم يوم يقوم الناس لرب العالمين؟
فيجب على المؤمنين كلهم أن يعظموا القرآن بأنواع التعظيم، منها أن يرفعوا عند قراءتهم وتعليمهم وتعلمهم حذاء صدورهم لروائها وقال الله تعالى:{وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ} [التوبة: 14] ويخاف عليهم أن ينزع القرآن والذين عن قلوبهم إن لم يعملوا بما قرؤوا كما قال صلى الله عليه وسلم: "يَمْرُقون بضم الراء أي: يخرجون سريعًا من الدِّين أي: عن طاعة الإِمام، وقيل: المراد بالدين الإِسلام فهو حجة لمن كفر الخوارج كما روى البخاري: "يمرقون من الإسلام"، وقيل: المراد بالدين الطاعة فلا حجة فيه بكفرهم.
قال الحافظ: والذي يظهر أن المراد بالدين الإِسلام كما مر وخرج الكلام مخرجًا الزجر وأنهم بفعلهم ذلك يخرجون من الإِسلام الكامل مُرُوقَ السهم بالنصب أي: كخروجه من الرَّميَّة، بفتح الراء المهملة وكسر الميم وفتح التحتية المشددة أي: صيد البرية ينظر أي: الرامي وفي نسخة: تنظر بصيغة المفرد المخاطب أي: أيها الرامي في النصل، بفتح النون وسكون الصاد المهملة فلام أي: الحديدة التي في آخر السهم فلا يرى شيئًا، أي: من أثر الدم، وفي نسخة: فلا ترى بالفوقية خطاب للرامي يخظر في القِدْح، بكسر القاف وسكون الدال المهملة وحاء فمهملة أصل السهم وقده فلا يرى شيئًا، أي: وقيه،
وفي نسخة: تنظر في القدح فلا ترى بالفوقية فيها ينظر في الرّيش، أي: ريش السهم المركب عليه فلا يرى شيئًا، أي: من أثر الدم، وفي نسخة: فلا ترى بالفوقية وتَتمارى بفتح الفوقية أي: تشاكل أي: أيها الرامي، وفي نسخة: فتتمارى بالفاء بدل الواو في الفُوق بضم الفاء موضع الوتر من السهم، أي: تشكل هل علق بريش من الدم.
قال محمد: وبهذا نأخذ، أي: لا نعمل هنا إلا بما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا خير في الخروج، أي: على الإِمام ولا في أصحابه من الخوارج ولا ينبغي أي: ولا يحل إلا لزوم الجماعة أي: وقبول الحاكم (ق 897) المولي بالسمع والطاعة درءًا لفتح باب الفتنة وما يترتب عليه من أسباب المحنة.
* * *
866 -
أخبرنا مالك، أخبرنا نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"مَنْ حَمَلَ علينا السلاح فليس منا".
قال محمد: من حمل السلاح على المسلمين فاعْتَرَضَهم به لقتْلهم، فمن قتله فلا شيء عليه، لأنه أحلَّ دمه باعتراضه الناسَ بسيفه.
• أخبرنا مالك، أخبرنا نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"مَنْ حَمَلَ علينا السلاح بكسر السين أي: آلات الحرب فليس منا" أي: من أهل شريعتنا والحديث رواه أحمد والشيخان وابن ماجه عن ابن عمر أيضًا.
قال محمد: من حمل السلاح على المسلمين فاعْتَرَضَهم به أي: بحمله لقتْلهم، أي: لقتالهم فمن قتله أي: ثم قتله الآخر لدفعه فلا شيء عليه، أي: لا دية ولا قصاص على قاتله لأنه أحلَّ دمه باعتراضه الناسَ بسيفه وأصله قوله تعالى في سورة الحجرات: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
(866) صحيح: أخرجه البخاري (7070) ومسلم (98) والنسائي (1410) وابن ماجه (2576) وأحمد (6345).
الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات: 9، 10].
* * *
867 -
أخبرنا مالك، أخبرني يحيى بن سعيد، أنه سمع سعيد بن المسيَّب يقول: ألا أخبركم وأحدّثكم بخيرٍ من كثير من الصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى، قال: إصلاحُ ذات البَيْن، وإياكم والبِغْضَة فإنها هي الحالقة.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا مالك، وفي أخرى: قال: ثنا مالك أخبرني يحيى بن سعيد، أنه سمع سعيد بن المسيَّب يقول ألا: بفتح الهمزة واللام المخففة حرف تنبيه أخبركم وأحدّثكم شك من الراوي أي: ألا أعلمكم كما في نسخة بخيرٍ من كثير من الصلاة والصدقة؟ أي: النافلين قالوا: بلى، زاد يحيى: يا رسول الله قال: إصلاحُ ذات البَيْن، وليحيى: صلاح ذات البين، وفي نسخة: من صلح ذات البين.
قال سعيد بن زيد الباجي المالكي: صلاح الحال التي بين الناس وإنها خير من النوافل كذا ذكره السيوطي، في (المغرب) قوله: إصلاح ذات البين أي: الأحوال التي بينهم وإصلاحها بالتعهد والتفقد، ولما كانت ملابسة البين وصفت به فقيل لها: ذات البين كما قيل للإِسرار: ذات الصدور لذلك وإياكم أي: حذروا أنفسكم والبِغضَة بكسر الموحدة، والبغضة سواء ذات البين بقرينة المقابلة فإنها هي الحالقة أي: للدين كما في رواية، والمعنى إنها الهالكة المهلكة كحلق الشعر والمراد أنها لا تبقى شيئًا من الحسنات حتى يذهب بها، كما يذهب الحلق بالشعر من الرأس ويتركه عاريًا لا شيء عليه ولا ساتر لديه.
هذا حديث مقطوع؛ لأنه قول التابعي ولكنه مرفوع في رواية أخرى كما روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه: وسواء ذات البين فإنها الحالقة. كذا قاله علي القاري.
لما فرغ من بيان ما يتعلق بحال الخوارج، شرع في بيان ما يتعلق بقتل النساء من الكفار الحربيين، فقال: هذا
* * *
(867) صحيح.