الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال عياض: والمراد بكلب الماشية هو الذي يسرح معها لا الذي يحفظها من السارق نُقِصَ من عمله أي: من ثواب عمله كل يوم قيراطان ورواه أحمد والشيخان والترمذي والنسائي عن ابن عمر أيضًا، ولا يخالفه قوله في الحديث قبله قيراط؛ لأن الحكم الزائد لكون راو حفظ ما لم يحفظ الآخر، وأنه صلى الله تعالى عليه وسلم أخبر أولًا بنقص قيراط واحد فسمعه الراوي الأول، ثم أخبرنا ثانيًا بنقص قيراطين زيادة في التأكيد في التغير من ذلك، فسمعه الراوي الثاني أو تبرك على حالين، فنقص القيراطين باعتبار كثرة الأضرار باتخاذه (ق 922) والقيراط باعتبار قلته أو القيراطان لمن اتخذه بالمدينة المنورة خاصة، والقيراط بما عداها أو يلحق بالمدينة سائر البلدان والقرى، ويختص بالقيراط بأهل البوادي وهو ملتفة إلى معنى كثرة التأذي وقتله، والمراد بالنقص أن الإِثم الحاصل باتخاذه يوازن قدر قيراط أو قيراطين من أجر عمله، فينقص من ثواب عمله المتخذ بقدر ما يترتب عليه من الإِثم باتخاذه، وهو قيراط أو قيراطان وقيل: النقص امتناع الملائكة من دخول بيته أو يلحق الأدنى بالمارين كذا قاله الزرقاني (1).
لما فرغ من بيان ما يتعلق بحكم اقتناء الكلب، شرع في بيان ما يتعلق بما يكره من الكذب وغيره، فقال: هذا
* * *
باب ما يكره من الكذب وسوء الظن والتجسس والنميمة
في ذكر ما يتعلق بحكم ما يكره من الكذب، وهو الخبر بعد المطابقة للواقع، وقيل: هو إخبار لا على ما عليه المخبر عنه وسوء الظن وهو الاعتقاد الراجح مع احتمال النقيض، والتجسس هو التفتيش عن مواطن الأمور والنميمة هي نقل الكلام من قوم إلى قوم على جهة الإفساد وكذا قاله السيد محمد الجرجاني وصاحب (النهاية).
اقتبس المصنف رحمه الله تعالى هذه الترجمة من قوله تعالى من سورة الحجرات: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا} الآية [الحجرات: 12] وجه المناسبة بين هذا الباب وبين الباب السابق كون الرجل إثمًا بما لا ينبغي له محمد قال: كذا في نسخة.
(1) انظر: "شرح الزرقاني"(4/ 476).
895 -
أخبرنا مالك، أخبرنا صفوان بن سُليم، عن عطاء بن يسار: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله رجل فقال: يا رسول الله أكْذِبُ امرأتي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا خير في الكذب"، قال: يا رسول الله أعِدُها وأقول لها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا جُناح عليك".
قال محمد: وبهذا نأخذ، لا خير في الكذب في هزال ولا جِد، فإن وسع الكذبُ في شيءٍ ففي خصلةٍ واحدةٍ: أن ترفع عن نفسك أو عن أخيك مظلمة، فهذا نرجوا أن لا يكون به بأس.
• أخبرنا مالك، أخبرنا صفوان بن سُليم، بالتصغير المدني يكنى أبا عبد الله الزهري مولاهم ثقة مفتي عابد رمي بالقدر، كان في الطبقة الرابعة من طبقات التابعين المحدثين من أهل المدينة، مات سنة اثنتين وثلاثين ومائة (1) عن عطاء بن يسار الهلالي، يكنى أبا محمد المدني مولى ميمونة، ثقة فاضل صاحب مواعظ وعبادة، كان في الطبقة الثانية من طبقات صغار التابعين المحدثين من أهل المدينة، مات سنة أربع وتسعين كذا في (تقريب التهذيب) قال أبو عمر: لا أحفظه مسندًا بوجه من الوجوه، وقد رواه ابن عيينة عن صفوان عن عطاء بن يسار مرسلًا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله رجل فقال: يا رسول الله اكْذِبُ بصيغة المتكلم وحذف همزة الاستفهام استغناء عن همزة الوصل امرأتي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا خير في الكذب" أي بل هو شر كله؛ قال الله تعالى في سورة النحل: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ} [النحل: 105] والمعنى: لا خير في أصل الكذب أو فيه غالبًا إذ قد يجب الكذب، وقد يجوز كما يدل عليه سؤاله ثانيًا قال: أي: الرجل يا رسول الله أعِدُها بهمزة الاستفهام في الوعد أي: هل أتكلم لامرأتي وأقول لها؟ بلساني إني أفعل لك كذا وكذا، وليس في نيتي فعلًا ولا إعطاؤه لها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا جُناح أي: لا حرج عليك" ولعله مقتبس من قوله تعالى في سورة النساء: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ (ق 923) نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} الآية [النساء: 114]، وقد ورد:"وليس بالكذب من أصلح بين الناس فقال خيرًا أو تمنى خيرًا" بتشديد الميم أي: زاد أو بتخفيفه
(895) مرسل: أخرجه مالك (1859).
(1)
انظر: "التقريب"(1/ 255).
أي: بلغه وأوصله رواه البغوي بسنده، ورواه أحمد والشيخان وأبو داود والترمذي (1) عن أم كلثوم بنت عقبة بلفظ:"ليس الكذب يصلح بين الناس فينمي" أي: يزيد خيرًا.
قال سعيد بن زيد الباجي: فرق بين الكذب والوعد؛ لأن الكذب ماض وهذا مستقبل، وقد يمكنه تصديق خبره كذا نقله علي القاري عن السيوطي.
قال محمد: وبهذا نأخذ، أي: لا نعمل هنا إلا بما رواه عطاء بن يسار مرسلًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ونقول: لا خير في الكذب في جِده، أي: في عمد ولا هزال وفي نسخة: الهزل مقدم على جد بأن يقول للصبي شيئًا يعطيه ويظهره له وليس في نيته إعطاؤه له وعد منه عرض الزيل من غير شيء فيه على الدابة لأن يأخذها فإن وسع الكذبُ في شيءٍ أي: ولو جاز في شيء من الأشياء ففي خصلةٍ واحدةٍ: أي: لا غيرها أن ترفع عن نفسك أو عن أخيك مظلمة، بكسر اللام أي: ظلم فهذا نرجوا أي: نحن ومعشر الفقهاء أن لا يكون به بأس أي: كراهة فيه لدفع الضرر.
* * *
896 -
أخبرنا مالك، أخبرنا أبو الزِّناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إياكم والظن، فإن الظن أكذبُ الحديث، ولا تجَسَّسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا".
• أخبرنا مالك، أخبرنا أبو الزِّناد، وهو عبد الله بن ذكوان القرشي المدني فقيه، كان في الطبقة الخامسة من طبقات التابعين المحدثين من أهل المدينة، مات سنة ثلاثين ومائة عن الأعرج، اسمه عبد الرحمن بن هرمز ويكنى أبا داود المزني مولى ربيعة بن الحارث، ثقة ثبت عالم في الطبقة الثالثة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات سنة سبع عشرة ومائة عن أبي هريرة: رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إياكم اسم منصوب على المفعولية بفعل محذوف لضيق الوقت عن ذكره والواو في قوله: والظن، للعطف على إياكم، كما أشار إليه الشيخ الرضي في بحث، ويجب حذف عامل المفعول به في قوله: إياك والأسد
(1) أخرجه: البخاري (2692) ومسلم (2605) وأبو داود (4920) والترمذي (1938).
(896)
صحيح: أخرجه: البخاري (5144) ومسلم (2563) وأبو داود (4917) والترمذي (1988) وأحمد (7798) ومالك (1684).
من (شرح الكافية)، والمعنى: احذروا أيها المكلفون أنفسكم اتباع الظن وبعد الظن عن أنفسكم، والمراد بالظن سوء الظن وهو أن تظن وتتكلم وإن لم يتكلم، فهو عفوي والظن عبارة عما تركن وتميل إليه النفس ويميل إليه القلب وسوء الظن حرام وسبب تحريمه أن أسرار القلوب لا يعلمها إلا علام الغيوب، فليس لك أن تعتقه في غيرك سواء إلا إذا انكشف لك بعيان لا يحتمل التأويل، فعند ذلك لا تعتقد إلا ما علمته وشاهدته، فما لم تشاهده أو لم تسمعه ثم وقع في قلبك فإنما الشيطان يلقيه إليك، فينبغي لك أن تكذبه فإنه أفسق الفساق.
وقال العارف (زروق): إنما ينشأ الظن الخبيث عن القلب الخبيث فإن الظن أقام المظهر مقام المضمر إذ القياس أن يقال: فإنه لزيادة تمكن المسند إليه في ذكر [](1) حثًا على الاجتناب أكذبُ الحديث، أي: حديث النفس أشد ضررًا لتعديته إلى غيره بإلقاء الشيطان في نفس الإِنسان ولا تجَسَّسوا، أي: لا تبحثوا (ق 924) ولا تتفصحوا عن معايب الناس ومساويهم.
وفي رواية: بالحاء المهملة، وقد ورد "يا معشر من آمن بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه" ولأحمد والشيخين بروايتهم عنه:"ولا تحسسوا" بالحاء المهملة أي: لا تطلبوا الشيء بالحاسة كاستراق السمع وإبصار الشيء حقيقة ولا تنافسوا، بفاء وسين من المنافسة، وهي الرغبة في النفيس والانفراد به، والمراد به هنا التنافس في الدنيا لطلب الظهور على الناس والتكبر عليهم، وأما التنافس في طريق البر محمود، ومنه قوله تعالى:{فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين: 26] ولا تحاسدوا، أي: لا تطلبوا زوال النعمة عن غيركم ولا تباغضوا، أي: لا يبغض بعضكم بعضًا في الأمور الدنيوية، وإلا فقد ورد مدح الحب في الله والبغض في الله من جهة الأمور الدينية والأحوال الأخروية ولا تدابروا، أي: لا تهاجروا عن الإخوان بانقطاع السلام والكلام والإِحسان، وأصل التدابر المعاداة والمقاطعة؛ إذ كل منهما يولي عن صاحبه دبره محسوسًا بالأبدان ومعقولًا بالعقائد وكونوا عباد الله بحذف النداء إخوانا" أي: اكتسبوا ما تصيرون به إخوانًا مما ذكر وغيره، فإذا تركتم ذلك كنتم إخوانًا وإذا لم تتركوه صرتم أعداء، والحديث رواه أحمد والشيخان. محمد قال: بنا مالك، كما في نسخة.
* * *
(1) طمس بالأصل.