الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الفرار من الطاعون
الفرار من الطاعون بوزن فاعون من الطعن عدلوا به عن أصله ووضعوه وإلا على الموت العام كالوباء قال صلى الله عليه وسلم: "الطاعون وخز أعدائكم من الجن"(1) وهو بفتح الواو وسكون الخاء المعجمة والزاي أي: طعن غير نافذ ووصف طعن الجن بأنه وخز؛ لأنه يقع من الباطن إلى الظاهر فيؤثر في الباطن أولًا، ثم يؤثر في الظاهر، وقد لا ينفذ كذا في (فيض القدير) ووجه المناسبة بين هذا الباب وبين الباب السابق الترغيب والترهيب.
955 -
أخبرنا مالك، أخبرنا محمد بن المنكدر، أن عامر بن سعد بن أبي وقاص أخبره، أن أسامة بن زيد أخبره، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن الطاعون رِجْزٌ أُرْسِلَ على من قبلكم، أو أُرْسِلَ على بني إسرائيل" - شك ابن المنكدر في روايتهما - قال: "فإذا سمعتم به بأرضٍ فلا تدخلوا عليه، وإذا وقع في أرضٍ فلا تخرجوا فرارًا منه".
قال محمد: هذا حديثٌ معروف، قد رُوي من غير واحدٍ، فلا بأس إذا وقع بأرضٍ ألا يدخلها اجتنابًا له.
• أخبرنا مالك، أخبرنا محمد بن المنكدر، أي: ابن عبد الله بن الهدير بالتصغير التيمي المدني، ثقة فاضل كان في الطبقة الثالثة من طبقات كبار التابعين من المحدثين من أهل المدينة، مات سنة ثلاثين أو بعدها ومائة أن عامر بن سعد بن أبي وقاص الزهري المدني ثقة كان في الطبقة الثالثة من طبقات التابعين والمحدثين من أهل المدينة، مات سنة أربع ومائة أخبره، أن أسامة بن زيد رضي الله عنه أخبره، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الطاعون رِجْزٌ بالزاي على المعروف أي: عذاب ووقع في بعض الروايات: رجس بالسين المهملة بدل الزاي.
قال الحافظ: والمحفوظ بالزاي والمشهور أن الذي بالسين الخبث أو النجس أو القذر
(1) أخرجه أحمد في المسند (4/ 395، 413، 417) والحاكم (1/ 50) وقال: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي.
(955)
إسناده حسن: أخرجه الطبري (1/ 247).
ووجهه القاضي عياض أن الرجس يطلق على العقوبة أيضًا، وقد قال الفارابي والجوهري: الرجس العذاب ومنه قوله: {وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ} [يونس: 100] وحكاه الراغب أيضًا أُرسِلَ على من قبلكم، أي: من اليهود والنصارى أو غيرهم أو أعم والله أعلم أو أُرْسِلَ أي: سلط على بني إسرائيل - أي: وهم اليهود والنصارى أو أحدهما شك ابن المنكدر في روايتهما - قال: أي: عامر بن سعد.
قال النووي: وكونه عذابًا مختص بمن كان قبل وإشارة بذلك إلى ما جاء في قصة بلعم بن باعوراء فأخرج الطبري (1) من طريق سليمان التيمي أحد صغار التابعين عن سيار: "أن رجلًا يقال له: بلعم مجاب الدعوة، وأن موسى صلوات الله على نبينا وعليه أقبل على بني إسرائيل يريد الأرض التي فيها بلعم، فأتاه قومه فقالوا: ادع الله عليهم فقال: حتى أؤامر ربي فمنع، فأتوه بهدية فقبلها وسألوه ثانيًا فقال: حتى أؤامر ربي فلم يرجع إليه بشي، فقالوا: لو كره لنهاك، فدعا عليهم فصار يجري على لسانه ما يدعو به على بني إسرائيل فينقلب على قومه فلاموه على ذلك، فقال: سأدلكم على ما فيه هلاكهم أرسلوا النساء في عسكرهم ومرورهن لا يمتنعن من أحد، فعسى أن يزنوا فيهلكوا فكان فيمن خرج بنت الملك فأرادها بعض الأسباط فأخبرها بمكان فمكنته من نفسها فوقع في بني إسرائيل الطاعون، فمات منهم سبعون ألفًا في يوم وجاء رجل من (ق 975) بني هارون ومعه رمح فطعنهما وأيده الله فانتظمهما جميعًا"، وهذا مرسل جيد، وسيار شامي موثق.
وذكر الطبري أيضًا هذه القصة عن محمد بن إسحاق عن سالم بن النضر بنحوه وسمى المرأة كشتا بفتح الكاف وسكون المعجمة وفوقية والرجل زمرى بكسر الزاي وسكون الميم وكسر الراء سبط شمعون الذي طعنهما فنحاص بكسر الفاء وسكون النون ثم مهملة فألف مهملة ابن هارون وقال في آخره: فحسب من هلك من الطاعون ألفًا يقول: عشر ألفًا وهذه الطريقة تعضد الأولى.
وذكر ابن إسحاق في المبدأ أن بني إسرائيل لما كثر عصيانهم أوحى الله إلى داود فخيرهم بين ثلاث، إما أن أبتليهم بالقحط، أو العدو شهرين، أو الطاعون ثلاثة أيام
(1) الطبري (1/ 247).
فأخبرهم فقالوا: اخترنا فاختاروا الطاعون، فمات منهم إلى أن زالت الشمس سبعون ألفًا وقيل: مائة ألف فتضرع داود إلى الله فرفعه.
وورد وقوع الطاعون في غير بني إسرائيل فيحتمل أن يكون هذا المراد بقوله: أو من كان قبلكم، فمن ذلك ما أخرجه الطبري وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: أمر موسى ببني إسرائيل أن يذبح كل رجل منهم كبشًا، ثم يخضب كفه في دمه، ثم يضرب على بابه ففعلوا، فسألهم القبط عن ذلك فقالوا: إن الله يبعث عليكم عذابًا وإنا ننجوا منه بهذه العلامة، فأصبحوا وقد مات من قوم فرعون سبعون ألفًا فقال فرعون عند ذلك لموسى صلوات الله على نبينا وعليه:{ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} الآية [الأعراف: 134] فدعا فكشفه عنهم، وهذا مرسل جيد الإِسناد كذا قاله الزرقاني (1) فإذا سمعتم به أي: بوقوع الطاعون بأرضٍ أي: في بلد وأنتم خارجون عنه فلا تدخلوا عليه، أي: احتراسًا واجترازًا من الإِلقاء بأيديكم إلى التهلكة وإذا وقع أي: الطاعون في أرضٍ أي: وأنتم فيها فلا تخرجوا فرارًا منه" أي: من الطاعون، فإن الفرار من الموت محذور غير محظور قال تعالى في سورة البقرة:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا} [البقرة: 243].
وفي التقييد: بالفرار إشعارًا بأن خروجه لضرورة دينية أو دنيوية جاز.
قال محمد: هذا حديثٌ معروف، أي: مشهور عند المحدثين قد رُوي عن غير واحدٍ، أي: عن كثير، وفي نسخة: من غير واحد أي: من طرق كثيرة، فقد روى أحمد (2) والبخاري (3) ومسلم (4) والنسائي (5) عن أسامة بن زيد بلفظ:"إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوا عليه، وإذا وقع وأنتم بأرض فلا تخرجوا فرارًا منه"، وفي رواية للشيخين عن أسامة بلفظ: "الطاعون بقية رجز وعذاب أرسل على طائفة من بني إسرائيل، فإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها فرارًا منه، وإذا وقع بأرض ولستم بها
(1) في شرحه (4/ 299).
(2)
أحمد (5/ 206).
(3)
البخاري (5396).
(4)
مسلم (2218).
(5)
النسائي في الكبرى (4/ 362).