الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأشياخ فاستأذن تأدبًا، ولئلا يوحشهم بتقديمه عليهم وتعليمًا بأنه لا يدفع الأيمن إلا بإذنه، ورواه البخاري عن إسماعيل وقتيبة بن سعد ويحيى بن قزعة وعبد الله بن يوسف، ومسلم عن قتيبة كلهم عن مالك. كذا قاله السيد الفاضل محمد الزرقاني (1).
لما فرغ من ذكر ما يتعلق بحكم حال الرجل يشرب ثم يعطي بمن في جانبه، شرع في ذكر ما يتعلق إلى فضل إجابة الدعوة، فقال: هذا
* * *
باب فضل إجابة الدعوى
في بيان ما يتعلق إلى فضل إجابة الدعوى أي: العامة.
886 -
أخبرنا مالك، أخبرنا نافع، عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دُعي أحدكم إلى وليمة فليأتها".
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا بدل أخبرنا، وفي أخرى: ثنا أخبرنا نافع، عن ابن عمر: رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دُعي أحدكم إلى وليمة فليأتها" أي: إلى طعام النكاح، وقيل: إلى طعام الأملاك (2) خاصَّة. قاله عياض، والوليمة مشتقة من الولم، وهو الجمع؛ لأن الزوجين يجتمعان أو إلى مكان الوليمة، والأمر للإِيجاب والمراد وليمة العرس كما حمله عليه (3) مالك في المدونة وغيره (ق 914)؛ لأنها المعهودة عندهم، ويؤيده رواية مسلم من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر مرفوعًا:"إذا دعي أحدكم إلى وليمة عرس فليجب" فتجب إجابة من عين وإن كان صائمًا؛ لأن ابن عمر كان يأتها وهو صائم كما في مسلم بشروط في الفروع، كما حكى عليه عياض الاتفاق، لكن نوزع بقول ابن القصار: المذهب لا تجب الإِجابة، وإن كان
(1) انظر: شرح الزرقاني (4/ 375).
(886)
صحيح: أخرجه البخاري (5173) ومسلم (1429) وأبو داود (3736) وأحمد (4698) ومالك (1159).
(2)
كذا في الأصل.
(3)
في الأصل: "عليك"، ولعل ما ذكرناه هو الأصوب.
ضعيفًا، أما وليمة غيره فلا تجب؛ لأن عثمان بن أبي العاص دعي إلى ختان فلم يجب، وقال: لم نكن ندعى له على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه أحمد وأحبها الظاهرية لظاهر الحديث.
قال عياض: وحملها مالك، والأكثر على الندب وكره مالك لأهل الفضل الإِجابة لكل طعام دعي إليه وتأوله غيره على غير طعام السرور كختان وأملاك (1) وحادث سرور، لما في مسلم عن أيوب عن نافع عن ابن عمر مرفوعًا:"إذا دعي أحدكم أخوه فليجب عرسًا كان أو غيره" إن لم يوجد فيها مانع من الأعذار الشرعية، كما قاله الزرقاني (2). محمد قال: كذا في نسخة:
* * *
887 -
أخبرنا مالك، حدثنا ابن شهاب، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أنه قال: بئس الطعام طعام الوليمة، يُدعى إليها الأغنياء ويترك المساكين، ومن لم يأت الدعوة فقد عصى الله ورسوله.
• أخبرنا مالك، حدثنا ابن شهاب؛ أي: محمد بن مسلم بن شهاب بن زهرة، كان ثقة فقيهًا، وكان في الطبقة الرابعة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات بعد المائة عن الأعرج، وهو عبد الرحمن بن هرمز، يكنى أبا داود المزني مولى ربيعة بن الحارث، ثقة ثبت عالم، كان في الطبقة الثالثة من طبقات المحدثين، من أهل المدينة، مات سنة سبع عشرة ومائة كذا في (تقريب التهذيب) عن أبي هريرة، رضي الله عنه أنه قال: قال ابن عبد البر: رواة مالك لم يصرحوا برفعه، ورواه ابن القاسم عنه مصرحًا برفعه، وكذا أخرجه الدارقطني في (الغرائب) من إسماعيل بن سلمة بن قعنب عن مالك مصرحًا برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بئس الطعام أي: شر الطعام كما في (الموطأ) لمالك طعام الوليمة، وإنما سماه بئسا وشرًا لقوله: يُدعى إليها الأغنياء ويُترك المساكين، أي: الفقراء فهي من هذه الحيثية
(1) في الأصل: "ونفاس".
(2)
انظر: "شرح الزرقاني"(3/ 209).
(887)
صحيح: أخرجه البخاري (2092) ومسلم (2041) وأبو داود (3782)(2050) والترمذي (1850) وأحمد (12729) ومالك (1161).
مذمومة، وإلا فمن حيثية أنها سنة مأثورة بقوله صلى الله عليه وسلم:"أولم ولو بشاة"، وكان يولم صلى الله عليه وسلم أيضًا بنفسه فهي محمودة، كذا قاله علي القاري. وتعقبه الطيبي بأن التعريف في الوليمة للعهد الخارجي، وكان من عادتهم مراعاة الأغنياء فيها وتخصيصهم بالدعوى وإيثارهم، وقوله: يدعى إلى آخره استئناف بياني، لكونها شر الطعام، ومثل هذا لا يحتاج إلى تقدير من قوله: ويترك المساكين حال، والعامل يدعى أي: يدعي لها الأغنياء، والحال أنه يترك المساكين والفقراء، والإِجابة واجبة فيكون الدعاء سببًا لأكل المدعو شر الطعام وقول التنقيح: جملة يدعى في موضع الصفة لطعام ردة في (المصابيح) بأن الظاهر أنها صفة الوليمة على (ق 915) جعل اللام جنسية مثلها في قوله: ولقد أمر على اللئيم يسبني، ويستغني حينئذ عن تأويل تأنيث الضمير على تقدير كونها صفة الطعام، انتهى. ومن لم يأت الدعوة بفتح الدال على المشهور، وهي أعم من الوليمة؛ لأنها خاصة بالعرس، كما نقله أبو عمر - يعني ابن عبد البر - من أهل اللغة.
وقال النووي: بفتح الدعوة الطعام، أما دعوة النسب فبكسرها هذا قول جمهور العرب أي: من لم يجبها بغير عذر فقد عصى الله ورسوله وهذا ظاهر في أن إجابة الوليمة واجبة، والحديث رواه الدارقطني في (فوائد ابن مدرك) عن أبي هريرة:"بئس الطعام طعام العرس يطعمه الأغنياء ويمنعه المساكين" وروى الترمذي عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعًا: "طعام أول يوم حق، وطعام الثاني سنة، وطعام الثالث سمعة، ومن سمع سمع الله به" وفي رواية لمسلم عن أبي هريرة بلفظ: "شر الطعام الوليمة يمنعها من يأتيها، ويدعى من يأباها، ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله" وفي رواية الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما ولفظه: "شر الطعام طعام الوليمة: يدعى إليها الشبعان ويحبس عنها الجائع" كذا قاله علي القاري.
محمد قال: كذا في نسخة.
* * *
888 -
أخبرنا مالك، أخبرنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس
(888) صحيح: أخرجه: البخاري (2092) ومسلم (2041) وأبو داود (3782)(2050) والترمذي (1850) وأحمد (12729) ومالك (1161).
ابن مالك، قال: سمعته يقول: إن خيّاطًا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعه، قال أنس: فذهبتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك الطعام فقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خبزًا من شعير ومرقًا فيه دُبّاء، قال أنس: فرأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يتتبع الدُبَّاء من حول الصحفة، قال: فلم أزل أحبّ الدُبَّاء منذ يومئذٍ.
• أخبرنا مالك، أخبرنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، وهو زيد الأنصاري المدني، يكنى أبا يحيى، ثقة حجة، كان في الطبقة الرابعة من طبقات التابعين من أهل المدينة والمحدثين، مات سنة اثنين وثلاثين ومائة عن أنس بن مالك، بن النضر بن الضمضم الخزرجي، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه قال: أي: إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة سمعته أي: أنس وهو عمه أخو أبيه لأمه يقول: أي: حال كون أنس يقول: إن خيّاطًا بفتح الحاء المعجمة والتحتية المشدودة، ولم يعرف الحافظ اسمه دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم طعام وفي نسخة: لطعام باللام صنعه، قال أنس: فذهبتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك الطعام فقرب أي: الخياط إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خبزًا من شعير بفتح الشين المعجمة وكسر العين الممدودة ومرقًا بفتحتين والقاف يقال بالتركي: شوربا فيه دُبّاء، بضم وتشديد الموحدة الواحدة دباءة فهمزته منقلبة عن حرف علة وخطأ المجد الجوهري في ذكره في المقصور أي: فيه قرع، زاد في رواية القعنبي وابن بكير والمثنى وقديد قال أنس رضي الله عنه: فرأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يتتبع بإسكان الفوقية وخفة الموحدة مفتوحة أي: يفتش الدباء أي القرع من حول الصحفة؛ أي: من دائرة القصعة: زاد في رواية يأكلها أي: لأنها كانت تعجبه ويترك القديد إذ كان لا يشتهيه حينئذ، ففيه أن المؤاكل لأهله وخدمه يأكل ما يشتهيه حيث رآه ذلك الإِناء إذا علم أن مؤاكله لا يكره ذلك، وإلا فلا يتجاوز ما يليه وقد (ق 916) أن أحدًا لا يكره منه صلى الله عليه وسلم شيئًا. بل كانوا يتبركون بريقه وغيره مما مسه، بل كانوا يتبادرون إلى نخامته فيستدلكون بها قال: أنس رضي الله عنه: فلم أزل أحبّ الدُبَّاء أي: أكلهم منذ يومئذٍ أي: لبعد ذلك اليوم، كما في (الموطأ) لمالك.
وقد ورد من قوله صلى الله عليه وسلم: "أنها شجرة أخي يونس"، فلم أزل أحب الدباء محبة زائدة بعد ذلك اليوم اقتداء به صلى الله عليه وسلم، ولأحمد عن أنس أنه صلى الله عليه وسلم قاله له:"إذا طبخت قدرًا فأكثر فيها من الدباء فإنها تنشد قلب الحزين" وللطبراني عن واثلة بن الأسقع مرفوعًا: "عليكم بالقرع"، فإنه يزيد في الدماغ" وللبيهقي عن عطاء مرسلًا: "عليكم بالقرع، فإنه يزيد في
العقل ويكبر الدماغ" وزاد بعضهم: أنه "يجلوا البصر ويلين القلب" وفي (تذكرة) القرطبي: أن "الدباء والبطيخ من الجنة".
* * *
889 -
أخبرنا مالك، أخبرنا إسحاق بن عُبيد الله بن أبي طلحة، قال: سمعتُ أنس بن مالك يقول: قال أبو طلحة لأمّ سُليم: لقد سمعتُ صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفًا أعرف فيه الجوع، فهل عندك من شيءٍ، قالت: نعم، فأخرجتْ أقراصًا من شعير، ثم أخذتْ خمارًا لها ثم لَفَّت الخبز ببعضه، ثم دسته تحت يدي، وردتني ببعضه، ثم أرسلتني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذهبت به فوجدتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا في المسجد ومعه الناس، فقمتُ عليهم، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أأرسلك أبو طلحة؟ " قلت: نعم، قال: فقال: "بطعام؟ "، فقلتُ: نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن معه:"قوموا"، فانطلقْتُ بين أيديهم، ثم رجعتُ إلى أبي طلحة، فأخبرته الخبر، فقال أبو طلحة: يا أم سُليم، قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس عندنا من الطعام ما نطعمهم، كيف نصنع؟ فقالت: الله ورسوله أعلم، قال: فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل هو ورسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخلا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هلمي يا أم سُلَيم ما عندك"، فجاءت بذلك الخبز، قال: فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فَفُتَّ، وعَصَرَت أم سُلَيم عكةً لها؛ فآدمته، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقول، ثم قال:"ائذن لعشرة"، فأذن لهم، فأكلوا حتى شبعوا، ثم خرجوا، ثم قال:"ائذن لعشرة"، فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا، ثم خرجوا، ثم قال:"ائذن لعشرة"، فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا، ثم خرجوا، ثم قال:"ائذن لعشرة"، فأذن لهم حتى أكل القوم كلهم وشبعوا، وهم سبعون أو ثمانون رجلًا.
(889) صحيح: أخرجه البخاري (3578) ومسلم (2040) والترمذي (3630) وأحمد (12082) ومالك (1725).
قال محمد: وبهذا كله نأخذ، ينبغي للرجل أن يجيب الدعوة العامة ولا يتخلف عنها إلا لعلَّة، فأمَّا الدعوة الخاصّة، فإن شاءَ أجاب وإن شاء لم يجب.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا، وفي أخرى: قال: ثنا أخبرنا إسحاق بن عُبيد الله بن أبي طلحة، وهو زيد بن سهل الأنصاري البخاري، وهو مشهور بكنيته، وهو زوج أم أنس بن مالك بنت ملحان، فلما مات مالك أبو أنس بالشام بالتجارة من أم سليم فأراد أبو طلحة أن ينكحها وأبت؛ لأنه كافر ودعته إلى الإِسلام فأسلم، فقالت: إني أتزوجك ولا آخذ منك صداقًا لإِسلامك فتزوجها أبو طلحة لقد سمعتُ صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفًا أعرف فيه الجوع، أي: أثره فهل عندك من شيءٍ، أي: شيء من طعام، وفي رواية أنس عن أحمد: أن أبا طلحة رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم طاويًا (1).
وعند أبي يعلى من طريق محمد بن سيرين عن أنس: أنا أبا طلحة بلغه أنه ليس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم طعام فآجر نفسه بصاع من شعير فعمل بقية يومه ذلك ثم جاء به (2). . . الحديث، وفيه إشعار بأن القصة متعددة، وفي رواية عمرو بن عبد الله بن أبي طلحة عند مسلم وأبي يعلى قال: رأى أبو طلحة رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعًا يتقلب بطنًا لظهر.
وفي رواية يعقوب بن عبد الله بن أبي طلحة عند مسلم عن أنس قال: جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدته جالسًا مع أصحابه يحدثهم، وقد عصب بطنه بعصابة فسألت بعض أصحابه فقال: من الجوع، فذهبت إلى أبي طلحة فأخبرته فدخل على أم سليم فقال: أعندك شيء، فإني مررت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرئ أصحاب الصفة سورة النساء، وقد ربط على بطنه حجرًا قالت. نعم، فأخرجتْ أقراصًا بفتح الهمزة وسكون القاف جمع قرص أي: خبز من شعير، ثم أخذتْ خمارًا لها بكسر الخاء المعجمة وهي المقنعة التي توضع على الرأس وتغطي بها ثم لَفَّت وفي رواية: فلفت الخبز ببعضه أي: بطرف خمارها ثم دسته بتشديد السين المهملة أي: أخفته تحت (ق 917) يدي أي: إبطي وردتني ببعضه أي: جعلت بعضه مردودًا فوق رأسي حماية من الشمس، وفي رواية: ولاستني ببعضه أي: دارت بعض الخمار على رأسي مرتين كالعمائم تم أرسلتني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1) أخرجه: الترمذي (2360) وابن ماجه (3347) وأحمد (2303)(3535) من حديث ابن عباس.
(2)
أخرجه: أبو يعلى (2830).
فذهبت ول فوجدتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا في المسجد المراد به هنا الموضع الذي أعده النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة فيه حين محاصرة الأحزاب للمدينة في غزوة الخندق ومعه الناس، أي: أصحابه فقمتُ عليهم، أي: وقفت وفي رواية: فسلمت عليهم فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أأرسلك أي: هل أرسلك أبو طلحة؟ " قلت: نعم، وفي نسخة: فقلت بالفاء قال: كذا في نسخة أي: أنس فقال: "لطعام؟ "، وفي (الموطأ) لمالك برواية يحيى: بطعام بالباء الموحدة بدل اللام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن معه: "قوموا"، ظاهره أنه صلى الله عليه وسلم مفهم أن أبا طلحة استدعاه إلى منزله فلذلك قال لمن عنده: قوموا وأول الكلام يقتضي أن أم سليم وأبا طلحة أرسلا الخبز مع أنس أن يأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فيأكله فلما وصل أنس ورأى كثرة الناس حول النبي صلى الله عليه وسلم استحى وظهر له أن يدعو النبي صلى الله عليه وسلم ليقوم معه وحده إلى المنزل فيحصي مقصودهم من إطعامه، ويحتمل أن يكون ذلك عن رأى من أرسله حيث عهد إليه أنه إذا رأى كثرة الناس يستدعي النبي صلى الله عليه وسلم وحده خشية أن لا يكفي ذلك النبي ومن معه، وقد عرفوا إيثاره صلى الله عليه وسلم وأنه لا يأكل وحده، ووقع في رواية يعقوب بن عبد الله بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس عن أبي نعيم وأصله عند مسلم فقال لي أبو طلحة: يا أنس اذهب فقم قريبًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أقام فدعه حتى يتفرق عنه أصحابه ثم اتبعه حتى إذا قام عتبة بابه فقل له: إن أبي يدعوك قال: أي: أنس فانطلقْتُ بين أيديهم، ثم رجعتُ إلى أبي طلحة، وفي نسخة الشارح علي القاري: حتى جئت أبا طلحة فأخبرته الخبر، فقال أبو طلحة: يا أم سُليم: قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس أي: بجمع عظيم منهم وليس عندنا من الطعام ما نطعمهم، كيف نصنع؟ وفي نسخة: فكيف نصنع فقالت: الله ورسوله أعلم، قال: أي: أنس فانطلق أبو طلحة أي: مستقبلًا للمشايعة حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل هو ورسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخلا، وفي نسخة: فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة معه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هلمي أي: أحضري يا أم سُلَيم ما عندك"، أي: من الطعام فجاءت بذلك الخبز، أي: الذي أرسلته مع أنس فأمر به أي: الخبز رسول الله صلى الله عليه وسلم فَفُتَّ، بضم الفاء وتشديد التاء الفوقية أي: كسرت وعَصَرَت أم سُلَيم عكةً لها؛ وفي نسخة: لهم أي: عصرتها لأجل الناس بضم العين المهملة وتشديد الكاف المفتوحة: وعاء من جلد مستدير يختص بالسمن والعسل، وهو بالسمن أخص على ما في (النهاية) فآدمته، بالمد وبالقصر بالتشديد جعلت فيه إدامًا. كذا في (النهاية) ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه كذا في نسخة ما شاء
الله أن يقول، أي: من الدعاء والثناء بالأسماء وفي رواية (ق 918) مبارك بن فضالة فقال: هل من سمن فقال أبو طلحة: قد كان في العكة شيء فجاء بها فجعلا يعصرانها حتى خرج، ثم مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم القرص فانتفخ وقال:"بسم الله" فلم يزل يصنع ذلك، والقرص ينتفخ حتى رأيت القرص من الجفنة يتسع وفي رواية النضر بن أنس: فجئت بها ففتحتها رباطها ثم قال: "بسم الله اللهم أعظم فيها البركة" فعرف بهذا المراد بقوله فقال فيها ما شاء الله أن يقول ثم قال أي: النبي صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة أو لأنس: "ائذن لعشرة"، فأذن لهم، فأكلوا حتى شبعوا، ثم خرجوا، ثم قال "ائذن لعشرة"، فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا، تم خرجوا، تم قال:"ائذن لعشرة"، فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا، ثم خرجوا، ثم قال:"ائذن لعشرة"، فأذن لهم حتى أكل القوم كلهم وشبعوا، وهم سبعون أو ثمانون رجلًا رواه البخاري ومسلم.
وفي رواية لمسلم أنه قال: "ائذن لعشرة" فدخلوا فقال: "كلوا وسموا الله تعالى"، فأكلوا حتى فعل ذلك ثمانين رجلًا ثم أكل النبي صلى الله عليه وسلم وأهل البيت وترك سئورًا أي: بقية، وهو بالهمزة وقد يبدل، وفي رواية للبخاري: قال: "أدخل علي عشرة" حتى عد أربعين، ثم أكل النبي صلى الله عليه وسلم فجعلت أنظر هل نقص منها شيء، وفي رواية يعقوب: أدخل علي ثمانية، فما زال حتى دخل ثمانون، ثم دعاني ودعا أمي وأبا طلحة فأكلنا حتى شبعنا انتهى.
وهذا يدل على تعدد القصة، فإن أكثر الروايات فيها أنه أدخلهم عشرة عشرة سوى هذا قاله الحافظ ابن حجر قال: وظاهر أنه صلى الله عليه وسلم دخل منزل أبي طلحة وحده وصرح بذلك في رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى ولفظه: فلما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الباب فقال: "اقعدوا" ودخل وفي رواية يعقوب عن أنس فقال أبو طلحة: يا رسول الله إنما هو قرص! فقال: "إن الله سيبارك فيه"، وفي رواية: فقال أبو طلحة: يا رسول الله، إنما أرسلت أنسًا يدعوك وحدك ولم يكن عندنا ما يشبع من أرى، فقال:"ادخل، فإن الله سيبارك فيما عندك".
قال العلماء: وإنما أدخلهم عشرة عشرة والله أعلم؛ لأنها قصة واحدة لا يمكن الجماعة الكثيرة أن تقدروا على التناول منها مع قلة الطعام فجعلهم عشرة عشرة لينالوا من الأكل ولا يزدحمون.
قال محمد: وبهذا كله نأخذ، أي: لا نعمل إلا بما رواه إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك رضي الله عنه ينبغي للرجل أن يجيب الدعوة العامة ولا يتخلف
عنها إلا لعلَّة، أي: يشبهه في طعامه والمنكر في مقامه أو المرض أو كَبَرَ لا لِكِبْرِ فأما الدعوة الخاصّة، أي: كضيافة الخياط فإن شاءَ أجاب وهو السنة ومن حسن العشرة وإن شاء لم يجب أي: لحصوله المنة أو وصول السمعة فهو مخير لعدم الإِيجاب والله الملهم للصواب.
محمد قال: كذا في نسخة.
* * *
890 -
أخبرنا مالك، أخبرنا أبو الزِّناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "طعام الاثنين كافٍ للثلاثة، وطعامُ الثلاثة كافٍ للأربعة".
• أخبرنا مالك، أخبرنا أبو الزِّناد، وهو عبد الله بن ذكوان القرشي المدني ثقة فقيه، كان في الطبقة الخامسة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات سنة ثلاثين ومائة عن الأعرج، اسمه عبد الرحمن بن هرمز، ويكنى أبا داود المزني مولى ربيعة بن الحارث ثقة ثبت، عالم، كان في الطبقة الثالثة من طبقات التابعين المحدثين من أهل المدينة، (ق 919) مات سنة سبع عشرة ومائة، كذا في (تقريب التهذيب)(1) عن أبي هريرة، رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "طعام الاثنين كاف للثلاثة، أي: بحسب القناعة أو شبع الأقل قوت الأكثر، أو لحصول البركة ونزول الرحمة، وفي نسخة: كاف في الثلاثة وطعام الثلاثة كافٍ للأربعة"، وفي نسخة:"كاف الأربعة" رواه الشيخان والترمذي عنه أيضًا ورواه أحمد ومسلم والترمذي والنسائي عن جابر ولفظه: "طعام الواحد يكفي اثنين وطعام الاثنين يكفي الأربعة، وطعام الأربعة يكفي الثمانية فاجتمعوا عليه ولا تفرقوا"(2) والله أعلم.
لما فرغ من بيان ما يتعلق بفضل إجابة الدعوة، شرع في بيان ما يتعلق بفضل المدينة، فقال: هذا
* * *
(890) صحيح: أخرجه: البخاري (5392) ومسلم (2058) والترمذي (1820) وابن ماجه (3254) وأحمد (7278) ومالك (1726).
(1)
تقدم.
(2)
أخرجه: مسلم (2059) وابن ماجه (3254) وأحمد (13810) والدارمي (2044).