الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عطية ولدًا أو غيره أي: كالأخ وغيره قريبًا أو أجنبيًا فلم يقبضها أي: العطية الذي نحلها بصيغة المجهول، أي: أعطى له العطية حتى مات أي: غاية موته الناحل والمنحول فهي أي: النحلة مردودة على الناحل أي: إن مات المنحول وعلى ورثته، أي: إن مات الناحل ولا تجوز للمنحول أي: أن يتصرف في النحلة حتى يقبضها إلا الولد الصغير، فإن قبض أي: في حكم قبضه والده له قبض فإذا أعلنها وأشهد بها فهي جائزة لولده ولا سبيل للوالد إلى الرجعة فيها، أي: إلى الرجوع في أخذها عنه ولا إلى اعتصارها، وفي نسخة: اغتصابها أي: أخذها عنه علانية بعد أن أشهد عليها، وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا.
لما فرغ من بيان حكم النحل والنحل، شرع في بيان ما يتعلق بالعمري والسكنى، فقال: هذا
* * *
باب العمرى والسكنى
في بيان ما يتعلق بحكم العمرى والسكنى بضم أولهما وسكون أوسطهما وقصر آخرهما، وحكى ضم العين والميم وفتح العين وإسكان الميم، يقال: أعمرته دارًا أو أرضًا أو إبلًا إن أعطيته إياها، وقلت له: هي لك عمرى أو عمرك فإذا مرت رجعت إلي والسكنى كذلك وهو أن يجعل مسكنها في مدة عمره وبعدها إلى صاحبها قال: لبيد الشاعر:
وما المال إلا معمرات ودائع
…
ولا بد يومًا أن ترد الودائع
وقال سعيد بن زيد الباجي المالكي: هي هبة منافع الملك عمر الموهوب له، أو مدة وعمر عقبة لا هبة الرقبة.
قال أبو عمر بن عبد البر: وسواء عند مالك وأصحابه ذكر ذلك لفظ العمرى أي: كقوله: أعمرتك داري أو الاعتمار أو السكنى والاغتلال أو الإِرفاق أو الإِنحال، أو نحو ذلك من ألفاظ العطايا. كذا قاله الزرقاني (1).
(1) في شرحه (4/ 60).
811 -
أخبرنا مالك، أخبرنا ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن جابر بن عبد الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أيُّما رجل أُعْمِرَ عُمْرَى له ولعقبه؛ فإنها للذي يُعطاها؛ لا ترجع إلى الذي أعطاها؛ لأنه أعطى عطاءً وقعت المواريث فيه".
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا أخبرنا ابن شهاب، أي: محمد بن مسلم الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، قيل: اسمه عبد الله، وقيل: إسماعيل، وقيل: كنيته، ثقة مكثر، كان في الطبقة الثالثة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات سنة أربع وتسعين ومائة كذا قاله ابن حجر عن جابر بن عبد الله: الأنصاري الصحابي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أيُّما بفتح الهمزة وضم التحتية المشددة فميم ثم ألف مرفوع على إنه مبتدأ واستفهامية متضمنة معنى الشرط، وما زائدة لتأكيد الإِبهام والتعميم أي: في أي، ومضاف إلى رجل أي: إنسان أُعْمِرَ بضم أوله مبنى للمفعول صفة رجل عُمْرَى على زنة صلبى كاعتمرتك هذه الدار مثلًا له ولعقبه؛ أي: لورثته.
قال النووي: العقب بفتح العين المهملة وكسر القاف أولاد الإِنسان ما تناسلوا انتهى. فإنها أي: العمرى، وهي الدار للذي يُعطاها؛ بصيغة المفعول وفي رواية: أعطيها ألا ترجع أي: لا تعود العمرى إلى الذي أي: المعطي أعطاها: هذا آخر المرفوع وقوله (ق 844): لأنه أعطى عطاءً وقعت المواريث فيه" مدرج من قول أبي سلمة بين ذلك ابن أبي ذئب عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إنه قضى فيمن أعمر عمرى له ولعقبه فهي له قبله، لا يجوز للمعطي فيها شرط".
قال أبو سلمة: لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث فقطعت المواريث بشرطه رواه مسلم.
(811) صحيح، أخرجه الشافعي في الأم (4/ 63)، والبخاري (2625)، ومسلم (4110 - 4116)، وأبو داود في البيوع (3550)، والترمذي (1350)، والنسائي في العمرى (6/ 275)، وابن ماجه في الهبات (2380)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 93)، والبيهقي في الكبرى (6/ 172)، وفي معرفة السنن والآثار (9/ 12324).
المدرج أنواع: إما مدرج في أول الحديث من قول بعض رواته، إما الصحابي أو من بعده موصولًا بالحديث من غير فصل بين الحديث وبين ذلك الكلام بذكر قائله، فليس على من يعلم حقيقة ويتوهم أن الجميع مرفوع.
مثال المدرج في أوله: ما رواه شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أسبغوا الوضوء ويلٌ للأعقاب من النار" فقوله: "أسبغوا الوضوء" من قول أبي هريرة وصل بالحديث في أوله كذلك رواه البخاري (1) في (صحيحه) عن آدم بن أبي إياس عن شعبة بن محمد بن زياد عن أبي هريرة قال: "أسبغوا الوضوء" فإن أبا القاسم صلى الله عليه وسلم قال: "ويل للأعقاب من النار".
ومثال المدرج في وسطه: ما رواه الدارقطني في سننه عن عبد الحميد بن جعفر عن هشام بن عروة عن أبيه عن بسرة بنت صفوان قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من مس ذكره أو أنثييه أو رفغه فليتوضأ" فقوله: أنثييه والرفغين ليس من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما هو من قول عروة بن الزبير، فأدرجه الراوي في متن الحديث، وقد بيَّن ذلك حماد وأيوب.
ومثال المدرج في آخره: ما رواه أبو داود عن عبد الله بن محمد النفيلي عن الزهري عن الحسن بن الحر عن القاسم بن مخيمرة قال: أخذ علقمة بيده فحدثني أن عبد الله بن مسعود أخذه بيده، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيد عبد الله بن مسعود فعلمنا التشهد في الصلاة، قال: فذكر مثل حديث الأعمش إذا قلت هذا أو قضيت هذا فقد قضيت صلاتك إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد، فقوله: إذا قلت. . . إلى آخره وصله زهير بن معاوية أبو خيثمة بالحديث المرفوع في رواية أبي داود هذه.
قال الحاكم: قوله: إذا قلت هذا مدرج في الحديث من كلام عبد الله بن مسعود. كذا قاله في شرح الألفية للعراقي، وفائدة المدرج للإِيضاح أو نحوه فليراجع تفصيله في كتب الأصول، ولمسلم من طريق أبي الزبير المكي عن جابر قال: جعل الأنصار يعمرون المهاجرين فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أمسكوا عليكم أموالكم ولا تفسدها؛ فإنه من أعمر عمرى فهي للذي أعمرها حيًا وميتًا ولعقبه" وفيه صحة العمرى، وإليه ذهب الجمهور إلا ما حكى عن داود وطائفة لكن ابن حزم قال بصحتها وهو شيخ الظاهرية ثم الجمهور إنها
(1) البخاري (1/ 73).
تتوجه إلى الرقبى كسائر الهبات.
وقال مالك والشافعي في القديم: إنها تتوجه إلى المنفعة دون الرقبة.
* * *
812 -
أخبرنا مالك، أخبرنا نافع، أن ابن عمر ورّث حفصة دارَها، وكانت حفصةُ قد أسكنت بنتَ زيد بن الخطاب ما عاشت، فلما توفيت ابنةُ زيد بن الخطاب قبض عبد الله بن عمر المسكن ورأى أنه له.
قال محمد: وبهذا نأخذ، العُمْرى هبة، فمن أعْمَر شيئًا فهو له، والسكنى عارية، ترجع إلى الذي أسكنها، وإلى وارثه بعده، وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا.
والعمرى: إن قال: هي له ولعقبه، أو لم يقل: ولعقبه، فهو سواء.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا (ق 845) مالك أخبرنا نافع، أن ابن عمر رضي الله عنه ورّث بتشديد الراء أورث حفصة أي: بنت عمر أم المؤمنين دارَها، بالنصب وكانت حفصةُ قد أسكنت أي: في تلك الدار بنتَ عمها زيد بن الخطاب ما عاشت، أي: مدة حياتها فلما توفيت أي: ماتت ابنةُ زيد بن الخطاب قبض عبد الله بن عمر المسكن ورأى أي: اختار أنه أي: المسكن له أي: انتقل إليه بالإِرث من أخته.
قال محمد: وبهذا نأخذ، أي: إنما نعمل بما رواه نافع عن ابن عمر العُمْرى هبة، فمن أعْمَر بصيغة المجهول شيئًا فهو أي: ذلك الشيء من الدار أو البستان أو نحوهما له، أي: حيًا وميتًا فيرجع إلى ورثته والسكنى أي: لأحد عارية، ترجع إلى الذي أسكنها، أي: حال وجودها وإلى وارثه بعده، ففرق بين العمري والسكنى وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا.
والعمرى: إن قال: هي له ولعقبه، أو لم يقل: ولعقبه، فهو سواء.
والحاصل: أن من أعمر إنسانًا فقال: أعمر بك داري، فإنه يكون قد وهب له الأمتاع في مدة عمره، وإذا مات رجعت رقية الدار إلى مالكها، وهو المعمر، وهذا مذهب
(812) إسناده صحيح.
مالك، وإذا قال: أعمرتك وعقبتك فإن عقبه يملكون منفعتها، فإن لم يبق أحد منهم رجعت الرقبة إلى المالك؛ لأنه وهب المنفعة ولم يهب الرقبة، وهو قول الشافعي.
وقال أبو حنيفة وأحمد والشافعي في أحد قوليه: يصير الدار ملكًا للمعمر وورثته لا يعود إلى ملك المعطي الذي هو المعمر، فإن لم يكن للمعمر وارث كان لبيت المال، والرقبى حكمها حكم العمرى عند الشافعي وأحمد وأبي يوسف، وقال مالك وأبو حنيفة ومحمد: الرقبي باطلة وهي أن يقوم شخص لآخر رقبتك هذه الدار، وهي لك رقبى أو هي لك حياتك على أني إن مت قبلك فهي لك وإن مت قبلي فهي لي، وسميت لذلك؛ لأن كل واحد يرقب موت صاحبه، وأما إذا قال: أعمرتك داري هذه أو هي لك عمري أو ما عشت، أو مدة حياتك، أو ما حييت، فإذا مت فهي رد عليَّ صح العمري، وبطل الشرط، وهو قول ابن عباس وابن عمر عن علي وشريح ومجاهد وطاووس والثوري، وفي الصحيحين عن أبي سلمة عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول:"العمرى لمن وهب له". كذا قاله علي القاري.
لما فرغ عن بيان ما يتعلق بالعمرى والسكنى، شرع في بيان ما يتعلق بالصرف والربا، فقال: هذا
* * *