الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فهي قليلة الضمان كثيرة الزمان، فإذا مضت السنة ولم يظهر عيب المبيع فقد برئ البائع من العهدة والضمان.
لما فرغ من بيان حكم وقت الضمان على البائع بنقصان المبيع إذا ظهر عيبه، شرع في بيان حكم بيع الولاء، فقال: هذا
* * *
باب بيع الولاء
في بيان حكم بيع الولاء بفتح الواو واللام الممدودة لغة: بمعنى المقاربة والمناصرة، وشرعًا: عبارة عن عصوبة متراضية عن عصوبة النسب يرث منها المعتق، ويلي أمر النكاح والصلاة عليه، وقد ورد:"الولاء لمن أعتق" رواه أحمد (1) والطبراني (2) عن ابن عباس، وفي رواية:"الولاء لحمة كلحمة النسب، لا يباع ولا يوهب" رواه الطبراني عن عبد الله بن أبي أوفى والحاكم والبيهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما.
797 -
أخبرنا مالك، أخبرنا عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الولاء، وعن هبته.
قال محمد: وبهذا نأخذ، لا يجوز بيع الولاء ولا هبته، وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا مالك أخبرنا عبد الله بن دينار، العدوي مولاهم، يكنى أبا عبد الرحمن المدني مولى ابن عمر ثقة مات سنة سبع وعشرين ومائة عن عبد الله بن عمر: رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الولاء، بفتح الواو وممدود وأصله من الولي، وهو القرب، وأما من الإِمارة فالولاء بكسر الواو، وقيل: بالوجهين، ويطلق على معان والمراد به هنا ولاء الأنعام بالعتق وعن هبته أي: نهى عن هبة
(1) أحمد (1/ 361).
(2)
الطبراني في الأوسط (1/ 192)، وفي الكبير (11/ 258).
(797)
صحيح، تقدم.
الولاء وكانوا في الجاهلية ينقلون الولاء بالبيع وغيره فنهى عن ذلك، وهذا الحديث من أفراد دينار، واحتاج الناس فيه إليه، كما قال أبو عمر وغيره حتى قال مسلم: الناس كلهم عيال على عبد الله بن دينار في هذا الحديث، وأخرج أبو يعلى وابن حبان عن ابن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب ولا يورث" واللحمة بالضم الاختلاط كالاختلاط في النسب؛ فإنها تجري مجرى النسب في الميراث قال (الأبي): هذا منه صلى الله عليه وسلم تعريف لحقيقة الولاء شرعًا، ولا تجد تعريفًا أتم منه، والمعنى أن بين العتق والعتيق نسبة تشبه نسبة النسب وليست به، ووجه (ق 830) الشبه أن العبد لما فيه من الرق كالمعدوم في نفسه والمعتق صيَّره موجودا كما في الولد كان معدومًا فتسبب الآن في وجوده انتهى.
وأصله قول ابن العربي: معنى الولاء لحمة كلحمة النسب أن الله أخرجه بالحرية إلى النسب حكمًا، كما أن الأب أخرجه بالنطفة إلى الوجود حسًا؛ لأن العبد كان كالمعدوم في حق الأحكام لا يقضي ولا يلي ولا يشهد، فأخرجه سيده بالحرية إلى وجود هذه الأحكام من عدمها فلما شابه حكم النسب أنيط بالعتق؛ فلذا جاء إنما الولاء لمن أعتق، وألحق برتبة النسب فنهى عن بيعه وعن هبته.
قال محمد: وبهذا نأخذ، أي: لا نعمل إلا بما رواه ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجوز بيع الولاء ولا هبته، وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا أي: من أتباع أبي حنيفة.
* * *
798 -
أخبرنا مالك، أخبرنا نافع، عن عبد الله بن عمر: أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أرادت أن تشتري وليدة فتعتقها، فقال أهلها: نبيعك على أن ولاءها لنا، فذكرتُ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"لا يمنعك ذلك فإنما الولاءُ لمن أعتق".
قال محمد: وبهذا نأخذ، الولاءُ لمن أعتق، لا يُتحوّل عنه، وهو كالنسب، وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا.
(798) صحيح، أخرجه البخاري (8/ 193، 196)، ومسلم (1141)، وابن سعد في الطبقات (8/ 63)، والنسائي (7/ 300)، وعبد الرزاق (13008)، وأبو داود (2915).
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا مالك أخبرنا نافع، أي: ابن عبد الله المدني مولى ابن عمر ثقة فقيه ثبت مشهور، كان في الطبقة الثالثة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات سنة سبع وعشرين ومائة عن عبد الله بن عمر: أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم الزوج والزوجة بمعنى امرأة الرجل لكن الزوج أفصح، قال تعالى لآدم:{اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [البقرة: 35] أرادت أن تشتري وليدة أي: جارية يقال لها: بريرة فتعتقها، أي: بعد شرائها والفاء عاطفة على تشتري، وفي رواية: لتعتقها باللام فقال أهلها: أي: ملاك الوليدة نبيعك بكسر الكاف خطاب لعائشة أي: الوليدة على أن ولاءها لنا، أي: لا لك فذكرت أي: عائشة ذلك أي: شرطهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "لا يمنعك نهي غائب أي: يا عائشة ذلك أي: الشرط عن شرائه؛ لأنه مخالف للشرع فإنما الولاءُ لمن أعتق" بلام الاختصاص أي: لأن الولاء مختص بمن أعتق، كذا قاله الكرماني وجوزه غيره أن يكون للاستحقاق كما في قوله تعالى:{وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين: 1] أو للصيرورة، وكل منها نفي أن يكون الولاء لغير من أعتق.
قال المازري: فيه حجة لمالك والشافعي وأحمد أنه لا ولاء لملتقط اللقيط خلافًا لاستحقاق، ولا لمن أسلم على يديه خلافًا للحنفية، والولاء في جميعهم للمسلمين إلا أن يكون لأحدهم وارث.
وقال أبو حنيفة رحمه الله: لكل أحد أن يوالي من شاء فيرثه والحديث على الجميع؛ لأن إنما للحصر تثبت الحكم للمذكور وتنفيه على من سواه، وعبر عنها بعضهم بتحقيق المتصل والمنفصل.
قال الأبي: كلمة "إنما" مركبة من "أن" التي حرف توكيد و"من ما" التي هي حرف نفي والأصل بقاء الحروف على معانيها اعتد الضم لما استحال رد النفي إلى نفس المثبت، لما فيه من التناقض وجب حمله على إثباته للمذكور ونفيه عمن سواه، وبه عرف معنى لتحقيق المتصل وتمحيق المنفصل النهي فالقصر قصر القلب، والحديث رواه البخاري في العتق والبيع عن عبد الله بن يوسف، وفي الفرائض عن قتيبة بن سعيد، ومسلم عن يحيى: الثلاثة (ق 831) عن مالك، به كذا قاله الزرقاني.
قال محمد: وبهذا نأخذ، أي: لا نعمل إلا بما رواه ابن عمر عن عائشة رضي الله عنها الولاءُ لمن أعتق، أي: مطلقًا لا يُتحوّل عنه، أي: لا ينقل الولاء عن المعتق وعصبته