الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب جامع الحديث
أي: كائن في بيان جمع الحديث أي: في بيان الحديث الذي جمع فيه أربعة أحكام، فإضافة الجامع إلى الحديث من إضافة الصفة إلى موصوفها عند الكوفيين، كما أشار إليها (الجامي) في (شرح الكافية) وفي نسخة: للحديث.
922 -
أخبرنا مالك، أخبرنا يحيى بن سعيد، عن محمد بن يحيى بن حَبّان، عن عبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين، وعن لِبستين، وعن صلاتين، وعن صوم يومين، فأما البيعتان: فالمنابذةُ والملامسة، وأما اللبستان: فاشتمال الصمَّاء والاحتباء في ثوب واحد كاشفًا عن فرجه، وأما الصلاتان: فالصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، والصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، وأما الصيامان: فصيام يوم الأضحى، ويوم الفطر.
قال محمد: وبهذا كله نأخذ، وهو قولُ أبي حنيفة.
• أخبرنا مالك، أخبرنا يحيى بن سعيد، عن محمد بن يحيى بن حَبّان، بفتح الحاء المهملة وتشديد الموحدة ابن منقذ الأنصاري المدني، ثقة فقيه، كان في الطبقة الرابعة من طبقات التابعين والمحدثين من أهل المدينة، مات سنة إحدى وعشرين ومائة وهو ابن أربع وسبعين سنة عن عبد الرحمن الأعرج، اسمه عبد الرحمن بن هرمز، ويكنى أبا داود المزني مولى ربيعة بن الحارث، ثقة ثبت عالم، كان في الطبقة الثالثة من طبقات التابعين والمحدثين من أهل المدينة، مات سنة سبع عشرة ومائة عن أبي هريرة، رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين، بفتح الموحدة وسكون التحتية وفتح العين المهملة ثم الفوقية المفتوحة فسكون التحتية ثم نون أي: نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن نوعين من البيع وعن لِبستين، أي: نهي عن الهيئتين في لبس الواحد وعن صلاتين أي: حين طلوع الشمس
(922) صحيح: أخرجه: البخاري (5821) ومسلم (1512) وأبو داود (4080) والترمذي (1758) وابن ماجه (3560) وأحمد (8726) والدارمي (1372) ومالك (1704).
وعند غروبها وعن صوم يومين، أي: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم نهي تحريم عن صيام يوم الفطر ويوم الأضحى، هذا الحديث مدرج، أما جزؤه الأول فرواه المصنف بالواسطة عن أبي هريرة، وأما الجزء الثاني فروي عن عبد الله بن عمر كما رواه الطبراني بالواسطة عنه، وأما الجزء الثالث فرواه عن ابن عمر في باب الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها، حيث قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يتحرى" أي: لا يقصد "أحدكم فيصلي عند طلوع الشمس ولا عند غروبها" وأما الجزء الرابع فرواه هنا عن أبي هريرة رضي الله عنه، لعل مراد المصنف بإيراد (ق 946) هذا الحديث هنا إرشاد للطالبين إلى طريق كيفية التصنيف والتأليف بالعلوم الشرعية، فإن دأب الفقهاء أن يذكروا في باب واحد مسائل مترتبة ثم يذكرون في آخر الباب مسائل شتى.
لما ذكر أربع أحكام إجمالًا شرع في تفصيلها فقال فأما البيعتان: فالمنابذةُ بضم الميم وذال معجمة من باب المفاعلة، وهي أي: المنابذة أن يطرح الرجل إلى الرجل ثوبه وأن يطرح إليه الآخر ثوبه على غير تأمل منهما بأن لا ينظر ثوبه ولا يقلبه ويقول: كل واحد منهما هذا بهذا على الإِلزام من غير نظر ولا تراض، والملامسة وهي أن يمس الرجل ثوبه بيده ولا ينشره ولا يظهر له ما فيه أو أن يشتريه ليلًا ولا يعلم ما فيه، هذا تفسير المنابذة والملامسة ملخصًا عن تفسيرهما عن الإِمام مالك.
وقيل المراد بالمنابذة: أن يقول الرجل للآخر: انبذ إلي الثوب أو الحصاة فإذا أنبذته وجب البيع، وبالملامسة: أن يقول: وجب البيع بمجرد المس وللبيان ما يشعر بأنه كلام من دونه صلى الله عليه وسلم ولفظه: وزعم أن الملامسة أن يقول الرجل للآخر: أبيعك ثوبي بثوبك، ولا ينظر أحد منهما إلى ثوب الآخر ولكن يلمسه، والمنابذة بأن يقول: انبذ ما معي وتنبذ ما معك يشتري كل منهما من الآخر، ولا يدري كل واحد منهما كم مع الآخر ونحو ذلك، وقيل المنابذة: نبذ الحصاة والصحيح أنها غيره.
قال ابن عبد البر: كان بيع المنابذة وبيع الملامسة وبيع الحصاة بيوعًا للجاهلية، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها وقال: والحصاة أن تكون ثياب مبسوطة فيقول المبتاع للبائع: أي ثوب من هذا الثياب وقعت عليه الحصاة التي أرمي بها فهي لي بكذا، فيقول البائع: نعم، فهذا وما كان مثله غرر وقمار، وهذا الحديث رواه البخاري عن إسماعيل، ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به والملامسة، وأما اللبستان: فاشتمال الصمَّاء وبفتح الصاد المهملة
وتشديد الميم الممدودة أي: اشتماله الثوب بأن يتحلل نفسه بثوبه وإسباله من غير أن يرفع طرفه ويلتف فيه، ولا يمكنه إخراج يديه إلا من أسفله فيخاف ظهور عورته، سمي صماء لسد المنافذ كلها كالصخرة الصماء والاحتباء في ثوب واحد بكسر الهمزة وسكون الحاء المهملة وكسر الفوقية، ومد الموحدة: القعود على الإِلية وينصب ويضم الساقين إلى البطن بالثوب كاشفًا عن فرجه، حال عن الاحتباء، وهذه القعدة تسمى الحبوة بضم الحاء وكسرها وسكون الموحدة وفتح الواو، وكان ذلك عادة العرب وحكمة النهي خوف كشف العورة، كما قال المناوي وأما الصلاتان: فالصلاة أي: النافلة وما في معناها من ركعتي الطواف بعد العصر أي: بعد أداء فرضه حتى تغرب الشمس، أي: إلى غاية غروبها والصلاة بعد الصبح أي: بعد فرضه حتى تطلع الشمس، أي: إلى ارتفاعها قدر رمح أو رمحين، فإن النوافل مكروهة فيما دون القضاء وصلاة الجنازة وسجدة التلاوة وسبب نهيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في هذين الوقتين ما قاله عمر بن الخطاب رضي الله عنه:"لا تحروا بصلاتكم عند طلوع الشمس ولا غروبها (ق 947) فإن الشيطان يطلع قرناه مع طلوعها ويغربان مع غروبها" وقد مر معنى القرنين ومعنى طلوعهما في باب الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها وأما الصيامان: أي: المنهيان عنهما فصيام يوم الأضحى أي: يوم النحر وأيام التشريق ويوم الفطر أي: فإنه يحرم فيهما الصيام؛ لأنهما يوم الأكل والشرب، والصيام في هذين اليومين إعراض عن ضيافة الله تعالى.
قال محمد: وبهذا كله نأخذ، أي: لا نعمل في هذا الباب إلا بما رواه أبو هريرة رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قولُ أبي حنيفة أي: وكذا قول غيره.
* * *
923 -
أخبرنا مالك، أخبرني مُخْبرٌ أن ابن عمر قال - وهو يوصي رجلًا: لا تَعتَرض فيما لا يعنيك، واعتزل عدوّك، واحذر خليلك إلا الأمين، ولا أمين إلا من خشي الله، ولا تصحب فاجرًا كي تتعلَّم من فجوره، ولا تفش إليه سرك، واستشر في أمرك الذين يخشون الله عز وجل.
(923) إسناده ضعيف.
• أخبرنا مالك، قال أخبرني بالإِفراد، وفي نسخة: أخبرني مُخْبرٌ ولعله نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما قال - وهو يوصي رجلًا -: أي: من أصحابه بما يليق من أمر ونهي في بابه لا تَعتَرض أي: لا تتعرض ولا يشتغل فيما لا يعنيك، أي: لا ينفعك من قول وفعل في دينك ودنياك: لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} [المؤمنون: 3] وبحديث: "إن من إسلام المرء ترك ما لا يعنيه" رواه الترمذي وغيره وأعتزل عدوّك، أي: ابعد نفسك عنه ولا تخالطه واحذر خليلك أي: صديقك من أن يخونك إلا الأمين، أي: في أمر الدين ولا أمين أي: كاملًا إلا من خشي الله، وفي الحديث:"لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له" رواه أحمد (1) وغيره ولا تصحب فاجرًا أي: ولا تقارن فاسقًا كي تتعلَّم من فجوره، أي: لأنك تتعلم من فسقه فإن الصحبة تؤثر، وقد ورد:"المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل" ولا تفش إليه من الإِشفاء أي: لا تظهر إلى الفاجر سرك، أي: فإنه غير مأمون في أمر دينه، فكيف يكون مأمون في أمر غيره واستشر في أمرك أي: الذي يهمك ولم تعلم فيه خيرك من شرك الذين يخشون الله عز أي: غالب في حكمه، وهو أحكم الحاكمين وجل أي: كثر على السنة أولياؤه ذكر حمده، فإنهم ينصحون لإِخوانهم ويتباركون في بيانهم وقد ورد:"المستشار مؤتمن" وفي التنزيل: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: 38]{وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [آل عمران: 159] وفي الحديث: "ما خاب من استخار ولا ندم من استشار".
* * *
924 -
أخبرنا مالك، أخبرنا أبو الزّبير المكيّ، عن جابر بن عبد الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يأكل الرجل بشماله، أو يمشي في نعل واحدة، أو يشتمل الصماء، أو يَحتَبي في ثوب واحد كاشفًا عن فرجه.
قال محمد: يُكره للرجل أن يأكل بشماله، وأن يشتمل الصمّاء،
(1) أخرجه: أحمد (11975) وابن حبان (194) والطبراني في "الأوسط"(2627) وأبو يعلى (2863) والبيهقي في "الكبرى"(12959) والشعب (4354).
(924)
صحيح: أخرجه: مسلم (2099) وأحمد (14295) ومالك (1711).
واشتمال الصّماء: أن يشتمل وعليه ثوب، فيشتمل به فتكشفَ عورته من الناحية التي تُرفع من ثوبه، وكذلك الاحتباءُ في الثوب الواحد.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا مالك أخبرنا أبو الزّبير المكيّ، وهو محمد بن مسلم المكي تدرس بفتح المثناة وسكون الدال المهملة وضم الراء المهملة والسين المهملة، مولاهم صدوق إلا أنه يدلس، كان في الطبقة الرابعة من طبقات التابعين والمحدثين من أهل مكة، مات سنة ست ومائة عن جابر بن عبد الله: السلمي بفتحتين الأنصاري الصحابي وابن الصحابي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أي: نهيًا تنزيهيًا على الأصح أن يأكل الرجل أي: وكذا المرأة بشماله، أي: لا لعذر وكذا الشرب بشماله أو التناول به والإِعطاء به، فإنه من عمل الشيطان أو يمشي أي: ونهى أن يمشي في نعل واحدة، صفة لأنها مؤنثة فكره ذلك لمفارقة الوقار ومشابهة الشيطان ومشقة في المشي أو يشتمل الصماء، بفتح الصاد المهملة (ق 948) ومد الميم أي: نهى أن يجعل الرجل ثوبه على أحد عاتقيه فيبدو أحد شقيه ليس عليه ثوب: أي: لأن يده تصير داخل ثوبه فإذا أصابه شيء يريد الاحتراس منه والاتقاء بيديه تعذر عليه، وإذا أخرجها من تحت الثوب انكشفت عورته وبهذا فسرها الفقهاء، وقالوا: يحرم أن يكشف بعض عورته وإلا كرهت.
وفسرها اللغويون: بأن يشتمل في الثوب حتى يجلل به جسده له لا يرفع منه جانب، ولذا سميت صماء؛ لأنه يسد على يديه ورجليه النافذ كلها كصخرة حتى لا فرق فيها ولا صدع، وقد مر قريبًا أو يَحتَبي وفي (الموطأ) لمالك: بفتح أوله وكسر الموحدة أي: وأن يقعد الرجل على إليته وينصب ساقيه ويضمهما إلى بطنه بالثوب، كما قال في ثواب واحد كاشفًا عن فرجه فيحرم فإن كان مستورًا فرجه فلا حرمة، وهذا الحديث رواه مسلم، عن قتيبة بن سعيد عن مالك به.
قال محمد: يُكره أي: تنزيهًا أو تحريمًا للرجل أي: وكذا للمرأة أن يأكل بشماله، وأن يشتمل الصمّاء، واشتمال الصّماء: أن يشتمل كذا في نسخة: وفي نسخة: أو يشتمل وعليه ثوب، فيشتمل به أي: اشتمالًا غير تام فتكشفَ عورته من الناحية التي تُرفع ثوبه، وفي نسخة: ترفع من ثوبه وكذلك الاحتباءُ في الثوب الواحد. والحاصل أن النهي عنهما لاشتمالهما على كشف العورة بهما فإنه حرام عند الأجنبي إجماعًا.