الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بأن يغتابه لطول مكثه عنده، أو يتعرض له بما يؤذيه من المنّ وغيره، فإن حبسه مطر أو مرض أقام بعد الثلاث فأنفق من مال نفسه وهذا كله إذا لم يطلب الضيف إقامته، أما إذا طلب أو ظن أنه لا يكره إقامته فلا بأس بها، زاد مسلم قال: يا رسول الله وكيف يؤثمه؟ قال: "يقيم عنده ولا شيء له بقربه به" من باب ضرب أي: يطعمه وفي حديث أحمد (1) عن أبي سعيد والطبراني (2) عن ابن عباس، والبزار (3) عن ابن عمر "الضيافة ثلاثة أيام فما زاد فهو صدقة" وزاد ابن أبي الدنيا عن أبي هريرة:"وعلى الضيف أن يتحول بعد ثلاثة أيام" وفي رواية القضاعي (4) عن ابن عمر: "الضيافة على أهل الوبر وليست على أهل المدر" ولعل وجه ذلك أن في البر ليس سوقًا ولا بيعًا ولا شراء، وقال: الضيافة واجبة في هذه الثلاثة لقوله صلى الله عليه وسلم: "فما وراء ذلك فهو صدقة" والجمهور على أنها سنة، وحملوا الحديث المروي على أن المضيف يراها واجبة عليه لمكارم أخلاقه أو على الضيف المضطر.
لما فرغ من بيان ما يتعلق بحق الضيافة، شرع في بيان من يتعلق بتشميت العاطس.
* * *
باب تشميت العاطس
في بيان ما يتعلق بحكم تشميت العاطس أي: جواب حمده بقوله: يرحمك الله.
قال ابن عبد البر: يقال: شمت بمعجمة ومهملة لغتان التشميت بالمعجمة فمعناه أبعدك الله عن الشماتة وجنبك ما يشمت به عليك، وأما التسميت بالمهملة فمعناه جعلك الله على سمت حسن، كذا ذكره السيوطي، وهو فرض كفاية عندنا، وسنة كفاية عند الشافعي.
954 -
أخبرنا مالك، أخبرنا عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن عطس فشمّته، ثم إن عطس فشمّته، ثم إن
(1) أحمد (2/ 288).
(2)
الطبراني في الأوسط (3/ 97).
(3)
البزار (5/ 31).
(4)
في مسند الشهاب (1/ 190).
(954)
إسناده ضعيف: لإِرساله
عطس فشمته، ثم إن عطس فقل له: إنك مضنوك"، قال عبد الله بن أبي بكر: لا أدري أبعد الثالثة أو الرابعة.
قال محمد: إذا عطس فشمّته، ثم إن عطس فشمّته، فإن لم تشمته حتى يعطس مرتين أو ثلاثة أجزأك أن تشمته مرة واحدة.
• أخبرنا مالك، أخبرنا عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم، الأنصاري المدني القاضي ثقة كان في الطبقة الخامسة من طبقات التابعين والمحدثين من أهل المدينة، مات سنة خمس وثلاثين ومائة وهو ابن سبعين سنة عن أبيه، مرسلًا أي: أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري النجاري بالنون والجيم المدني القاضي اسمه وكنيته واحد، وقيل: يكنى أبا محمد، ثقة عابد كان في الطبقة الخامسة من طبقات التابعين والمحدثين من أهل المدينة، مات سنة عشرين ومائة وقيل غير ذلك كذا قاله الحافظ العسقلاني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن عطس أحدكم كذا في نسخة بفتح الطاء أي: أتته العطسة فشمّته، أي: فقل له: أيها المخاطب "يرحمك الله" إن حمد الله ثم إن عطس فشمّته، أي: ثانيًا ثم إن عطس فشمته، أي: ثالثًا، وروى أحمد (1) والبخاري (2) في الأدب المفرد عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه مرفوعًا: "إذا عطس أحدكم فحمد الله فشمتوه، وإذا لم يحمد الله فلا تشمتوه" وروى البخاري (3) في الأدب أيضا مرفوعًا:"إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله وليقل له أخوه أو صاحبه: يرحمك الله، فإذا قال: يرحمك الله فليقل: يهديك الله ويصلح بالكم، هذا إن كان عنده رجل من بني آدم، وأما إذا لم يكن عنده رجل فيجيب الملائكة" روى الطبراني (4) عن ابن عباس رفعه: "إذا عطس أحدكم فقال: الحمد لله قالت الملائكة: رب العالمين فإذا قال: الحمد لله رب العالمين قالت الملائكة: يرحمك الله" أي: تدعوا له الملائكة بالرحمة والهداية؛ لأنه شكر الله على نعمته وهي العطاس وهو انفتاح المسلم وخفة الدماغ إذ بالعطاس يندفع الأبخرة فيعين على الطاعة؛ ولهذا عبده نعمة فسر عقبة الحمد لله كذا قاله عبد اللطيف بن الملك في (شرح المشارق)، وقيل: ما الحكمة في
(1) أحمد في المسند (4/ 412).
(2)
البخاري في الأدب المفرد (941).
(3)
(927).
(4)
الطبراني في الكبير (11/ 453) رقم (12284).
قول العاطس: الحمد لله إذا عطس، أجيب: لأن الروح تريد أن تخرج هاربة من الجسد وتقول: استجبت هنا فيجيء في كل عضو رجاء أن تخرج فتنصح ريح من دماغ فتقول لها: لم يجئ وقت خروجك فتستقر فيه فلهذا يقول العاطس: الحمد لله رب العالمين، كذا قاله عبد الرحمن السيوطي في (خواتم الحكم) أول ما قاله آدم صلوات الله على نبينا وعليه بعد نفخ الروح الحمد لله رب العالمين، وهي أول كلمة جرت على لسانه فقيل له: ولهذا خلقت يا آدم، ورد في الحديث الصحيح أول حركة صدرت من آدم بعد النفخ العطاس لا سوى الروح في أعضائه بعد دخولها في الخيشوم وصلت إلى الدماغ فعطس وحمد الله تعالى، فصار التحميد أول سنة بشرية ظهرت على لسان آدم، فكانت أفضل من الفرض المقابل من الرد للحامد العاطس من تشميت الملائكة، فلهذا ورد أفضل القرآن الحمد لله رب العالمين فبدئ به أولًا ويختم به آخرًا كما قال تعالى في حق أهل الجنة:{وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس: 10] كذا قاله السيوطي في (أولياته) ثم أي: بعد الثلاث إن عطس فقل له: إنك مضنوك"، بفتح الميم وسكون الضاد المعجمة ثم نون وواو فكاف أي: مزكوم، والضناك بالضم الزكام يقال: أضنكه الله وأزكمه الله.
قال ابن الأثير: والقياس مضنك ومزكم، لكنه جاء على ضنك وزكم قال عبد الله بن أبي بكر: لا أدري أبعد الثالثة أو الرابعة ولأبي داود، وأبي يعلى وابن السني عن أبي هريرة مرفوعًا:"إن عطس أحدكم فليشمته جليسه" وفيه تنبيه على الدعاء بالعافية؛ لأن المزكمة علة، وإشارة إلى الحث على تدارك هذه العلة ولا يهملها فيعظم أمرها، وكلامه صلى الله عليه وسلم كله حكمة ورحمة كذا قاله الزرقاني (1).
قال محمد: إذا عطس أي: أحد من المؤمنين فشمّته، أي: فقل أيها الجليس: يرحمك (ق 974) الله وجوبًا عند أبي حنيفة وسنة عند الشافعي ثم إن عطس فشمّته، أي: ندبًا فإن لم تشمته أي: أولًا حتى يعطس بكسر الطاء المهملة وإلا العطاس بضم العين من باب ضرب مرتين أو ثلاثة أجزأك أن تشمته مرة واحدة أي: أجزئ كسجدة التلاوة والله أعلم.
لما فرغ من بيان ما يتعلق بحكم تشميت العاطس، شرع في بيان ما يتعلق بحكم الفرار من الطاعون، فقال: هذا
* * *
(1) في شرحه (4/ 467).