الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يلائم أحد على المسامحة في البيع والحيطة فيه بل يشكر على ذلك أن فعله لوجه الناس، ويؤجر إن فعله لوجه الله تعالى، كذا قاله الزرقاني (1).
وقال بعض المحققين: أن ابن الرشيد ليس في البيان على الرشاد بل وهب الرشاد لعبد الوهاب، وقضى بالحق وبيَّن الصواب فإنه إذا كان في شيء لنفع بعض الناس وضرر على أكثرهم يمنع عنه، كما لو وضع جسر كبير على نهر لعبور التجار عليه ووقع الضرر به على أهل البلاد، ولم يأمنوا من العدو ولقلع الجسر ولو انتفع به بعض الناس.
قال محمد: وبهذا نأخذ، لا ينبغي أن يسعّر على المسلمين، أي: لا يجوز أن يوضع عليهم سعر معين فيقال لهم: وفي نسخة الشارح: فيقول أي: المحتسب بيعوا كذا وكذا أي: من الطعام بكذا وكذا، أي: بمقابلة الثمن المعين ويجبرون على ذلك، بصيغة المجهول، أي: لا ينبغي أن يقهر المسلمون على تسعير واحد بل لهم أن يبيعوا ما شاؤوا، إلا إنهم لا يزيدون على ما يبيعه الناس أكثرهم وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا وفي كتاب (الرحمة في اختلاف الأمة): ويحرم التسعير عند أبي حنيفة والشافعي وعن مالك أنه قال: إذا خالف واحد من أهل السوق أو يعتزل عنهم ثم إن سعر السلطان على الناس فباع الرجل متاعه وهو لا يريد بيعه بذلك ولا يقدر على تلك البيع كان مكرهًا.
وقال أبو حنيفة: إكراه السلطان يمنع صحة البيع وإكراه غيره لا يمنعها.
لما فرغ من بيان حكم حال الرجل يشتري الشيء أو يبيعه فيغبن فيه، شرع في بيان حكم الاشتراط في البيع وما يفسده، فقال: هذا
* * *
باب الاشتراط في البيع وما يفسده
في بيان حكم الاشتراط في البيع وما يفسده أي: البيع من الشروط.
790 -
أخبرنا مالك، أخبرنا الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، أن عبد الله بن مسعود اشترى من امرأته الثقفية جارية، واشترطت عليه أنك إن
(1) في شرحه (3/ 381).
بعتها فهي لي بالثمن الذي تبيعها به، فاستفتى في ذلك عمر بن الخطاب، فقال: لا تَقْرَبْها وفيها شرط لأحد.
قال محمد: وبهذا نأخذ، كل شرط اشترط البائع على المشتري، أو المشتري على البائع، ليس من شروط البيع وفيه منفعة للبائع أو المشتري، فالبيع به فاسد، وهو قولُ أبي حنيفة.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا، وفي أخرى: ثنا مالك أخبرنا الزهري، أي: محمد بن مسلم بن شهاب بن زهرة بن كلاب، ثقة كان في الطبقة الرابعة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات بعد المائة عن عبيد الله بالتصغير ابن عبد الله بن عتبة، بضم العين المهملة وسكون الفوقية وفتح الموحدة فهاء هو ابن مسعود الهزلي، يكنى أبا عبد الله المدني ثقة فقيه ثبت، كان في الطبقة الثالثة من طبقات التابعين من أهل المدينة مات سنة أربع وتسعين، وقيل: سنة ثمان، وقيل: غير ذلك كذا في (تقريب التهذيب) أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه اشترى من امرأته أي: زينب الثقفية أي: المنسوبة إلى قبيلة ثقيف بالحجاز جارية، أي: مملوكة واشترطت عليه أي: على زوجها (ق 824) المشتري أنك إن بعتها أي: بعد ذلك فهي لي أي: لا تبيعها لغيري بالثمن الذي تبيعها به، أي: حينئذ لا بالثمن الذي اشتريتها مني أي: ابن مسعود فاستفتى أي: ابن مسعود في ذلك أي: في جواز هذا العقد ونفيه عمر بن الخطاب، رضي الله عنه فقال: لا تَقرَبْها أي: الجارية على وجه التملك وفيها شرط لأحد أي: من البائع وغيره.
قال محمد: وبهذا نأخذ، أي: لا نعمل إلا بفتوى عمر بن الخطاب رضي الله عنه كل شرط اشترط البائع على المشتري، أو المشتري على البائع، ليس من شروط البيع أي: من لوازمه ومقتضياته كشرط الملك للمشتري في البيع وشرط تسليم المبيع وشرط حبس المبيع لاستيفاء الثمن وشرط انتفاع المشتري في المبيع؛ لأن هذا كله يثبت بمطلق العقد فلا يزيده الشرط إلا تأكيدًا وفيه أي: في ذلك الشرط منفعة أي: فائدة ومصلحة للبائع أو المشتري، أما البائع حكمًا لو باع شيئًا بشرط أن يقرضه المشتري درهم، أو يهدي إليه هدية أو باع دارًا على أن يسكنها شهرًا، أو على أن يسلمها إلى رأس الشهر، وأما المشتري فكما لو اشترى ثوبًا على أن يعطيه البائع أو يخيطه قميصًا أو قباء فالبيع به فاسد، أي: من
أصله فإن الشرط قد يكون باطلًا والبيع صحيح، ولا بد أيضًا من تقييد ما لا يلائم العقد بأن الشرع لم يرد بجوازه، فإن ما ورده بجوازه لا يفسد كالبيع بشرط الخيار أو الأجل، وكذا ما تعارف الناس عليه كشراء نعل على أن يجدوه أو يشركه البائع، فإن البيع لا يفسد استحسانًا للتعامل، وهو حجة يترك بها القياس، وإنما لا يجوز البيع بشرط لا يقتضيه العقد لنهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع شرط إلا ما ذكرناه من الشروط الجائزة مستثنى من هذا النهي، فيبقى ما عداه دخلًا تحته وهو أي: المذكور قولُ أبي حنيفة رحمه الله تعالى.
وقد روى الطبراني في (معجمه (1) الأوسط) عن عبد الله بن أيوب المقري عن محمد بن سليمان الدهلي عن عبد الوارث بن سعيد قال: قدمت مكة فوجدت بها أبا حنيفة وابن أبي ليلى وابن أبي شبرمة، فسألت أبا حنيفة عن رجل باع بيعًا وشرط شرطًا فقال: البيع باطلٌ والشرط باطلٌ أتيت ابن أبي ليلى فسألته فقال: البيع جائز، والشرط باطل، ثم أتيت ابن أبي شبرمة فسألته فقال: البيع جائز والشرط جائز، فقلت: سبحان الله ثلاثًا، من فقهاء العراق اختلفوا في مسألة واحدة، فأتيت أبا حنيفة فأخبرته، فقال: لا أدري ما قالا: حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع وشرط البيع باطل والشرط باطل، ثم أتيت ابن أبي ليلى فأخبرته فقال: لا أدري ما قالا: حدثني هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أشتري بريرة فأعتقها البيع جائز فالشرط باطل، ثم أتيت ابن أبي شبرمة فسألته فقال: لا أدري حدثني مسعر بن كدام عن محارب بن دثار عن جابر قال: بعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ناقة وشرط حملانها (ق 825) إلى المدينة، البيع جائز والشرط جائز والحديثان الأخيران مؤولان كما حقق في محلهما كذا قاله علي القاري.
* * *
791 -
أخبرنا مالك، أخبرنا نافع، عن عبد الله بن عمر: أنه كان يقول: لا يطأ الرجل وَلِيدةً إلا وليدةً إن شاء باعها، وإن شاء وهبها، وإن شاء صنع فيها ما شاء.
(1) في الأوسط (4/ 335)، رقم (4361).
(791)
إسناده صحيح.
قال محمد: وبهذا نأخذ، وهذا تفسير: أن العبدَ لا ينبغي أن يَتَسَرَّى؛ لأنه إن وهب لم يَجز هبته، كما يجوز هبة الحرّ، فهذا معنى قول عبد الله بن عمر، وهو قول أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا مالك أخبرنا وفي نسخة: قال: بنا نافع، أي: ابن عبد الله المدني مولى ابن عمر ثقة فقيه مشهور، كان في الطبقة الثالثة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات سنة سبع عشرة ومائة عن عبد الله بن عمر: أنه كان يقول: لا يطأ الرجل وَلِيدةً أي: لا يجامع جارية من الجواري إلا وليدةً أي: يجامع جارية مملوكة، كما يؤيد هذا التفسير ما في نسخة الشارح: وليدته أي: مملوكته شرعًا إن شاء باعها، أي: بعد ذلك وإن شاء وهبها، أي: لمن أراده وإن شاء صنع فيها ما شاء أي: من أنواع الخدمة أو ما أراد من التدبير والعتق ونحو ذلك.
قال محمد: وبهذا نأخذ، أي: لا نعمل إلا بما قاله نافع عن ابن عمر وهذا أي: الحديث تفسير أي: تبيين لقول بعضهم أن العبدَ أي: المأذون للتجارة لا ينبغي أي: لا يجوز أن يَتَسَرَّى؛ من باب التفعل أي: لا يجوز للمملوك أن يأخذ جارية يطأها لأنه أي: العبد إن وهب بصيغة المجهول لم يَجز هبته، أي: لا يجوز للعبد الموهوب له أن يهب الموهوب؛ لأن العبد وما في يده لمولاه والمولى لم يأذن لعبده أن يهب بما في يده كما يجوز هبة الحرّ، أي: بخلاف الحر، فإنه يملك تصرف مملوكه كيف ما شاء شركًا فهذا أي: المعنى المفهوم معنى قول عبد الله بن عمر، يعني: أن العبد لا ينبغي أن يتسرى وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا، ومما ينبغي التنبيه عليه أنه لا يجوز للعبد المأذون أن يتخذ أمة للمجامعة، وإن صرح المولى بإجازته حتى إن المولى لو سلم إلى مأذونه أمته المملوكة، فقال: أعطيتها ووهبتها لك فتمتع بها تمتع الرجال من النساء فقبضها فوطأها يكون زنا محضا وحرامًا صرفا ولا فرق بينها وبين الأجنبيات إلا بسقوط الحد للشبهة. كذا نقله علي القاري عن العتابية.
لما فرغ من بيان حكم الاشتراط في البيع وما يفسده، شرع في بيان حكم حال الرجل باع شجرة النخل مؤبرة وعبدًا عنده مال، فقال: هذا
* * *