الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سفيان وعبيد الله بن عمر في مسلم أيضًا، كذا قاله السيد الفاضل محمد الزرقاني.
قال محمد: وبه نأخذ، أي: لا نعمل هنا إلا بما رواه عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ينبغي أي: لا يجوز للمكلف أن يأكل الرجل بشماله، ولا يشرب بشماله إلا من عِلَّة أي: لضرورة فلا بأس بأن يستعين بيساره في الأكل وغيره، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ (ق 912) الخبز بيمينه والبطيخ بيساره، فيأكل من هذا الخبز مرة، ومن هذا البطيخ أخرى وقال صلى الله عليه وسلم:"من أكل القثاء بلحم وفي الجزام" رواه ابن عدي كذا أورده المناوي في (كنوز الحقائق).
لما فرغ من بيان ما ذكر ما يتعلق بحكم الشرب والأكل باليمين، شرع في ذكر ما يتعلق بحكم حال الرجل يشرب ثم يعطي من عن يمينه، فقال: هذا
* * *
باب الرجل يشرب ثم يناول من عن يمينه
في ذكر ما يتعلق بحكم حال الرجل يشرب، ثم يناول أي: يعطي من عن يمينه كلمة "من" لابتداء الغاية، وكلمة "عن" اسم بمعنى الجانب، كما قال ابن هشام في (مغني اللبيب) أن كلمة "عن" تكون اسمًا بمعنى الجانب، وذلك متعين إذا دخلت عليها "من"، وهو كثير كقوله: فلقد أراني للرماح رديئة من عن يميني مرة، وأما في أخرى وقال: ويحتمله عندي قوله تعالى: {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ} [الأعراف: 17] فتقدر معطوفة على مجرور من لأعلى من ومجرورها انتهى. وجه المناسبة بين هذا الباب والباب السابق معنى الإِباحة.
884 -
أخبرنا مالك، أخبرنا ابن شهاب، عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُتِي بلبن قد شِيب بماء، وعن يمينه أعرابي وعن يساره أبي بكر، فشرب ثم أعطى الأعرابي، وقال:"الأيمن فالأيمن".
(884) صحيح: أخرجه: البخاري (2352)(5619) ومسلم (2029) وأبو داود (3726) والترمذي (1893) وابن ماجه (3425) وأحمد (11711) والدارمي (2116) ومالك (1723).
قال محمد: وبه نأخذ.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: أخبرنا مالك، أخبرنا ابن شهاب، عن أنس بن مالك بن النضر بن الضمضم الخزرجي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُتِي بضم أوله وهو في دار أنس بلبن أي: حلب شاة داجن قد شِيب بكسر الشين المعجمة أي: خلط بماء، أي: من البئر التي في دار أنس، كما بين هذا كله في رواية شعيب عن الزهري عند البخاري وعن يمينه أعرابي بفتح الهمزة وسكون العين أي: رجل من أهل البادية لم يسم اسمه، وزعم أنه خالد بن الوليد خلط واضح؛ لأن الأعرابي هذا كان عن يمينه صلى الله عليه وسلم، وخالدًا كان عن يساره؛ لأن خالدًا كان من أجل قريش، والحال لا يقال لخالد: أعرابي. كذا قاله ابن عبد البر وعن يساره أبي بكر، الصديق رضي الله عنه فشرب ثم أعطى الأعرابي أي: عن يمينه ثم وقال: "الأيمن فالأيمن" ضبط بالنصب على تقدير: أعط الأيمن، وبالرفع على تقدير: الأيمن أحق، قاله الكرماني وغيره والفاء في "فالأيمن" بمعنى ثم يعني: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأعرابي: ثم أعط الذي في جانبة الأيمن ثم وثم إلى أن ينتهي.
قال محمد: وبه نأخذ قال أنس: فهي سنة أي: تقدمة الأيمن وإن كان مفضولًا، ولا يخالف في ذلك إلا ابن حزم، فقال: لا يجوز تقدمة غير الأيمن إلا بإذنه.
وأما حديث: أبي يعلى الموصلي بإسناد صحيح عن ابن عباس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أسقى قال: "ابدؤوا بالكبراء"(1) وقال: بأكابر محمول على ما إذا لم على جهة (2) يمينه أحد، بل كانوا كلهم تلقاء وجهه مثلًا، وفيه أن خلط اللبن بالماء للشرب جائز بخلاف البيع فغش.
* * *
885 -
أخبرنا مالك، أخبرنا أبو حازم، عن سهل بن سعد الساعديِّ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُتي بشراب فشرب منه وعن يمينه غلام وعن يساره أشياخ، فقال
(1) أخرجه: الطبراني في "الأوسط"(3786)، وأبو يعلى (2425) والبيهقي في الشعب (11006).
(2)
كذا في المخطوطة، ولعل الأصح أن يقول: إذا لم يكن على جهة.
(885)
صحيح: أخرجه: البخاري (2366) ومسلم (2030) وأحمد (22317) ومالك (1724).
للغلام: "أتأذن لي في أن أعطيه هؤلاء؟ "، فقال: لا والله، لا أوثر بنصيبي منك أحدًا، قال: فَتَلَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده.
• أخبرنا مالك، أخبرنا أبو حازم، الأعرج اسمه سلمة بن دينار المدني القاضي مولى الأسود بن سفيان، ثقة عابد، كان في الطبقة الثامنة من طبقات التابعين، من أهل المدينة، مات في خلافة منصور عن سهل بن سعد الساعديِّ: الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي نسخة: أن النبي (ق 913) صلى الله عليه وسلم أُتي بضم الهمزة وكسر الفوقية بشراب أي: لبن ففي رواية إسماعيل بن جعفر عن أبي حازم عن سهل: أتي بقدح من لبن فشرب منه أي: بعض اللبن وعن يمينه غلام أي: أصغر القوم، كما في رواية البخاري وغيره، وهو ابن عباس رضي الله عنهما، وهو ابن ثلاث عشرة سنة، وقيل: خمس عشرة سنة، وقيل: عشر سنين حين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما عند ابن أبي شيبة وغيره من حديثه، وكلمة عن هنا بمعنى بعد قال تعالى:{لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} [الانشقاق: 19] أي: لتلاقن أيها الناس حالًا بعد حال يعني وبعد شربه صلى الله عليه وسلم اللبن حضر في جانب يمينه غلام وعن يساره أشياخ، سمى منهم خالد بن الوليد فقال للغلام:"أتأذن لي أن أعطيه أي: اللبن، وفي نسخة: في أن أعطيه هؤلاء؟ "، أي: الذين في اليسار، وفي حديث ابن عباس أن الشربة حق لك أولًا فقال: أي: الغلام لا والله، أي: لا أرضى يا رسول الله ولا أوثر بنصيبي منك أحدًا، وفي حديث ابن عباس: فقلت: ما أنا بمؤثر بسؤرك علي أحد فَتَلَّه بفتح الفوقية واللام المشددة أي: وضع اللبن رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده أي: في يد الغلام، وفيه تنبيه على أنه كان الأولى يأخذ بما أشار إليه صلى الله عليه وسلم، وكان الأولى تقديم الأيمن في الشرب ونحوه وإن كان صغيرًا أو مفضولًا، وأما تقديم الأفاضل والكبار فهو عند التساوي في الحقوق في باقي الأوصاف، وأن الجلساء شركاء في الهدية على جهة الأدب والفضل لا الوجوب، للإِجماع على أن المطالبة بذلك لا تجب لأحد، وقد روى مرفوعًا:"جلساؤكم شركاؤكم في الهدية" بإسناد فيه كذاب (1) قاله ابن عبد البر: وإنما استأذن الغلام هذا ولم يستأذن الأعرابي في الحديث قبله استئلافًا لقلب الأعرابي وتطييبًا لنفسه، وشفقة أن يسبق إلى قلبه شيء يهلك به لقرب عهده بالجاهلية، ولم يجعل للغلام في ذلك؛ لأنه لقرابته وسنه دون
(1) في الأصل: كذا.