الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في جوفه، والجرجرة: صوت البعير عند الحنجرة، لكنه جعل صوت تجرع الإِنسان للماء في هذه الأواني المخصوصة لوقوع النهي عنه واستحقاق العقاب على استعمالها بجرجرة نار جهنم في بطنه من طريق، وقد يجعل يجرجر بمعنى يصب، ويكون نار جهنم منصوبًا على أن ما كافة أو مرفوعًا على أن خبر إن واسمها ما الموصولة ولا تجعل حينئذ كافة، وفيه حرمة استعمال الذهب والفضة في الأكل والشرب والطهارة والأكل من أحدهما، والتجمر بمجمرة منها والبول في إناء، وحرمة الزينة به واستعماله لا فرق بين رجل وامرأة، وإنما فرق بينهما في التحلي لما يقصد في المرأة من الزينة للزوج، وأخرجه البخاري عن إسماعيل عن يحيى كلاهما عن مالك به كذا قاله الزرقاني.
وقد أشبعنا حرمة استعمال الذهب والفضة على الرجال والنساء في باب الرجل يركع دون الصف ويقرأ في ركوعه.
قال محمد: وبهذا نأخذ، أي: لا نعمل هنا إلا بما رواه أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم يُكره الشرب أي: يحرم الأكل والشرب على الذكور والإِناث في آنية الفضة والذهب، وفي نسخة: لفظة الذهب مقدم على الفضة ولا نرى أي: لا نختار - نحن أهل الكوفة - بذلك أي: بالشرب والأكل بأسًا أي: كراهة في الإِناء المُفَضَّض، أي: المرصع بالفضة وكذا المذهب أي: المشدود بشرط كون المستعمل متقيًا موضع الفضة وهو أي: عدم الكراهة بالشرب في الإِناء المفضض قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا.
لما فرغ من بيان ما يتعلق بحكم الشرب في آنية الفضة، شرع في بيان ما يتعلق بحكم الشرب والأكل باليمين، فقال: هذا
* * *
باب الشرب والأكل باليمين
في بيان ما يتعلق بحكم الشرب والأكل باليمين، قدم الشرب على الأكل تفاؤلًا وإحسانًا ظنه على الله أن يجعل الشارب بيمينه من أصحاب اليمين كما قال تعالى:{إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا} [الإنسان: 5] وإشعارًا بأن الماء أشرف من الطَّعام كما قال تعالى: {مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} [الأنبياء: 30].
883 -
أخبرنا مالك، أخبرنا ابن شهاب، عن أبي بكر بن عُبيد الله، عن عبد الله بن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أكل أحدُكم فليأكل بيمينه، وليشربْ بيمينه، فإن الشيطان يأكل بشِماله، ويشرب بشماله".
قال محمد: وبه نأخذ، لا ينبغي أن يأكل الرجل بشماله، ولا يشرب بشماله، إلا من عِلَّة.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا مالك أخبرنا ابن شهاب، عن أبي بكر بن عُبيد الله، بالتصغير عن عبد الله بن عمر بن الخطاب تابعي ثقة، وأبوه شقيق سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب كان في الطبقة الرابعة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات بعد الثلاثين ومائة عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا أكل أحدُكم أي: إذا أراد أن يأكل فليأكل بيمينه، أي: بيده اليمنى من اليمين وهو البركة وليشربْ بيمينه، ولأحمد ومسلم وأبي داود: "إذا شرب فليشرب بيمينه" (1)؛ لأن من حق النعمة القيام بشكرها، ومن حق الكرامة أن تتناول باليمنى وقدم الأكل لحكم إجراء الشرع على وفق الطباع؛ ولأنه سبب للعطش فيكره تنزيهًا لا تحريمًا عند الجمهور فعلهما بالشمال إلا لعذر وأرشد لعلة ذلك بقوله: فإن الشيطان يأكل بشماله، ويشرب بشماله" أي: حقيقة؛ لأن العقل لا يحيله والشرع لا ينكره، وقد ثبت به الخَبر فلا يحتاج إلى تأويله (ق 911) بأن معناه إن فعلتم كنتم أولياؤه لأنه يحمل أوليائه على ذلك.
قال ابن عبد البر: وهذا ليس بشيء فلا معنى لحمل شيء من الكلام على المجاز إذا أمكنت الحقيقة فيه بوجه ما.
وقال ابن العربي: وإن نفى عن الجن الأكل والشرب فقد وقع في حبالة الحاد وعدم إرشاد بل الشيطان، وجميع الجان يأكلون ويشربون وينكحون ويولد لهم ويموتون وذلك جائز عقلًا، وورد به الشرع وتظافرت به الأخبار فلا يخرج عن هذا الضمان إلا حمار، ومن زعم أن أكلهم شم فما شم رائحة العلم انتهى.
(883) صحيح: أخرجه مسلم (2020) وأبو داود (3776) والترمذي (1800) وأحمد (4523) ومالك (1712).
(1)
تقدم.
ويقوي ما في مسلم أن الجن سألوا الزاد، فقال صلى الله عليه وسلم:"كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحمًا" لأن ضرورته لحمًا إنما يكون للأكل حقيقية، وروى ابن عبد البر عن وهب بن منبه تلميذ أبي حنيفة: الجن أصناف فغالبهم لا يأكلون ولا يشربون ولا يتوالدون، وصنف تفعل ذلك ومنهم السعالي والغيلان والقطرب.
قال الحافظ: وهذا إن شئت جامعًا للقولين، ويؤيده ما لابن حبان والحاكم عن أبي ثعلبة الخشني مرفوعًا:"الجن على ثلاثة أصناف: صنف لهم أجنحة يطيرون في الهواء، وصنف حيات، وصنف يحملون ويظعنون ويرحلون"(1).
ولابن أبي الدنيا: مرفوعًا نحوه، لكن قال في الثالث:"وصنف عليهم الحساب والعقاب" انتهى.
قال السهيلي: ولعل الصنف الطيار هو الذي لا يأكل ولا يشرب إن صح القول به، وقال صاحب (أكام المرجانَ): وبالجملة فالقائلون الجن لا يأكل ولا يشرب إن أرادوا جميعهم فباطل، لمصادمة الأحاديث الصحيحة وإن أرادوا وأصنفًا منهم فمحتمل لكن العمومات تقتضي أن الكل يأكلون ويشربون انتهى.
وأخذ جماعة من ظاهر الحديث حرمة الأكل بالشمال ووجوبه باليمين ولصحة الوعيد في الأكل بالشمال ففي مسلم (2) عن سلمة بن الأكوع أن النبي صلى الله عليه وسلم: رأى رجلًا يأكل بشماله، فقال:"كل بيمينك"، قال: لا أستطيع. فقال: "لا استطعت ما منعه إلا الكبر"، فما رفعها إلى فيه بعد أي: فما استطاع رفعها بعد ذلك إلى فمه، وأخرج الطبراني ومحمد بن الربيع الجيزي بسند صحيح عن عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى سبيعة الأسلمية تأكل بشمالها فقال صلى الله عليه وسلم:"أخذها داء عزة" فقيل: أو بها قرحة فقال: "وإن" فمرت بغزة فأصابها الطاعون فماتت، وأجيب بأن الدعاء ليس بترك المستحب بل لقصد المخالفة كبرًا بلا عذر، فدعا على الرجل فشلت يمينه والمرأة فماتت، وبهذا لا يرد أن دعاءه صلى الله عليه وسلم المقصود به الزجر لا الدعاء الحقيقي، والحديث رواه مسلم عن قتيبة بن سعيد عن مالك به وتابعه
(1) أخرجه: ابن حبان (6156) والحاكم (3702) والطبراني في "الكبير"(22/ 214) حديث (573).
(2)
أخرجه: مسلم (2021).