الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال محمد: وبهذا نأخذ، أي: لا نعمل إلا بما رواه أبو صالح بن عبيد عن زيد بن ثابت رضي الله عنه من وجب له دين على إنسان إلى أجل، أي: إلى وقت معلوم في الزمان المستقبل فسأله أي: فطلب المشتري من بائعه أن يضع عنه أي: يسقط بعض الثمن عن المشتري ويعجّل أي: المشتري له أي: للبائع ما بقي أي: من الثمن بعد حطه عنه لم ينبغ ذلك، أي: لا يجوز لأنه أي: المشتري يعجِّل قليلًا أي: (ق 803) عينًا قليلًا بكثير دينًا، فكأنه أي: البائع يبيع قليلًا نقدًا بكثير دينًا، وهو قول عمر بن الخطاب، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عمر، رضي الله عنهم وهو قولُ أبي حنيفة رحمه الله تعالى، صورته: من له مائة درهم مؤجلة، فأخذ خمسين قبل الأجل على أن تضع خمسين لم يجز؛ لأنه اشترى مائة مؤجلة بخمسين معجلة فدخل النسيئة والتفاضل فى الجنس الواحد وذا ربا. كذا قاله سعيد بن زيد الباجي عن عبد الله بن عمر أنه سئل عن الرجل يكون له الدين على الرجل إلى أجل فيضع عنه صاحب الحق ويعجله الآخر، أي: البائع بعد الوضع، فكره عبد الله بن عمر ونهى عنه لمنع وضع وتعجل، وبه قال الحكم بن عتيبة والشعبي ومالك وأبو حنيفة وأجازه ابن عباس، ورواه من المعروف وحكاه الجهني عن ابن القاسم.
قال ابن زرقون: ورواه، وهما عن سعيد بن المسيب والشافعي القولان، واحتج المجيز بخبر ابن عباس لما أمر صلى الله عليه وسلم بإخراج بني النضير قالوا: لنا على الناس ديون لم تحل، أي: لم يتم وقتها فقال: "ضعوا وتعجلوا"، وأجاب المانعون باحتمال أن هذا الحديث قبل نزول تحريم الربا. كذا قاله الزرقاني.
لما فرغ من بيان حكم حال الرجل يبيع المتاع أو غيره نسيئة ثم يقول للمشتري: أنفذني بعض الثمن وأسقط عنك بعضه، شرع في بيان حكم حال الرجل يشتري الشعير بالحنطة، فقال: هذا
* * *
باب الرجل يشتري الشعير بالحنطة
في بيان حكم حال الرجل يشتري الشعير بالحنطة، أي: هل يجوز التفاضل أم لا إذا كان يدًا بيد.
770 -
أخبرنا مالك، حدثنا نافع، أن سليمان بن يسار، أخبره أن عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث فَنِيَ عَلَفُ دابته، فقال لغلامه: خذ من حنطة أهلك واشتر به شعيرًا، ولا تأخذ إلا مثلًا بمثل.
قال محمد: ولسنا نرى بأسًا بأن يشتري الرجل قفيزين من شعير بقفيز من حنطة يدًا بيد.
والحديث المعروف في ذلك عن عبادة بن الصامت أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الذهب بالذهب مِثْلًا بمثل، والفضة بالفضة مثلًا بمثل، والحنطة بالحنطة مثْلًا بمثل، والشعير بالشعير مِثْلًا بمثل"، ولا بأس أن يأخذ الذهب بالفضة والفضة أكثر، ولا بأس بأن يأخذ الحنطة بالشعير والشعير أكثر، يدًا بيد، في ذلك أحاديث كثيرة معروفة، وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: ثنا مالك، وفي أخرى: محمد أخبرنا مالك حدثنا نافع، أي: ابن عبد الله المدني مولى ابن عمر، ثقة فقيه ثبت مشهور، كان في الطبقة الثالثة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات سنة سبع عشرة ومائة أن سليمان بن يسار، الهلالي المدني، مولى ميمونة وقيل: أم سلمة ثقة فاضل، أحد الفقهاء السبعة، كان في الطبقة الثالثة من طبقات كبار التابعين من أهل المدينة، مات بعد المائة وقيل قبلها أخبره أن عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة الزهري، ولد عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومات أبوه في ذلك فعد ذلك من الصحابة، وقال العجلي: من كبار التابعين. كذا في (تقريب التهذيب)(1) فَنِيَ بفتح الفاء وكسر النون أي نفذ وفرغ عَلَفُ دابته، أي: شعيرها أو غيرها فقال لغلامه: خذ من حنطة أهلك أو بعضًا منها طعامًا واشتر به أي: بمقابله المهلك شعيرًا، أي: نقدًا ولا تأخذ إلا مثلًا بمثل أي: متساويين بلا زيادة ولا نقصان في أحدهما لاتحاد جنسهما.
(770) إسناده صحيح، أخرجه مالك في الموطأ برواية أبي مصعب الزهري (2578).
(1)
(1/ 336).
قال محمد: ولسنا نرى أي: لا نظن بأسًا أي: كراهة وحرامًا بأن يشتري الرجل قفيزين أي: فصاعدًا من شعير بقفيز من حنطة يدًا بيد والحديث المعروف في ذلك أي: فيما يستدل به على جواز التفاضل بين الأجناس المختلفة عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الذهب بالذهب مِثْلًا بمثل، والفضة بالفضة مثلًا بمثل، أي: في الوزن والحنطة بالحنطة مثْلًا بمثل، (ق 804) أي: في الكيل والشعير بالشعير مِثْلًا بمثل"، أي: في الكيل وسيأتي بقية حديثه ولا بأس أي: لا حرمة أن يأخذ الذهب بالفضة أي: بمقابلتها والفضة أكثر، جملة حالية.
ولا بأس بأن يأخذ الحنطة بالشعير والشعير أكثر، وكذلك العكس فيهما بالفرض والتقدير يدًا بيد، أي: كونهما متقابضين في المجلس في ذلك أي: ثبت في جواز الشراء بأكثر مما باعه إذا كان المبيع مخالفًا في الجنس بما اشتراه أحاديث كثيرة معروفة.
منها حديث عبادة بن الصامت رواه أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجه عنه مرفوعًا بلفظ: "الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبز بالبز والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلًا بمثل سواء يدًا بيد فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى الآخذ والمعطي سواء"(1) وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا أجمع المسلمون على أنه يجوز بيع الذهب بالذهب منفرد أو الورق بالورق منفردًا بتبرها ومضروبًا وحليها مثلًا بمثل وزنًا بوزن، يدًا بيد، وأن لا يباع شيئًا غائبًا بمؤخر، واتفقوا على أنه يجوز بيع الذهب بالفضة والفضة بالذهب متفاضلين يدًا بيد، ويحرم نسيئة واتفقوا على أنه لا يجوز بيع الحنطة بالحنطة والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح إلا مثلًا بمثل، يدًا بيد، ويجوز بيع التمر بالملح والملح بالتمر متفاضلين يدًا بيد. والله أعلم.
لما فرغ من بيان حكم حال الرجل يشتري الشعير بالحنطة، شرع في بيان حكم حال الرجل يبيع الطعام نسيئة ثم يشتري بذلك الثمن شيئًا آخر.
* * *
(1) صحيح، تقدم مرارًا.