الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فلا تهبطوا عليها" فلا بأس إذا وقع بأرضٍ ألا يدخلها أي: أحد وفي نسخة: أن يدخلوها أي: جماعة اجتنابًا أي: فرارًا عن القضاء إلى العضا مع أن لهم سعة في القضاء، ومفهومه أنه لا يجوز لأحد أن يخرج منها، لأنه ضرارًا للساكنين.
وفي الصحيحين (1) ومسند أحمد (2) عن أنس: "الطاعون شهادة كل مسلم".
وفي رواية لأحمد والبخاري عن عائشة: "الطاعون كان عذابًا يبعثه الله على من يشاء وإن الله جعله للمؤمنين، فليس من أحد يقع الطاعون فيمكث في بلده صابرًا (ق 976) محتسبًا يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر شهيد".
وفي رواية الحاكم (3) في (مستدركه) عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: "الطاعون وغز أعدائكم من الجن وهو لكم شهادة".
وفي رواية لأحمد (4) عن عائشة: "الطاعون غدة كغدة البعير، المقيم بها كالشهيد والفار منها كالفار من الزحف".
وفي رواية الطبراني (5) في الأوسط وأبي نعيم عن عائشة بلفظ: "الطاعون شهادة لأمتي وخذ أعدائكم من الجن غدة كغدة الإبل يخرج في الآباط والمراق، من مات منه مات شهيدًا، ومن أقام فيه كان كالمرابط في سبيل الله، ومن فر منه كان كالفار من الزحف" وقد أشبعنا أحاديث التي وردت في حق الطاعون في (بركات الأبرار).
لما فرغ من بيان ما يتعلق بالطاعون شرع في بيان ما يتعلق بالغيبة.
* * *
باب الغيبة والبُهتان
الغيبة والبهتان. الغيبة: بالكسر أن تذكر أخاك بما يكره، وهو فيه، والبهتان: أن تذكره بما ليس فيه به؛ لأنه يبهت صاحبه ويدهشه ويتحير فيه، اقتبس هذه الترجمة من قوله
(1) البخاري (5/ 2165) ومسلم (3/ 1522).
(2)
أحمد في المسند (2/ 132).
(3)
الحاكم في المستدرك (1/ 50).
(4)
أحمد (3/ 210).
(5)
الأوسط (5/ 353).
تعالى في سورة الحجرات: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [الحجرات: 12] ووجه المناسبة بين هذا الباب وبين الباب السابق معنى يتجاوز الإِنسان عن الحر بالفرار من الطاعون وبالغيبة والبهتان اهتمامًا لشأنه، فإن كثيرًا من الناس يفر من البلدة التي يقع فيها الطاعون، ويقولون: إن لم نفر من الطاعون ليهلكنا وسيزرون القبض إلى الطاعون، وهو باطل والحق عند أهل الحق المحيي المميت هو الله تعالى لا غير.
956 -
أخبرنا مالك، أخبرنا الوليد بن عبد الله بن صيّاد، أن المطلب بن عبد الله بن حَنْطَب المخزوميّ، أخبره أن رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما الغيبة؟ "، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أن تذكر من المرء ما يكره أن يسمع"، قال: يا رسول الله، وإن كان حقًا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا قلت باطلًا فذلك البهتان".
قال محمد: وبهذا نأخذ، لا ينبغي أنْ تذكر من أخيك المسلم الزَّلة تكون منه مما يَكره، فأما صاحب الهوى المُتَعالِنُ بهواه المُعترف به، والفاسق المتعالِن بفسقه، فلا بأس، بأن تذكر هذين بفعلهما، فإن ذكرت من المسلم ما ليس فيه فهذا البهتان، وهو الكذب.
• أخبرنا مالك، أخبرنا الوليد بن عبد الله بن صيّاد، المدني أخي عمارة بن عبد الله بن صياد وكان من خيار المسلمين من أصحاب سعيد بن المسيب، روى عنه مالك وغيره، وكان أخوه عمارة بن عبد الله بن صياد في الطبقة الرابعة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات سنة بعد الثلاثين والمائة كذا قاله ابن حجر في (الإِصابة) و (تقريب التهذيب) أن المطلب بن عبد الله بن حَنْطَب بفتح الحاء المهملة والنون الساكنة والطاء المهملة المفتوحة ثم الموحدة ابن الحارث المخزوميّ، صدوق كثير التدليس والإِرسال، كان في الطبقة الرابعة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات بعد المائة.
قال أبو عمر: إن المطلب بن عبد الله بن حنطب أخرجه مرسلًا، وقد وصله العلاء
ابن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبيه عن أبي هريرة أخرجه مسلم والترمذي، قال الحافظ: والمطلب كثير الإِرسال ولم يصح سماعه من أبي هريرة رضي الله عنه أخبره أن رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما الغيبة؟ "، أي: ما حقيقتها التي نهينا عنها بقوله: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن تذكر (ق 977) أي: بلفظ أو كناية أو رمزًا أو إشارة أو محاكات من المرء أي: المسلم في غيبته ما يكره أن يسمع"، أي: ولو بلغة في دينه أو دنياه أو خلقه أو أهله أو خادمه أو ماله أو ثوبه أو حركته أو طلاقته أو عبوسته أو غير ذلك مما يتعلق به قال: الرجل السائل يا رسول الله، وإن كان حقًا، أي بأن كان فيه ما ذكرت به قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا قلت باطلًا أي: واقع فذلك البهتان" أي: الكذب فهو أعظم من العصيان.
وفي رواية لمسلم (1) أنه صلى الله عليه وسلم قال: "أتدرون ما الغيبة؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، قال:"ذكرك أخاك بما يكره"، قيل: إن كان في أخي ما أقوله، قال:"إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته".
قال القرطبي: بهته بفتح الهاء خفيفة وتشديد التاء لإِدغام تاء الخطاب في التاء المتكلم، يقال: بهت فلانًا كذب عليه فبهت أي: تحير، وبهت الذي كفر وقطعه حجته فتحير، والبهتان الباطل التي تحير فيه.
قال عياض: والأولى في تفسيره أنه من البهتان لقوله في الحديث الآخر: "فذلك البهتان" إلا أن ذلك على طريق الوعظ والنصح، فيجوز ويندب فيما كانت منه زلة التعريض دون التصريح؛ لأنه يهتك حجاب الهيبة، ثم ظاهر قوله:"من المرء" ولو كافرًا فظاهر قوله: أخاك تخصيصه الغيبة بالمسلم أن المراد في الدين، وصرح عياض بأنه لا غيبة في كافر ويوافق الأول قوله صلى الله عليه وسلم في باب أخاك خرج مخرج الغالب أو يخرج به الكافر؛ لأنه غيبة فيه بكفره بل بغيره، واستثنى مسائل تجوز فيها الغيبة معلومة.
قال ابن عبد البر (2): ليس هذا الحديث عن القعنبي في (الموطأ) وهو عنده في الزيادات وهو آخر حديث في كتاب الجامع في موطأ ابن بكير كذا قاله السيد محمد الزرقاني (3).
(1) مسلم (2589).
(2)
في التمهيد (23/ 20).
(3)
في شرحه (4/ 521).