الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أي: تأمل وتفكر ما كان أي: عندي أو عند غيرك من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أي: سماعًا أو سنته أي: تقريرًا أو بلاغًا أو حديث عُمر أو نحو هذا أي: مثل حديث عمر من حديث الخلفاء ولا سيما مما يتعلق بأمر الأمراء.
قال الميرك: واعلم أنه قد جرت عادة أصحاب الحديث إذا روي بإسنادين أو أكثر وساقوا الحديث بإسناد أولًا ثم ساقوا بإسناد آخر يقولون في آخره مثله أو نحوه اختصارًا، والمثل يستعمل بحسب الاصطلاح فيما إذا كان الموافقة بين الحديث في اللفظ والمعنى، والنحو يستعمل كل واحد منهما مقام الآخر انتهى. فاكتبه لي، أي: مجموعًا فإني قد خِفْتُ دُروس العلم أي: اندراس علم الشريعة الغراء وذهاب العلماء أي: من الصلحاء والكبراء.
قال محمد: وبهذا نأخذ، أي: لا نعمل هنا إلا بما رواه يحيى بن سعيد عن عمر بن عبد العزيز ولا (ق 955) نرى بكتابة العلم أي: من الكتاب والسنة وما يتعلق بهما من التفاسير وشروح الحديث وكتب الفقه بأسًا، وهو بكسر الفاء وسكون القاف ثم الهاء علم بالأحكام الشرعية العلمية من أدلتها التفصيلية كذا قال السيد الشريف محمد الجرجاني وهو قولُ أبي حنيفة رحمه الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من صلى علي في كتاب لم تزل الملائكة تستغفر له ما دام اسمي في ذلك الكتاب" رواه الطبراني (1) وغيره عن أبي هريرة، وروى من كلام جعفر بن محمد موقوفًا عليه وهو أشبه فكتابة العلم حسن إذ السلف كان مدار علمهم على الحفظ وإلا ينبغي أن يكون واجبًا مستحبًا فإن العلم صيد والكتابة قيد.
لما فرغ من بيان ما يتعلق باكتتاب العلم، شرع في بيان ما يتعلق بالخضاب، فقال: هذا
* * *
باب الخضاب
الخضاب في (القاموس) ككتاب ما يختضب به أي: ما يلون به قالوا: إن الخضاب كالخضب بالفتح مصدر بمعنى التلوين، ولا يخفى أن هذا المعنى أنسب بالباب؛ لأن معظمه في هذا المعنى.
(1) في الأوسط (1835).
قال ابن القطاع: فإذا لم يذكروا الشيب والشعر قالوا: خضب خضابًا واختضب بالخضاب. انتهى وهو يفيد أن المصدر خضب مختلف فحيث ذكروا المفعول مع الفعل كان المصدر خضبات كوعد، وإذا ذكروا الفعل بدون مفعول كان المصدر خضابًا ككتاب، كما قاله أستاذي العالم العلَّامة الشيخ نور الدين الشبراملسي الشافعي في (حاشية متن الشمائل) قد شرحها خاتمة المحققين أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي بالمثناة الفوقية كما ضبطه عبد القادر الفاكهي في ترجمته.
ووجه المناسبة بين هذا الباب وبين الباب السابق إحداث العارض على محل.
937 -
أخبرنا مالك، أخبرنا يحيى بن سعيد، أخبرنا محمد بنِ إبراهيم، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، أن عبد الرحمن بن الأسود بن عَبْدِ يَغُوث كان جليسًا لنا، وكان أبيض اللحية والرأس، فغدا عليهم ذات يوم وقد حمَّرها، فقال القوم: هذا أحْسن، فقال: إن أمي عائشة أرسلتْ إليَّ البارحة جاريتَها نخيلة فأقسمتْ عليَّ لأصبغنَ، وأخبرتني أن أبا بكر كان يَصْبَغ.
قال محمد: لا نرى بالخضاب بالوَسَمةِ والحِناءِ والصُّفرة بأسًا، وإن تركه أيضًا أبيض فلا بأس بذلك، كل ذلك حسن.
• أخبرنا مالك، أخبرنا يحيى بن سعيد بن قيس بن عمرو الأنصاري كان في الطبقة الخامسة من طبقات التابعين والمحدثين من أهل المدينة، مات سنة أربع وأربعين ومائة أخبرنا محمد بن إبراهيم بن الحارث بن خالد التيمي، يكنى أبا عبد الله المدني، ثقة له أفراد كان في الطبقة الرابعة من طبقات التابعين والمحدثين من أهل المدينة، مات سنة عشرين ومائة عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني قيل: اسمه عبد الله وقيل: إسماعيل ثقة مكثر، كان في الطبقة الثالثة من طبقات الصحابة والمحدثين من أهل المدينة، مات سنة أربع وتسعين وكان مولده سنة بضع وعشرين كذا في (تقريب التهذيب)(1) أن عبد الرحمن بن الأسود بن عَبْدِ يَغُوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة
(937) إسناده صحيح.
(1)
التقريب (1/ 645).
الزهري ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ومات أبوه في ذلك الزمان فلذلك عد في الصحابة.
وقال العجلي: من كبار التابعين كان جليسًا لنا، أي: مجالسًا ومصاحبًا ومؤانسًا وكان أبيض اللحية والرأس، أي: شعرهما فغدا أي: فمر عبد الرحمن وقت الصباح عليهم أي: على قوم ولا يتوهم إلا ضمار قبل الذكر، فإن القوم مقدم حكمًا كما يدل عليه المذكور الآتي ذات يوم قبل كلمة ذات مقحمة وفائدتها دفع مجاز المشارفة، وقيل: ذات الشيء نفسه وحقيقته والمراد به ما أضيف إليه، فإن العرب يستعملون (ق 956) ذات يوم وذات ليلة ويريدون حقيقة المضاف إليه نفسه وقد حمَّرها، بتشديد الميم أي: والحال أن عبد الرحمن بن الأسود صبغ لحيته بالحمرة فقال القوم: أي: من الأصحاب هذا أحْسن، أي: اللون الأحمر أحسن من بياض في نظر الأحباب، وفيه إشارة إلى قوله تعالى في سورة البقرة:{صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ} [البقرة: 69] فقال: إن أمي عائشة أي: بكونها من أمهات المؤمنين كما أشار إليه بقوله: زوجات النبي صلى الله عليه وسلم أرسلتْ إليَّ البارحة أي: الليلة الماضية جاريتَها نخيلة بضم النون وفتح الخاء المعجمة تصغير نخلة لعلها سمي بها لطولها فأقسمتْ عليَّ أي: عائشة أو الجارية على لسانها في معرض بيانها لأصبغنَ، بصيغة المتكلم والنون المؤكدة المشددة من بابي منع ونصر، وفي لغة من باب ضرب وأخبرتني أي: عائشة أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان يَصْبَغ أي: وقد قال صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين"(1) وربما كان أبو بكر رضي الله عنه يصبغ ويراه النبي صلى الله عليه وسلم فيكون هذا حديث تقريرًا.
قال محمد: لا نرى بالخضاب أي: بالصبغ بالوَسْمةِ بفتح الواو وسكون السين المهملة، وفي (المصباح) إنها في لغة الحجاز بكسر السين وهي أفصح من السكون، وأنكر الأزهري السكون هو نبت يختضب بعروقه والحناء والصُّفرة بأسًا، وأما الصبغ بالسواد فحرام وإن تركه أي: الشعر الأبيض فلا بأس بذلك، كل ذلك أي: ترك الشعر أبيضًا أو خضابًا حسن أي: وإنما الخضاب أحسن للغزاة.
اختلف العلماء هل خضب رسول الله صلى الله عليه وسلم شعره أم لا؟
(1) أخرجه أبو داود في السنة ب (5) والترمذي (2676) وابن ماجه (42) وأحمد في المسند (4/ 126، 127) والطبراني في الكبير (18/ 246، 247، 248، 249، 257) والبيهقي (10/ 114) وابن أبي عاصم (1/ 29، 30) وابن حبان (102).
قال النووي: والمختار أنه صلى الله عليه وسلم خضب في وقت لما دل عليه حديث ابن عمر في الصحيحين ولا يمكن تركه ولا تأويله، وتركه في معظم الأوقات، فأخبر كل بما رأى وهو صادق والله أعلم.
قال ميرك: واختلف أهل العلم سلفًا وخلفًا في أنه هل الخضب أحب أم تركه أولى، فذهب جمع إلى الأول مستدلين بحديث أبي هريرة رفعه:"إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم" أخرجه الشيخان (1) والنسائي (2) وغيرهم، وبحديث أبي أمامة رضي الله عنه أنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على مشيخة من الأنصار بيض لحاهم فقال: "يا معشر الأنصار حمروا أو صفروا أو خالفوا أهل الكتاب" أخرجه أحمد (3) بسند حسن ولهذا أخضب الحسن والحسين وجمع كثير من كبراء الصحابة، ومال كثير من العلماء إلى أن ترك الخضاب أولى لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعًا:"من شاب شيبة فهي له نور إلا أن ينتفها أو يخضبها"(4) هكذا أورده الطبري، ولكن قال ابن حجر العسقلاني: أخرجه الترمذي وحسنه ولم أر في شيء من طرقه الاستثناء المذكور انتهى.
وأخرجه الترمذي (5) وابن ماجه من حديث كعب بن مرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من شاب شيبة في الإسلام كانت له نور يوم القيامة" وأخرجه الترمذي من حديث عمرو بن عبسة أيضًا (ق 957) وقال: صحيح، وأخرج الطبراني من حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم:"كان يكره تغير الشيب" ولهذا لم يخضب علي وسلمة بن الأكوع وأبي بن كعب وجمع جم من كبار الصحابة، وجمع الطبراني بين الأخبار الدالة على الخضب والأخبار الدالة على خلافه بأن الأمر لمن لم يكن شيبه مستبشعًا فيستحب له الخضاب، ومن كان بخلافه فلا يستحب في حقه، ولكن الخضاب مطلقًا أولى؛ لأنه فيه امتثالًا للأمر في مخالفة أهل الكتاب، وفيه صيانة للشعر عن تعلق الغبار وغيره إلا إن كان من عادة أهل
(1) البخاري (3/ 1275)(5/ 2210).
(2)
النسائي في الكبرى (5/ 415) وفي الصغرى (8/ 185).
(3)
أحمد في المسند (5/ 264).
(4)
أخرجه الترمذي (1634، 1635) والنسائي (6/ 26) وأحمد (2/ 210، 4/ 386) والبيهقي (9/ 161) والطبراني في الكبير (1/ 21)(18/ 304) وابن سعد في الطبقات (1/ 2، 137).
(5)
الترمذي (1634).
البلد ترك المصبغ فالترك في حقه أولى وهو جمع حسن.
ثم إن القائلين باستحباب الخضاب اختلفوا في أنه هل يجوز الخضب بالسواد والأفضل الخضاب بالحمرة أو الصفرة، فذهب أكثر العلماء إلى كراهة الخضب بالسواد وجنح النووي إلى أنها كراهة التحريم وأن من العلماء من رخص فيه في الجهاد ولم يرخص في غيره واستحبوا الخضاب بالحمرة أو الصفرة لحديث جابر قال: أتي بأبي قحافة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة ورأسه ولحيته كالثغامة بياضًا فقال صلى الله عليه وسلم: "غيروا هذا واجتنبوا السواد" أخرجه مسلم، وأخرجه أحمد من حديث أنس قال: جاء أبو بكر بأبيه أبو قحافة يوم فتح مكة يحمله حتى وضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأسه ولحيته كالثغامة بياضًا إلى آخره وزاد الطبراني وابن أبي عاصم من وجه آخر عن جابر فذهبوا به وحمروه، والثغامة بضم المثلثة وتخفيف المعجمة نبات شديد البياض زهره وثمره، ولحديث أبي ذر رفعه:"إن أحسن ما غيرتم به الشيب الحناء والكتم" أخرجه الأربعة وأحمد وابن حبان وصححه الترمذي، وتقدم أن الصبغ بها يخرج بين السواد والحمرة ولحديث ابن عباس قال: مر رجل على النبي صلى الله عليه وسلم قد خضب بالحناء فقال: "ما أحسن هذا" قال: فمر آخر قد خضب بالصفرة فقال: "هذا أحسن من هذا كله" أخرجه أبو داود (1) وابن ماجه (2) ولحديث ابن عباس أيضًا مرفوعًا: "يكون قوم في آخر الزمان يخضبون بهذا السواد كحواصل الحمام لا يجدون رائحة الجنة" رواه أبو داود (3) والنسائي (4) وفي إسناده مقال، ولحديث أبي الدرداء رفعه:"من خضب بالسواد سود الله وجهه يوم القيامة" أخرجه الطبراني (5) وابن أبي عاصم، وسنده لين، ومنهم من فرق في ذلك بين الرجل والمرأة فأجازه لها دون الرجل، واختاره الحليمي، وأما خضب اليدين والرجلين فمستحب في حق النساء ويحرم في حق الرجال إلا للتداوي. هذا وأول من خضب بالسواد فرعون، ثم نتف الشيب يكره عند أكثر العلماء لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعًا: "لا تنتفوا الشيب فإنه
(1) أبو داود (4/ 86) رقم (4211).
(2)
ابن ماجه (2/ 1189) رقم (3627).
(3)
أبو داود (4/ 87) رقم (4212).
(4)
النسائي (8/ 138).
(5)
الطبراني في معجم الشاميين (1/ 376).