المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

قال محمد: وبهذا نأخذ، أي: لا نعمل هنا إلا بما - المهيأ في كشف أسرار الموطأ - جـ ٤

[عثمان الكماخي]

فهرس الكتاب

- ‌أبواب البيوع والتجارات والسلم

- ‌باب بيع العرايا

- ‌باب ما يكره من بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها

- ‌باب الرجل يبيع بعض الثمر ويستثني بعضه

- ‌باب ما يكره من بيع التمر بالرطب

- ‌باب بيع ما لم يُقبض من الطعام وغيره

- ‌باب الرجل يبتاع المتاع أو غيره بنسيئة ثم يقول أنفدني وأضع عنك

- ‌باب الرجل يشتري الشعير بالحنطة

- ‌باب الرجل يبيع الطعام نسيئة ثم يشتري بذلك الثمن شيئًا آخر

- ‌باب ما يُكره من النجش وتلقي السلع

- ‌باب الرجل يُسْلم فيما يُكال

- ‌باب بيع البراءة

- ‌باب بيع الغرَر

- ‌باب بيع المزابنة

- ‌باب شراء الحيوان باللحم

- ‌باب الرجل يساوم الرجل بالشيء فيزيد عليه آخر

- ‌باب ما يوجب البيع بين البائع والمشتري

- ‌ باب الاختلاف في البيع ما بين البائع والمشتري

- ‌باب الرجل يبيع المتاع بنسيئة فيفلس المبتاع

- ‌باب الرجل يشتري الشيء أو يبيعه فيغبن فيه أو يسعر على المسلمين

- ‌باب الاشتراط في البيع وما يفسده

- ‌باب من باع نخلًا مؤبرًا أو عبدًا وله مال

- ‌باب الرجل يشتري الجارية ولها زوج أو تهدى إليه

- ‌باب عهدة الثلاث والسنة

- ‌باب بيع الولاء

- ‌باب بيع أمهات الأولاد

- ‌باب بيع الحيوان بالحيوان نقدًا ونسيئة

- ‌باب الشركة في البيع

- ‌باب القضاء

- ‌باب الهبة والصدقة

- ‌ باب النحلى

- ‌باب العمرى والسكنى

- ‌كتاب الصرف وأبواب الربا

- ‌باب الربا فيما يُكال أو يوزن

- ‌باب الرجل يكون له العطاء أو الدين على الرجل فيبيعه قبل أن يقبضه

- ‌باب الرجل يكون عليه الدين فيقضي أفضل مما أخذه

- ‌باب ما يكره من قطع الدراهم والدنانير

- ‌باب المعاملة والمزارعة في الأرض والنخل

- ‌باب إحياء الأرض بإذن الإمام أو بغير إذنه

- ‌باب الصلح في الشرب وقسمة الماء

- ‌كتاب العِتَاق

- ‌باب الرجل يعتق نصيبًا له من مملوك أو يسيب سائبة أو يوصي بعتق

- ‌باب بيع المدبر

- ‌باب الدعوى والشهادات وادعاء النسب

- ‌باب حكم اليمين مع الشاهد

- ‌باب استحلاف الخصوم

- ‌باب الرهن

- ‌باب الرجل تكون عنده الشهادة

- ‌باب اللقطَة

- ‌باب الشفعَة

- ‌باب المكَاتب

- ‌ أبواب السير

- ‌باب الرجل يعطي الشيء في سبيل الله

- ‌باب إثم الخوارج وما في لزوم الجماعة من الفضل

- ‌باب قتل النساء

- ‌باب المرتد

- ‌باب ما يُكره من لبس الحرير والديباج

- ‌باب ما يكره من التختم بالذهب

- ‌باب الرجل يمر على ماشية الرجل فيحتلبها بغير إذنه وما يُكره من ذلك

- ‌باب نزول أهل الذمة مكة والمدينة وما يُكره من ذلك

- ‌باب الرجل يقيم الرجل من مجلسه ليجلس فيه وما يُكره من ذلك

- ‌باب الرقى

- ‌باب ما يُستحب من الفأل والاسم الحسن

- ‌باب الشرب قائمًا

- ‌باب الشرب في آنية الفضة

- ‌باب الشرب والأكل باليمين

- ‌باب الرجل يشرب ثم يناول من عن يمينه

- ‌باب فضل إجابة الدعوى

- ‌باب فضل المدينة

- ‌باب اقتناء الكلب

- ‌باب ما يكره من الكذب وسوء الظن والتجسس والنميمة

- ‌باب الاستعفاف عن المسألة والصدقة

- ‌باب الرجل يكتب إلى رجل يبدأ به

- ‌باب الاستئذان

- ‌باب التصاوير والجرس وما يُكره منها

- ‌باب اللعب بالنرد

- ‌باب النظر إلى اللعب

- ‌باب المرأة تصل شعرها بشعر زوجها

- ‌باب الشفاعة

- ‌باب الطيب للرجل

- ‌باب الدعاء

- ‌باب رد السلام

- ‌باب الإشارة في الدعاء

- ‌باب الرجل يهجر أخاه المسلم

- ‌باب الخصومة في الدين والرجل يشهد على الرجل بالكفر

- ‌باب ما يُكره من أكل الثوم

- ‌باب الرؤيا

- ‌باب جامع الحديث

- ‌باب الزهد والتواضع

- ‌باب الحب في الله

- ‌باب فضل المعروف والصدقة

- ‌باب حق الجار

- ‌باب اكتتاب العلم

- ‌باب الخضاب

- ‌باب الوصي يستقرض من مال اليتيم

- ‌باب الرجل ينظر إلى عورة الرجل

- ‌باب النفخ في الشراب

- ‌باب ما يُكره من مصافحة النساء

- ‌باب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌باب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وما يُستحب من ذلك

- ‌باب فضل الحياء

- ‌باب حق الزوج على المرأة

- ‌باب حق الضيافة

- ‌باب تشميت العاطس

- ‌باب الفرار من الطاعون

- ‌باب الغيبة والبُهتان

- ‌باب النوادر

- ‌باب الفأرة تقع في السمن

- ‌باب دباغ الميتة

- ‌باب كسب الحجام

- ‌باب التفسير

الفصل: قال محمد: وبهذا نأخذ، أي: لا نعمل هنا إلا بما

قال محمد: وبهذا نأخذ، أي: لا نعمل هنا إلا بما رواه المطلب بن عبد الله بن حنطب المخزومي لا ينبغي أي: لا يجوز للمؤمن أنْ تذكر لأخيه وفي نسخة: من أخيه المسلم الزَّلة أي: المعصية النادرة أو الفعلة المنكرة من طريق الغفلة تكون منه أي: يقع منه أحيانًا مما يَكره، أي: إن سمع لأن المؤمن الكامل سوءه ما يقع فيه من سوء الشمائل فأما صاحب الهوى أي: هوى النفس وشهواتها المُتَعالِنُ بهواه أي: المتجاهر بمتابعة لذاتها المُتعرف به، المقفو بلهواتها غير منكر لسوء حالاتها، وفي نسخة: المعترف والفاسق المتعالِن بفسقه، فلا بأس، به أي: للمؤمن بأن تذكر هذين بفعلهما، أي: إذا كان منكرًا العلة يرجع عن فعله ولتحذر الناس عن وصله فإن ذكرت من المسلم ما ليس فيه فهذا البهتان، وهو الكذب أي: العظيم الذنب.

لما فرغ من بيان ما يتعلق بالغيبة والبهتان، شرع في بيان ما يتعلق بالأمور النادرة.

* * *

‌باب النوادر

النوادر أي: في بيان الأمور النادرة في الأحوال الواردة والصادرة.

957 -

أخبرنا مالك، أخبرنا أبو الزّبير المكيّ، عن جابر بن عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"أغلقوا الباب، وأوكوا السِّقاء، واكفئوا الإِناء - أو خمروا الإناء - وأطفئوا المصباح، فإن الشيطان لا يفتح غلقًا، ولا يحل وكاءً، ولا يكشف إناءً، وإن الفُوَيْسِقة تَضْرِم على الناس بيتهم".

• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: أخبرنا مالك أخبرنا أبو الزّبير المكيّ، هو محمد بن مسلم من تدرس بفتح الفوقية وسكون الدال المهملة وضم الراء المهملة الأسدي مولاهم، صدوق إلا أنه مدلس، كان في الطبقة الرابعة من طبقات التابعين والمحدثين من أهل المدينة، مات سنة ست ومائة عن جابر (ق 978) بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أغلقوا الباب، بفتح الهمزة وسكون الغين المعجمة أي: سدوه في أوائل

(957) صحيح: أخرجه مسلم (2012) وأبو داود (3732) والترمذي (1812) والبخاري في الأدب المفرد (1221).

ص: 329

المساء حراسة للنفس والمال من أهل الفساد وسيما الشيطان، وفي البخاري عن عطاء عن جابر:"أطفؤوا المصابيح إذا رقدتم وأغلقوا الأبواب واذكروا اسم الله" وأوكوا بفتح الهمزة وسكون الواو وضم الكاف الممدودة، أمر من الإِيكاء وهو الحبل الذي يشد به رأس القربة أي: شدوا السِّقاء، بمسر السين المهملة أي: القربة، زاد في رواية عطاء: واذكروا اسم الله أي: لمنع الشيطان واحترازًا عن الوباء الذي ينزل في ليلة من السنة كما ورد، ويقال: إنها في كانون الأول واكفئوا الإناء - بقطع الألف وكسر الفاء وضم الهمزة كمنعه صرفه أي: اقلبوه ولا تتركوه للشيطان ولحي الهوام وذرات الأقذار أو خمروا الإناء - بفتح الخاء المعجمة وكسر الميم المشددة أي: غطوه فـ "أو" يحتمل أن تكون للشك من الراوي، والأظهر أنه من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم فتكون للتنويع أي: اكفوه إن كان فارغًا أو خمروا الإِناء إن كان فيه شيء.

قال سعيد بن زيد الباجي المالكي: ويؤيده أن في بعض طرقه عند البخاري عن جابر: "وخمروا الطعام والشراب"، وفي الصحيح أيضًا عن عطاء عن جابر:"خمروا آنيتكم واذكروا اسم الله ولو أن تعرضوا عليها بعود" وأطفئوا بهمزة القطع وسكون الطاء المهملة وكسر الفاء ثم همزة مضمومة المصباح، أي: السراج إذا رقدتم فإن الشيطان وفي رواية من طريق عطاء: فإن الجن، ولا تضاد بينهما أن لا محذور في الصنفين إذ هما حقيقة واحدة تختلفان بالصفات؛ لذا قال الكرماني: لا يفتح غلقًا، بفتح الغين المعجمة واللام والقاف أي: لا يقدر أن يفتح بابًا مغلوقًا ولا يحل بفتح التحتية وضم الحاء المهملة وكاءً، بكسر الواو والكاف والألف الممدودة أي: خيط ربط به وذكر اسم الله عليه ولا يكشف إناءً، أي: غطي أو كفي وقد ذكر اسم الله عليه.

وفي رواية الليث عن أبي الزبير عند مسلم: "ولا يكشف إناء فإن لم يجد أحدكم إلا أن يعرض على إنائه عود أو يذكر اسم الله فليفعل" وإن الفُوَيْسِقة تصغير الفاسقة أي: الخارجة لإِفسادتها وهي الفأرة تَضْرِم بضم الفوقية وسكون الضَاد المعجمة وكسر الراء المهملة والميم أي: توقد على الناس وفي رواية الليث: على أهل البيت بيوتهم" وفي نسخة: بيتهم، وفي الصحيح (1) عن عطاء عن جابر: "وإن الفويسقة ربما جرت الفتيلة فأحرقت أهل البيت".

(1) البخاري (3138).

ص: 330

وفي رواية أبي داود (1) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاءت فأرة فأخذت تجر الفتيلة، فجاءت بها فألقتها بين يديه صلى الله عليه وسلم على الجمرة التي كان قاعدًا عليها، فاحترقت فيها موضع درهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا نمتم فأطفئوا أسرجكم فإن الشيطان يدل مثل هذه فتحرقكم"(2).

وفي رواية الطحاوي عن يزيد بن أبي نعيم أنه سأل أبا سعيد الخدري رضي الله عنه لم سميت الفأرة الفويسقة، قال: استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة وقد أخذت فأرة فتيلة لتحرق عليه البيت، فقام إليها وقتلها وأحل قتلها الحلال والحرم، ففي هذا بيان سبب الأمر بالإِطفاء (ق 979) والسبب الحامل للفأرة على جر الفتيلة هو الشيطان فيستعين وهو عدو للإِنسان بعدو آخر وهي النار، والأوامر المذكورة للإِرشاد إلى المصلحة الدنيوية أو الاستحباب خصوصًا من ينوي بفعلها الامتثال، وفي الصحيح مرفوعًا:"لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون".

قال النووي: هو عام يدخل فيه المصباح وغيره، وأما القناديل المعلقة في المساجد وغيرها، فإن خيف حريق بسببها دخلت في الأمر، وإن أمن ذلك كما هو الغالب فالظاهر أنه لا بأس بها، العلة التي علل بها صلى الله عليه وسلم وإذا انتفت العلة زال المانع، والحديث رواه مسلم عن يحيى عن مالك به.

* * *

958 -

أخبرنا مالك، أخبرنا أبو الزِّناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المسلم يأكل في معيٍّ واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء".

• أخبرنا مالك، أخبرنا أبو الزِّناد، وهو عبد الله بن ذكوان القرشي المدني ثقة فقيه، كان

(1) أبو داود (5247).

(2)

أخرجه أبو داود (4/ 363) وابن حبان (12/ 427) والحاكم في المستدرك (4/ 317) وابن أبي شيبة في المصنف (5/ 264) والبخاري في الأدب المفرد (1/ 419).

(958)

صحيح: أخرجه البخاري (5/ 2061) ومسلم (3/ 1631) وأخرجه ابن حبان في صحيحه (1/ 378) وأبو عوانة في مسنده (5/ 210) والطحاوي في المشكل (2/ 406) وأحمد في المسند (2/ 257).

ص: 331

في الطبقة الخامسة من طبقات التابعين والمحدثين من أهل المدينة، مات سنة ثلاثين ومائة عن الأعرج، هو عبد الرحمن بن هرمز، ويكنى أبا داود المزني مولى ربيعة بن الحارث، ثقة ثبت عالم كان في الطبقة الثالثة من طبقات التابعين من المحدثين من أهل المدينة، مات سنة سبع عشرة ومائة عن أبي هريرة، رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المسلم يأكل في معيٍّ واحد، بكسر الميم مقصورًا واحدًا الأمعاء بالمد هي المصارين والكافر يأكل في سبعة أمعاء" بفتح الهمزة وسكون الميم ومد الألف هي أمعاء الإِنسان، وعدي بفي على معنى رفع الأكل فيها وجعلها مكانًا للمأكول كقوله تعالى في سورة النساء:{إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء: 10] قال الفاضل محمد الواني، في (ترجمة صحاح الجوهري): هذا تمثيل؛ لأن المؤمن يأكل من الحلال ويحترز من الحرام والشبهات، وأما الكافر فلا يبال ويأكل ما وجده من الحرام والحلال ولا يحترز من المهلكات كالحيوانات انتهى.

قال الله تعالى في سورة محمد: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ} [محمد: 12] قال ابن عبد البر: لا سبيل إلى حمله على ظاهره؛ لأن المشاهدة ترفعه فكم من كافر يكون أقل أكلًا وشربًا من مسلم وعكسه، وكم من كافر أسلم فلم يتغير أكله وشربه انتهى. وتخصيص السبعة للمبالغة في التكثير كقوله تعالى في سورة لقمان:{وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ} [لقمان: 27] والمعنى أن شأن المؤمن التقلل في الأكل لاشتغاله بأسباب العبادة وعلمه أن قصد الشرع من الأكل سد الجوع والعون على العبادة والخشية من حساب ما زاد على ذلك، والكافر بخلاف ذلك، هذا وقيل: المعنى أن الكافر لكونه يأكله بشرهه لا يشبعه ملأ أمعائه السبعة، والمؤمن يشبعه ملء معي واحد لقلة حرصه وشرهه على الطعام، وقيل: المراد يسمي الله تعالى عند طعامه وشرابه فلا يشركه الشيطان بخلاف الكافر لا يسمي فيأكل معه الشيطان.

* * *

959 -

أخبرنا مالك، أخبرنا صفوان بن سُلَيم، يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

(959) إسناده ضعيف: لإرساله والحديث صحيح. أخرجه البخاري (5/ 2047) ومسلم (4/ 2286) والترمذي (4/ 346) والنسائي (5/ 86) وابن ماجه (2140).

ص: 332

أنه قال: "الساعي على الأرملةِ والمسكين، كالذي يجاهد في سبيل الله عز وجل، أو كالذي يصوم النهار ويقوم الليل".

• أخبرنا مالك، أخبرنا صفوان بن سُلَيم، بالتصغير المدني، يكنى أبا عبد الله الزهري مولاهم، ثقة عابد مفتي جليل القدر، كان في الطبقة الرابعة من طبقات التابعين من أهل المدينة، وكان من خيار عباد الله الصالحين يقال: إنه لم يضع جنبه على الأرض أربعين سنة، ويقولون: إن جبهته ثقبت من كثرة السجود وكان لا يقبل جوائز السلطان، مات سنة اثنين وثلاثين ومائة وهو ابن اثنين وسبعين سنة يرفعه أي: الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الساعي أي: بالنفقة والخدمة على الأرملة بفتح الهمزة وسكون الراء المهملة وفتح الميم أي: المرأة التي مات زوجها وهي فقيرة وجمعها الأرامل والمسكين، أي: وعلى الذي ليس له شيء الذي يجاهد في سبيل الله عز وجل، أو كالذي يصوم النهار ويقوم الليل" وكلمة "أو" إما للشك أو للتخيير أو للتنويع.

وفي رواية: "هو القائم بالليل الصائم بالنهار" رواه أحمد (1) والشيخان (2) والترمذي (3) والنسائي (4) وابن ماجه (5) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

* * *

960 -

أخبرنا مالك، أخبرني ثَوْر بن زيد الديلي، عن أبي الغَيْث مولى أبي مُطيع، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ذلك.

• أخبرنا مالك، أخبرني بالإِفراد ثَوْر بالثاء المثلثة المفتوحة والواو الساكنة ثم راء مهملة ابن زيد الديلي، بكسر الدال وسكون التحتية اسمه محمد بن البرقي المدني ثقة، كان في الطبقة السادسة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات سنة خمس وثلاثين ومائة كما

(1) أحمد (2/ 361).

(2)

البخاري (5/ 2047) ومسلم (4/ 2286).

(3)

الترمذي (4/ 346).

(4)

النسائي (5/ 86).

(5)

ابن ماجه (2140).

(960)

إسناده صحيح: انظر السابق.

ص: 333

قاله الذهبي في (الميزان) عن أبي الغَيْث مولى أبي مُطيع، وفي نسخة: هو سالم المدني ثقة كان في الطبقة الثالثة من طبقات التابعين من أهل المدينة، عن أبي هريرة، رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ذلك أي: كما روى صفوان بن سليم يرفعه، قال الميرك (في شرح الشمائل): اعلم أنه قد جرت عادة أصحاب الحديث إذا روي بإسنادين أو أكثر وساقوا الحديث بإسناد أولًا، ثم ساقوا بإسناد آخر يقولون آخره: مثله أو نحوه اختصارًا، والمثل يستعمل بحسب الاصطلاح فيما إذا كانت الموافقة بين الحديثين في اللفظ والمعنى، والنحو يستعمل إذا كانت الموافقة في المعنى فقط هذا هو المشهور فيما بينهم، وقد يستعمل كل واحد منها مقام الآخر. انتهى.

* * *

961 -

أخبرنا مالك، أخبرنا محمد بن عبد الله بن صَعْصَعة، أنه سمع سعيد بن يسار أبا الحُباب يقول: سمعتُ أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يُردّ الله به خيرًا يُصب منه".

• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: أخبرنا مالك، أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن صَعْصَعة، الأنصاري المدني، يكنى أبا عبد الرحمن المدني، ثقة كان في الطبقة السادسة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات سنة تسع وثلاثين ومائة أنه سمع سعيد بن يسار أبا الحُباب بضم الحاء المهملة وبموحدتين بينهما ألف المدني، اختلف في ولائه لمن هو وقيل: سعيد بن رجاء، ثقة متقن كان في الطبقة الرابعة من طبقات التابعين المحدثين من أهل المدينة مات سنة سبع عشرة ومائة وقيل: في الدرجة الثالثة كذا في (تقريب التهذيب) لابن حجر (1) يقول: أي: سعيد بن يسار سمعتُ أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يُردّ الله به خيرًا يُصب منه" أي: ابتلاه بالمصائب من الأمراض والبلايا وهو بضم أوله وكسر ثانيه، وفاعله ضمير الله وضمير منه راجع إلى من، والرواية بالبناء للفاعل في الأشهر على ما ذكره السيوطي، والحديث رواه البخاري (2)

(961) حديث صحيح: أخرجه البخاري (7/ 149) وأحمد في المسند (2/ 237).

(1)

في التقريب (1/ 234).

(2)

البخاري (7/ 149).

ص: 334

وأحمد (1) عن أبي هريرة، وقال صلى الله عليه وسلم:"أشد الناس بلاء الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء ثم الأمثل فالأمثل".

* * *

962 -

أخبرنا مالك، أخبرنا ابن شهاب، عن سالم وحمزة ابني عبد الله، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن الشؤم في المرأة والدار والفرس".

قال محمد: إنما بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن كان الشؤم في شيءٍ، ففي الدار والمرأة والفرس".

• أخبرنا مالك، أخبرنا ابن شهاب، عن سالم وحمزة وهما أخان من أب وأم قوله: ابني بدل من سالم وحمزة ومضاف عبد الله أي: ابن عمر بن الخطاب المدني العدويان القريشيان، كانا في الطبقة الثالثة من طبقات كبار التابعين من أهل المدينة عن عبد الله بن عمر، رضي (ق 981) الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن الشؤم بضم الشين المعجمة وهمزة ساكنة قلبت واوًا لسكونها وضمة ما قبلها فصار الشوم بضم الشين وسكون الواو وهو ضد اليمين وهو الحديث: "الشؤم سوء الخلق" رواه أحمد وغيره في المرأة والدار والفرس" أي: كائن فيها، وقد يكون في غيرها فالحصر فيها كما قال ابن العربي: بالنسبة إلى العبادة، وفي نسخة: والمرأة مقدم على الدار.

قال السيوطي: وهذا على ظاهره ولا يمتنع أن يجري الله تعالى العادة بذلك في هؤلاء، كما أجرى العادة أن من شرب السم هلك ومن قطع رأسه مات.

وقال الخطابي: اليمن والشؤم علامتان لما يصيب الإِنسان من الخير والشر، ولا يكون شيء من ذلك إلا بقضاء الله تعالى وقدره، وهذه الثلاثة ضروب جعلت مواقع لأقضية ليس لها بأنفسها وطبائعها فعل ولا تأثير في شيء، إلا أنها كانت أعم الأشياء التي

(1) أحمد في المسند (2/ 237).

(962)

أخرجه البخاري (3/ 1049) ومسلم (4/ 1746) وأخرجه ابن حبان (13/ 492) والضياء في المختارة (6/ 252).

ص: 335

يعنيها، وكان في غالب أحواله لا يستغني عن دار يسكنها وزوجة يعاشرها وفرس يركبها، ولا يخلو عن عارض مكروه في زمانه، أضيف اليمن والشؤم إليها إضافة مكان وهما صادران عن مشيئة الله تعالى انتهى. كذا قاله السيد الفاضل محمد الزرقاني (1).

قال محمد: إنما بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن كان الشؤم في شيءٍ، ففي الدار والمرأة والفرس" رواه بهذا اللفظ مالك وأحمد والبخاري وابن ماجه عن كامل بن سعد والشيخان عن ابن عمر، ومسلم والترمذي عن عامر (2) كذا قاله علي القاري الهروي.

* * *

963 -

أخبرنا مالك، أخبرشا عبد الله بن دينار، قال: كنتُ مع عبد الله بن عمر بالسوق، عند دار خالد بن عقبة، فجاء رجل يريد أن يناجيه، وليس معه أحد غيري وغير الرجل الذي يريد أن يناجيه، فدعا عبد الله رجلًا آخر، حتى كنا أربعة، قال: فقال لي وللرجل الذي دعا: استَأْخِرا شيئًا، فإني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"لا يتناجى اثنان دون أحد".

• أخبرنا مالك، أخبرنا عبد الله بن دينار، قال: كنتُ مع عبد الله بن عمر بالسوق، عند دار خالد بن عقبة، فجاء رجل يريد أن يناجيه، أي: يكلمه سرًا وليس معه أي: ابن عمر أحد غيري وغير الرجل الذي يريد أن يناجيه، فدعا عبد الله رجلًا آخر، حتى كنا أربعة، قال: أي: ابن دينار فقال أي: ابن عمر لي وللرجل الذي دعا: استرخيا أي: عني شيئًا، أي: قليلًا من الزمان أو من المكان، والمعنى انبساط وتوسع وفي نسخة: استأخرا كما في رواية ليحيى أي: تأخرا عني قليلًا فإني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يتناجى اثنان دون أحد" أي: لا يتكلم رجلان سرًا عند أحد، فإن ذلك يحزنه ويشق عليه، وذكر البغوي في تفسير قوله تعالى في سورة المجادلة:{إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [المجادلة: 10] بإسناده عن

(1) في شرحه (4/ 486).

(2)

أخرجه البخاري (3/ 1049) ومسلم (4/ 1746) وأحمد (2/ 8) وابن ماجه (1/ 642).

(963)

إسناده صحيح.

ص: 336

نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كنتم ثلاثة فلا يناجي اثنان دون الثالث إلا بإذنه فإن ذلك محزنة"(1).

* * *

964 -

أخبرنا مالك، أخبرنا عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن من الشجر شجرةً لا يسقط ورَقُها، وإنها مَثَلُ المسلم، فحدثوني ما هي؟ "، قال عبد الله: فوقع الناسُ في شجر البوادي، ووقع في نفسي أنها النخلة، فاستحييتُ، فقالوا: حَدّثنا يا رسول الله ما هي؟ قال: "النخلة"، قال عبد الله: فحدَّثتُ عمر بن الخطاب بالذي وقع في نفسي من ذلك، فقال عمر: لأن تكون قُلْتَها أحبّ إليَّ من أن يكون لي كذا وكذا.

• أخبرنا مالك، أخبرنا عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن من الشجر أي: من جنسه شجرةً أي: نوعًا لا يسقط ورَقُها، أي: أبدًا وإنها مَثَلُ أي: بفتحتين مضاف إلى المسلم، (ق 982) أي: مثلثة فحدثوني ما هي؟ "، أي: تلك الشجرة من بين الأشجار إن كنتم من أهل الأخبار قال عبد الله: فوقع الناسُ في شجر البوادي، أي: جمع البادية وهي ضد البلد، وفي نسخة: البراري وهي جمع البر ضد البحر أي: ضنًا منهم أنها غير موجودة عنهم لعزتها وغرابتها، ووقع في نفسي أنها النخلة، أي: لقرب عهده بها قال: أي: ابن عمر فاستحييتُ، أي: إذا سبق في الكلام على الكبار لكوني من الصغار فقالوا: أي: الصحابة حَدّثنا يا رسول الله ما هي؟ أي: ما عرفناها قال: "النخلة"، قال عبد الله: فحدَّثتُ عمر بن الخطاب يعني أباه بالذي وقع في نفسي أي: ظهر في قلبي من ذلك، أي: مما كان من الجواب والصواب فقال عمر: لأن

(1) أخرجه البخاري (8/ 80) ومسلم في السلام (37، 38) والترمذي (2825) وابن ماجه (3778) والدارمي (2/ 282) وأحمد (1/ 431)(2/ 18) وعبد الرزاق في المصنف (19806) وأبو نعيم في الحلية (4/ 107)(7/ 128، 364) والخطيب في تاريخه (13/ 224) وابن عدي في الكامل (4/ 1596).

(964)

صحيح: أخرجه مسلم (2165) والطبري في تفسيره (13/ 137، 138).

ص: 337

تكون قُلْتَها أي: قلت: إنها النخلة فكما في رواية، أحبّ إليَّ من أن يكون لي كذا وكذا أي: لأنه كان منقبة جسيمة في ولده، وممدحة عظيمة في نسبه من جهة أن الولد من أبيه، وجه الشبه بين النخلة والمسلم كثيرة خيرها ودام ظلها وطيب ثمرها مع دوامه فإنه من حين يطلع لا يزال يؤكل منه حتى ييبس وبعد أن ييبس، تتخذ منافع كثيرة من خشبها وورقها وأغصانها، وقيل: الحكمة في تشبيهها بالنخلة من بين سائر الأشجار أنها أشبهها بالإِنسان في أنها لا تحمل إلا بالقاح، وإذا قطع رأسها يبست وسائر الأشجار ينشعب من جوانبها بعد قطع رؤوسها؛ ولأنها خلقت من فضل طينة آدم صلوات الله على نبينا وعليه؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم:"أكرموا عمتكم" قيل: ما عمتنا قال: "النخلة"(1) كذا قاله البغوي في تفسيره، وفي هذا الحديث دليل على جواز عرض الأستاذ على تلاميذه مسألة عجيبة لاستعداد أذهانهم، وتشويقهم إلى تحصيل العلم، كما قال في الفتاوى: امرأة ومعها عشرة رجال قالت: أحدهم زوجي وأربعة أخوتي وخمسة عبدي كلهم من بطن واحد، والجواب: اشترت تلك المرأة جارية معها ستة أولادها فأعتقت أحدهم وزوجت نفسها به وزوجت الجارية أيها فولدت أربعة بنين فتلك الأربعة إخوتها كلهم من بطن واحدة.

* * *

965 -

أخبرنا مالك، أخبرنا عبد الله بن دينار، قال: قال ابن عمر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "غِفَار: غفر الله لها، وَأَسْلَم: سالمها الله، وعُصَيَّةُ: عصت الله ورسوله".

• أخبرنا مالك، أخبرنا عبد الله بن دينار، قال: قال ابن عمر: رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "غِفَار: بكسر أوله منونًا وغير منون قبيلة ورهط أبي ذر الغفاري غفر الله لها، أي: أقول في حقهم هذا قيل: كانوا بنو غفار يسرقون الحجاج فدعا لهم النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أسلموا ليمحوا عنهم ذلك العار.

(1) أخرجه أبو يعلى في مسنده (1/ 353) وأبو نعيم في الحلية (6/ 123) والعقيلي في الضعفاء (4/ 256) والمجروحين لابن حبان (3/ 44).

(965)

صحيح: أخرجه البخاري (1/ 341) ومسلم (1/ 470).

ص: 338

وَأَسْلَم: أي: قبيلة أخرى سالمها الله، أي: صالحنا وضع الله بهم ما يوافقهم ولا يؤلهم بالمحاربة وإنما دعا لغفار، وأسلم لأنهما دخلا في الإِسلام بغير حرب وعُصَيَّةُ: بالتصغير جماعة قتلوا القراء ببئر معونة عصت الله ورسوله" وقد تقدم قضيتهم، وكان صلى الله عليه وسلم يقنت عليهم في صلواته من كثرة أحزانه على أصحابه، والحديث رواه أحمد (1) والشيخان (2) والترمذي عن ابن عمر.

* * *

966 -

أخبرنا مالك، أخبرنا عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، قال: كنا حين نبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة، يقول لنا:"فيما استطعتم".

• أخبرنا مالك، أخبرنا عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، رضي الله عنهما قال: كنا حين نبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم أي: نصافح على السمع والطاعة، أي: نقول له عند المبايعة: إنا نسمع كلامك ونطيع أمرك يقول لنا: أي: لأجلنا "فيما استطعتم" وتلقينا فالمعنى قولوا فيما استطعتم لقوله تعالى في سورة التغابن: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا} [التغابن: 16] أي: فيما استطعتم وما أحسن ما قال من أرباب الحال شعرًا:

إذا لم تستطع أمرًا فدعه

وجاوزه إلى ما تستطيع

* * *

967 -

أخبرنا مالك، أخبرنا عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحاب الحِجْر: "لا تدخلوا على هؤلاء القوم المعذّبين إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم؛ أن يصيبَكم مثْلَ ما أصابهم".

(1) أحمد في المسند (2/ 117).

(2)

البخاري (1/ 341) ومسلم (1/ 470) والترمذي.

(966)

إسناده صحيح.

(967)

إسناده صحيح: أخرجه البخاري (6/ 9) ومسلم (2285) وعبد الرزاق (1625).

ص: 339

• أخبرنا مالك، أخبرنا عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحاب الحِجْر: أي: في حقهم وهم المذكورون في قوله تعالى في سورة الحجر: {وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ} [الحجر: 80] أراد صالحًا، وإنما جمع لأن من كذب أحدًا منهم فكأنه كذبهم أجمعين؛ لأن كلمتهم واحدة من التوحيد والبعث، والمراد بأصحاب الحجر مدينة ثمود وقوم صالح صلوات الله على نبينا وعليه، وهي بين المدينة النبوية على صاحبها السلام وبين الشام "لا تدخلوا على هؤلاء القوم المعذّبين إلا أن تكونوا باكين، أي: حقيقة خوفًا من الله تعالى فإن لم تكونوا باكين أي: خائفين بحيث لا تجدون البكاء فلا تدخلوا عليهم؛ أي: في محلهم مخافة أن يصيبَكم أي: لئلا يصيبكم أو كراهة أن يصيبكم مثْلَ ما أصابهم" أي: من العذاب وفي (تفسير البغوي) بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم: لما مر بالحجر قال: "لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم مثل ما أصابهم" وتقنع بردائه وهو على الرحل.

وقال عبد الرزاق عن معمر: "ثم قنع رأسه وأسرع السير حتى أجاز الوادي".

* * *

968 -

أخبرنا مالك، أخبرنا عبد الله بن عبد الرحمن بن مَعْمَر، عن أبي مُحَيْرِيز، قال: أدركتُ ناسًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: إن من أشراط الساعة المعلومة المعروفة: أن ترى الرجل يدخل البيت لا يشك من رآه أنه يدخله لسوء، غير أن الجُدُر تواريه.

• أخبرنا مالك، أخبرنا عبد الله بن عبد الرحمن بن مَعْمَر بن حزم الأنصاري أبو طوالة بضم المهملة المدني، قاضي المدينة لعمر بن عبد العزيز ثقة، كان في الطبقة الخامسة من طبقات التابعين والمحدثين من أهل المدينة، مات سنة أربع وثلاثين ومائة ويقال بعد ذلك كذا قاله في (تقريب التهذيب) عن أبي مُحَيْرِيز، بضم الميم وفتح الحاء المهملة وسكون التحتية ثم راء مكسورة ممدودة ثم زاي اسمه: جنادة بضم الجيم ثم نون وألف ودال مهملة فهاء ابن وهب الجمحي فجنادة أدرك الجاهلية والإِسلام، ومات سنة سبع وستين كذا في

(968) إسناده صحيح.

ص: 340

(الإِصابة) قال: أدركتُ ناسًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: إن من أشراط الساعة بفتح الهمزة وسكون الشين المعجمة جمع الشرط بفتحتين أي: العلامة يعني من علامات القيامة وإنما سميت القيامة ساعة لمجيئها في أقل زمن المعلومة المعروفة: أي: المشهورة أن ترى أيها المخاطب الرجل يدخل البيت أي: بيت من البيوت أي: لا يشك من رآه أنه يدخله أي: إذا دخوله لسوء، أي: من سرقة أو زنى غير أن الجُدُر بضمتين جمع الجدار تواريه أي: تستره، وفي نسخة قال أبو علي: سقط هذا الحديث من كتابي ذلك وما بين ذلك.

* * *

969 -

أخبرنا مالك، أخبرنا عمّي أبو سُهيل قال: سمعتُ أبي يقول: ما أعرف شيئًا مما كان الناس عليه إلا النداء بالصلاة.

• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: أخبرنا مالك، أخبرنا عمّي أبو سُهيل بن مالك بن عمير بن أبي عامر الأصبحي اسمه نافع المدني ثقة، كان في الطبقة الرابعة من طبقات التابعين المحدثين من أهل المدينة، مات سنة أربعين ومائة كذا في (تقريب التهذيب) (1) قال: سمعتُ أبي أي: أبا مالك بن عمير يقول: ما أعرف شيئًا مما كان الناس أي: المعتبرون وهم السلف الصالحون من الصحابة والتابعين عليه أي: باقين على ذلك (ق 984) الشيء المعروف إلا النداء بالصلاة أي: الأذان والإِقامة وما يتفرع عليها من صلاة الجماعة وفي (المشكاة) عن أم الدرداء قالت: دخل علي أبو الدرداء وهو مغضب فقلت: ما أغضبك؟ قال: والله ما أعرف من امرأته شيئًا إلا أنهم يصلون جميعًا.

* * *

970 -

أخبرنا مالك، أخبرني مُخْبِرٌ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إني أُنَسَّى لأسُنّ".

(969) إسناده صحيح.

(1)

التقريب (1/ 646).

(970)

إسناده ضعيف: لإِرساله.

ص: 341

• أخبرنا مالك، أخبرني مُخْبِرٌ، أي: مرسلًا لعلة، نافع المدني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إني أُنَسَّى بتشديد السين المهملة مبني للمفعول أي: يرد على النسيان لأسُنّ" بفتح فضم فتشديد أي: لأبين طريقًا يسلك في الدين فهو سبب لإِيراد النسيان وعروضه علي، والمعنى أن ثمرته ترتب على النسيان إلا باعث على إيراده، وفي رواية إنما أنسى لأسن.

* * *

971 -

أخبرنا مالك، أخبرنا ابن شهاب الزهري، عن عبَّاد بن تميم عن عمّه: أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مستلقيًا في المسجد؛ واضعًا إحدى رجليه على الأخرى.

• أخبرنا مالك، أخبرنا ابن شهاب الزهري، عن عبَّاد بن تميم بن غزية الأنصاري المازني المدني ثقة، كان في الطبقة الثالثة من طبقات التابعين من أهل المدينة، وقيل: إن له رؤية، وفي ابن ماجه من طريق عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن عباد بن تميم عن أبيه عن عمّه: في الاستسقاء، والصواب سمعت عباد بن تميم يحدث أبي عن عمه كذا في (تقريب التهذيب) عن عمه عقبة قال ابن حجر: واسم عمه عبد الله بن زيد بن عاصم، وهو أخو أبيه لأمه أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مستلقيًا في المسجد؛ واضعًا إحدى رجليه على الأخرى أي: وفعله صلى الله عليه وسلم ذلك لدفع التعب عن رجليه لا للتكبر.

* * *

972 -

أخبرنا مالك، أخبرنا ابن شهاب، أن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان كانا يفعلان ذلك.

قال محمد: لا نرى بهذا بأسًا، وهو قولُ أبي حنيفة.

• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: أخبرنا مالك، أخبرنا ابن شهاب، أي: محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، ثقة فقيه، كان في الطبقة الرابعة من طبقات التابعين

(971) إسناده صحيح: أخرجه البخاري (463) ومسلم (2100).

(972)

إسناده صحيح.

ص: 342

المحدثين من أهل المدينة، مات سنة خمس وعشرين ومائة كذا قاله ابن الجوزي أنه قال أن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهما كانا يفعلان ذلك أي: الاستلقاء ووضع أحد رجليهما على الأخرى في المسجد.

قال محمد: أي: المصنف رحمه الله لا نرى بهذا أي: الاضطجاع بأسًا، أي: كراهة وهو أي: عدم البأس قولُ أبي حنيفة أي: حكمة، والحديث الأول رواه الترمذي في (الشمائل) عن عبد الله بن زيد بن عاصم وهو في الصحيحين (1) أيضًا وظاهره ينافيه ما رواه مسلم (2) عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا يستلقين أحدكم ثم يضع إحدى رجليه على الأخرى"، ولكن قال الخطابي: في حديث الأصل بيان جواز الفعل ودلالة على أن خبر النهي عنه إما منسوخ وإما أن يكون علة النهي أن تبدو عورة الفاعل لذلك، فإن الإِزار ربما ضاق فإذا شاء لابسة إحدى رجليه فوق الأخرى بقيت هنالك فرجة يظهر منها عورته.

* * *

973 -

أخبرنا مالك، أخبرنا يحيى بن سعيد، قال: قيل لعائشة رضي الله عنها: لو دُفِنْتِ معهم؟ قال: قالت: إني إذًا لأنا المبتدئة بعملي.

• أخبرنا مالك، أخبرنا يحيى بن سعيد، بن قيس الأنصاري المدني، يكنى أبا سعيد القاضي ثقة ثبت كان في الطبقة الخامسة من طبقات التابعين والمحدثين، من أهل المدينة، مات سنة أربع ومائة قال: قيل لعائشة رضي الله عنها: لو دُفِنْتِ معهم؟ بصيغة المجهول فكلمة "لو" للتمني ويجوز أن تكون للشرط أي: وصيت بالناس أن يدفنوك مع النبي وصاحبيه لكان أنسب قالت: إني إذًا أي: حينئذ لأنا المبتدئة أي: مستأنفة بعملي واللام جواب لو المقدرة وإن الجملة الإِسمية استعيرت في مكان الجملة الفعلية، تقديره (ق 985) لو كنت مدفونة مع رسول الله وأبي بكر وعمر لكنت مستأنفة بعملي في المستقبل كما قاله ابن هشام في (مغني اللبيب) ولحبط به عملي الأول وأول السبب ما يترتب عليه من قلة الأدب أو لوجود عمر فإنه غير محرم بها والله أعلم.

* * *

(1) البخاري (463) ومسلم (2100).

(2)

مسلم (2099).

ص: 343

974 -

أخبرنا مالك، قال: قال سلمة لعمر بن عبد الله: ما شأن عثمان بن عفان، لم يُدفن معهم، فسكت ثم أعاد عليه، فقال: إن الناس كانوا يومئذٍ مُتشاغلين.

• أخبرنا مالك، قال: قال سلمة لعمر بن عبد الله: أي: ابن أبي خثعم روى عن يحيى كثير وعنه زيد بن الحباب ما شأن عثمان بن عفان، رضي الله عنه لم يُدفن معهم، أي: مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما فسكت ثم أعاد عليه، أي: السؤال فقال: إن الناس كانوا يومئذٍ أي: يوم قتله شهيدًا كانوا مُتشاغلين أي: في أمر الفتنة التي فصلناها في باب صلاة العيدين، وأمر الخطبة فشغلهم الله تعالى عن ذلك ودفن في البقيع مع سائر الصحابة هنالك، وكان صلى الله عليه وسلم قد أخبر بمن يكون معه في ذلك المقام بقوله كما في (المنتظم) لابن الجوزي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ينزل عيسى ابن مريم من السماء إلى الأرض ويتزوج ويمكث خمسة وأربعين سنة ثم يموت فيدفن معي في قبري أو في قبره فأقوم أنا وعيسى ابن مريم من قبر واحد أي: في محل واحد بين أبي بكر وعمر" كذا ذكره في (تحقيق النصرة).

ونقل أهل السير عن سعيد بن المسيب قال: بقي في البيت موضع قبر في السهوة الشرقية يدفن فيها عيسى ابن مريم ويكون قبره الرابع.

* * *

975 -

أخبرنا مالك، أخبرنا زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"مَنْ وُقِيَ شر اثنين ولج الجنَّة، فأعاد ذلك ثلاث مرات، مَنْ وُقِي شر اثنين ولج الجنَّة، ما بين لَحْيَيه وما بين رجليه".

• أخبرنا مالك، أخبرنا زيد بن أسلم، العدوي مولى عمر بن الخطاب يكنى أبا عبد الله وأبا أسامة المدني ثقة عالم يرسل، كان في الطبقة الثالثة من طبقات التابعين والمحدثين من أهل المدينة، مات سنة ست وثلاثين ومائة عن عطاء بن يسار، الهلالي يكنى أبا محمد المدني مولى ميمونة، ثقة فاضل صاحب مواعظ وعبادة، كان في الطبقة الثانية من صغار

(975) إسناده ضعيف: لإِرساله والحديث ثابت صحيح.

ص: 344

التابعين من أهل المدينة، مات سنة أربع وتسعين أنه قال مرسلًا بلا خلاف علمه عن مالك قاله ابن عبد البر رواه البخاري والترمذي موصولًا عن سهل بن سعد والعسكري وابن عبد البر والديلمي عن أنس، وجاء أيضًا عن أبي موسى كلهم بمعناه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي نسخة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ وُقِيَ بصيغة المجهول أي: من حفظه الله شر اثنين أي: من الأشياء ولج أي: دخل الجنَّة، أي: مع السابقين أو بغير عذاب فأعاد ذلك أي: المقول ثلاث مرات، أي: للمبالغة والتأكيد من وُقِي شر اثنين أي: عضوين من أعضاء الإِنسان ولج الجنَّة بفتح اللام أي: دخلها ثم بينهما بقوله أي: أحدهما ما بين لَحْيَيه بفتح اللام وسكون الحاء المهملة وتحتيتين أولهما فتح وثانيهما ساكن معناهما العظمان في جانب الفم وما بينهما هو اللسان.

وقال الداودي: المراد ما بين لحييه الفم بتمامه، فيتناول الأقوال كلها والأكل والشرب وسائر ما يأتي بالفم من النطق والفعل كتقبيل وعض وشم، وقال: من يحفظ من ذلك أمن الشر كله.

قال الحافظ: خفي عليه أنه بقي البطش باليدين وإنما محل الحديث على أن النطق باللسان أصل في حصول كل مطلوب فإن لم ينطق به إلا في خير سلم.

وقال ابن بطال: دل الحديث على أن أعظم البلايا على المرء في الدين لسانه وفرجه وثانيهما وما بين رجليه" أي: فرجه لم يصرح به استهجانًا بذكره واستيحاء؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان أشد حياء من البكر في خدرها كذا قاله الفاضل محمد الزرقاني (1).

* * *

976 -

أخبرنا مالك، قال: بلغني أن عيسى ابن مريم كان يقول: لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فتقسوا قلوبكم، فإن القلب القاسي بعيدٌ عن الله تعالى ولكن لا تعلمون، ولا تنظروا في ذنوب الناس كأنكم أرباب، وانظروا فيها

(1) في شرحه (4/ 522).

(976)

إسناده ضعيف.

ص: 345

كأنكم عبيد، فإنما الناس: مُبتلىً ومعافىً، فارحموا أهل البلاءِ واحمدوا الله على العافية.

• أخبرنا مالك، قال: أي: مالك بلغني أن عيسى ابن مريم كان يقول: لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله بل أكثر واذكر الله حتى يقول مخبول كما ورد وقد قال الله تعالى: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28] فتقسوا بالنصب قلوبكم، أي: بسبب الغفلة عن ذكر الله، وقال تعالى في سورة الزمر:{فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} الآية [الزمر: 22] فلا ينفعها عظة ولا يثبت فيها حكمة فإن القلب القاسي بعيدٌ عن الله أي: من رحمته تعالى ولكن لا تعلمون، أي: ذلك لغفلتكم وهذا قد جاء مرفوعًا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فإنه قسوة للقلب وإن أبعد الناس من الله القلب القاسي" رواه الترمذي (1) عن ابن عمر ولا تنظروا عطف على قوله: لا تكثروا في ذنوب الناس أي: في عيوبهم كأنكم أرباب، أي: سادات وانظروا فيها أي: في ذنوبكم كما في (الموطأ) لمالك برواية يحيى كأنكم عبيد، أي: يخافون إطلاع ساداتهم على ذنوبهم فيحذرون فإنما الناس: مُبتلىً أي: بالذنوب ومعافىً، أي: يتجاوزون عنها فإنهم لا يخلون عن الحالين فارحموا أهل البلاءِ أي: بنحو الدعاء برفعه عنهم وعدم النظر إلى ذنوبهم وهتكهم بها واحمدوا الله على العافية أي: صحة أبدانكم وسائر النعم ليديم ذلك عليكم قال تعالى في سورة إبراهيم: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7].

* * *

977 -

أخبرنا مالك، حدثني سميّ مولى أبي بكر، عن أبي صالح

(1) الترمذي (2411) وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث إبراهيم بن عبد الله بن حاطب.

(977)

حديث صحيح أخرجه البخاري (3/ 10)(4/ 71)(7/ 100) ومسلم في الإِمارة (179) وابن ماجه (2882) وأحمد في المسند (2/ 236) والدارمي (2/ 286) والبيهقي في الكبرى (5/ 259) والقضاعي في مسند الشهاب (225) وأبو نعيم في الحلية (6/ 344) والخطيب في تاريخه (2/ 53)(7/ 284)(10/ 94) وابن عدي في الكامل (1/ 302)(3/ 904)(4/ 1446)(5/ 1684) والعقيلي في الضعفاء (2/ 69).

ص: 346

السمَّان، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"السَّفر قطعة من العذاب، يمنع أحدكم نَومَه وطعامه وشرابه فإن قضى أحدكم نَهمته من وجهه، فليعجل إلى أهله".

• أخبرنا مالك حدثنا وفي نسخة: حدثني بالإِفراد سميّ بضم السين المهملة وفتح الميم وتشديد التحتية مولى أبي بكر، بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فقيه كان في الطبقة السادسة من طبقات التابعين والمحدثين، مات سنة ثلاثين ومائة مقتولًا كذا قاله ابن حجر (1).

قال ابن عبد البر: تفرد به مالك عن سمي فلا يصح لغيره عنه، وانفرد به سمي أيضًا فلا يحفظ عن غيره وليس له غير هذا الإِسناد من وجه يصح.

وقال الحافظ: كذا في (الموطأ) لمالك وصرح يحيى النيسابوري عن مالك بتحديث سمي له، وشذ خالد بن مخلد فقال: مالك عن سهيل بدل سمي أخرجه ابن عدي، وذكر الدارقطني أي: ابن الماجشون رواه عن مالك عن سهيل وأنه وهم فيه رواية عن ابن الماجشون، وقد خالفه غيره عنه فقال: عن سمي وهو المحفوظ عن مالك، والحديث مسند صحيح ثابت احتياج الناس فيه إلى مالك، ورواه عتيق بن يعقوب عن مالك عن أبي النضر أخرجه الدارقطني والطبراني وأخرجه ابن عبد البر: من طريق أبي مصعب عن عبد العزيز الداروردي عن سهيل عن أبيه وهذا يدل على أن له في حديث سهيل أصلًا وأن سميًا لم ينفرد به عن أبي صالح السمَّان، وهو ذكوان بن صالح السمان الزيات المدني، ثقة ثبت كان يجلب الزيت إلى الكوفة، وكان في الطبقة الثالثة من طبقات التابعين والمحدثين من أهل المدينة، مات سنة إحدى ومائة كذا في (تقريب التهذيب) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "السَّفر قطعة أي: جزء من العذاب، أي: من الألم الناشئ عن المشقة لما يحصل في الركوب والمشي من ترك المألوف كالحر والبرد (ق 987) والخوف وخشونة العيش ولفراق الأحباب سئل إمام الحرمين حيث جلس موضع أبيه لم كان السفر قطعة من العذاب؟ فأجاب على الفور: لأن فيه فراق الأحباب يمنع أحدكم نَومَه وطعامه وشرابه بنصب الثلاثة بنزع الخافض، أو على أنه مفعول ثان ليمنع؛ لأنه يطلب مفعولين

(1) التقريب (1/ 256).

ص: 347

كأعطى وفصله عما قبله استئنافًا كالجواب لمن قال: لم كان ذلك؟ فقال: يمنع أي: وجه التشبيه الاشتمال على المشقة وقد جاء التعليل في رواية أبي سعيد المقبري ولفظه: "السفر قطعة من العذاب"؛ لأن الرجل يشتغل فيه عن صلاته وصيامه فذكر الحديث، والمراد منع الكمال لا الأصل فإن قضى أحدكم نَهمته بفتح النون وسكون الهاء وفتح الفوقية أي: حاجته بأن بلع همته وفرغ من وجهه، أي: من طريق سفره ومن مقصده، ولابن عدي في حديث ابن عباس رضي الله عنهما:"فإذا قضى أحدكم وطره من سفره"، وفي رواية رواد:"فإذا فرغ أحدكم من حاجته" فليعجل بضم التحتية وكسر الجيم مشددة أي: الرجوع إلى أهله فحذف المفعول.

وفي رواية عتيق: "فليعجل الرجوع إلى أهله" فإنه أعظم لأجره، وفي الحديث كراهة التغرب على الأهل بلا حاجة، وندب استعمال الرجوع لا سيما من يخشى عليهم الضيعة، ولما في الإِقامة عن الراحة المعينة على صلاح الدين والدنيا وتحصيل الجماعات والقوة على العبادة، قال ابن بطال: ولا تعارض بين الحديث وحديث ابن عمر مرفوعًا: "سافروا تصحوا" لأنه لا يلزم من الصحة بالسفر لما فيه من الرياضة أن لا يكون قطعة من العذاب لما فيه من المشقة، فصار كالدواء المر المعقب للصحة وإن كان تناوله كراهة.

* * *

978 -

أخبرنا مالك، أخبرنا يحيى بن سعيد، عن سالم بن عبد الله، قال: قال عمر بن الخطاب: لو علمتُ أن أحدًا أقوى على هذا الأمر مني لكان أن أقدّم فيُضرب عنقي أهون عليَّ، فمن وَلِي هذا الأمر فليعلم أن سيرده عنه القريبُ والبعيدُ، وايمُ الله إن كنتُ لأقاتل الناس عن نفسي.

• أخبرنا مالك، أخبرنا يحيى بن سعيد، بن قيس الأنصاري المدني، يكنى أبا سعيد القاضي، ثقة ثبت كان في الطبقة الخامسة من طبقات التابعين والمحدثين من أهل المدينة، مات سنة أربع وأربعين ومائة عن سالم بن عبد الله، بن عمر بن الخطاب القرشي، يكنى أبا عمر أو أبا عبد الله المدني، أحد الفقهاء السبعة كان ثبتًا عابدًا فاضلًا، وكان يشبه بأبيه

(978) إسناده صحيح.

ص: 348

في الهدى والسمت، وكان في الطبقة الثالثة من طبقات كبار التابعين المحدثين من أهل المدينة، مات في آخر سنة ست بعد المائة أنه قال: قال عمر بن الخطاب: رضي الله عنه لو علمتُ أن أحدًا أقوى على هذا الأمر مني أي: لو أصلح لأمر الخلافة لكان أن أقدّم أي: أمسك بين يدي الناس فيضرب عنقي أهون عليَّ، أي: أسهل وأحسن كون أمر الإِمارة أمر وأصعب وأخشن.

والحاصل: إن تعينت في قبول هذا الأمر الكثير الخطر فمن وَلِي هذا الأمر بعدي أي: بعد موتي فليعلم أي: يقينًا كون اللازم عليه أن سيرده عنه أي: عن نفسه باللطف لا بالعنف القريبُ أي: أهل بلده والبعيدُ، أي: غيرهم، أو المراد بهما الأقارب والأجانب أي: الصديق والعدو وايمُ الله إن كنتُ (ق 988) أي: قد كنت في أيام خلافتي لأقاتل الناس أي: خاصة وعامة عن نفسي أي: حتى لا يكون لأحد عليّ اعتراض في ديني وعرضي.

* * *

979 -

أخبرنا مالك، أخبرني مُخْبِرٌ، عن أبي الدرداء، قال: كان الناس ورقًا لا شوك فيه، وهو اليوم شوك لا ورق فيه، إن تركتهم لم يتركوك، وإن نقدتهم نقدوك.

• أخبرنا مالك، أخبرني مُخْبِرٌ، عن أبي الدرداء، رضي الله تعالى عنه قال: كان الناس أي: الأولون المهاجرون والأنصار ورقًا أي: كورق لا شوك فيه، أي: لا ضرر في صحبتهم بل كان محض الخير في رؤيتهم وهو أي: الناس الموجودون اليوم أي: في هذا الزمان شوك أي: مشهورون بالشوك الذي في قربهم الضرر لا ورق فيه، أي: لا منفعة فيه صحبتهم ومع هذا إن تركتهم أي: في حالهم لم يتركوك، أي: في حالك وإن نقدتهم أي: تكلمت في حقهم بالحق نقدوك أي: تكلموا في حقك بالباطل.

والحاصل: أن الخلق يشغلونك عن العبادة بل يمنعوك منها بل يوقعونك في الشر والفساد وعلى ما قاله حاتم الأصم: طلبت من هذا الخلق خمسة أشياء: فلم أجد ما طلبت منهم الطاعة، والزهادة، فلم يفعلوا، فقلت: أعينوني عليها إن لم تفعلوا فلم يفعلوه، فقلت: أرضوا عني إن فعلت فلا تفعلوا، فقلت: لا تمنعوني عنها إذن فمنعوا، فقلت: لا تدعوني إلى طلب الدنيا وإلى ما لا يرضي المولى، ولا تعادون عليها إن لم أتابعكم فلم

ص: 349

يفعلوا، فتركتهم واشتغلت بخاصة نفسي، وفي الخبر المشهور عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: بينا نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ذكرت الفتنة فقال: "إذا رأيتم الناس حرجت عهودهم وخفت أمانتهم، وكانوا هكذا" وشبك بين أصابعهم، قلت: ما أصنع عند ذلك جعلني الله فداك، قال:"الزم بيتك واملك عليك لسانك وخذ ما تعرف ودع ما تنكر وعليك بأمر الخاصة ودع أمر العامة"، وقد قال الثوري: والله الذي لا إله إلا هو لقد حلَّت العزلة في هذا الزمان.

قال الغزالي: إن حلَّت في زمانه ففي زماننا وجبت.

وقال الثوري أيضًا: هذا زمان السكون ولزوم البيت والرضا بالقوت إلى أن يموت.

* * *

980 -

أخبرنا مالك، أخبرنا يحيى بن سعيد، أنه سمع سعيد بن المسيَّب يقول: كان إبراهيم أول الناس؛ ضَيَّفَ الضيفَ، وأوَّل الناس اختتن، وأول الناس قصّ شاربه، وأول الناس رأى الشيب، قال: يا رب ما هذا؟ فقال الله عز وجل له: وَقَارٌ يا إبراهيم، قال: يا رب زدني وقارًا.

• أخبرنا مالك، أخبرنا يحيى بن سعيد، أنه سمع سعيد بن المسيَّب يقول: كان إبراهيم أول الناس؛ أي: سبقهم في أنه ضَيَّفَ الضيفَ، كما أشار إليه قوله تعالى:{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ} [الذاريات: 24] ولعل المراد أنه أول من أكرم الضيف أو أنه لم يأكل من دون الضيف وأوَّل الناس اختتن، أي: بقدومه كما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه يرفعه: "اختتن إبراهيم عليه السلام وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم"، وروى ابن عدي والبيهقي عنه يرفعه:"أول من اختتن إبراهيم عليه السلام وهو ابن عشرين ومائة سنة ثم عاش بعد ذلك ثمانين سنة واختتن بالقدوم" وأخرجه الحاكم والبيهقي وصححاه موقوفًا على أبي هريرة، والقدوم بفتح الكاف وضم الدال المهملة وسكون الواو والميم الحديد، آلة النجار لما جاء أنه اختتن به واشتد عليه الألم فدعى وبه أوحى الله إليه إنك عجلت قبل أن آمرك بالآلة، قال: يا رب كرهت أن أؤخر أمرك حين أمرتني وأول الناس قصّ (ق 989) شاربه، كما أشار إليه قوله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى

(980) إسناده صحيح.

ص: 350

إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ} [البقرة: 124] فأدى حقه الكلمات المأمورات وقام بهن في أتم الحالات.

قال طاوس عن ابن عباس: ابتلاه بعشرة أشياء هي: الفطرة خمس في الرأس، وأول الناس قص شاربه، وكذا المضمضة والاستنشاق، والسواك، وفرق الرأس، وخمس في الجسد، تقليم الأظافر، ونتف الإِبط، وحلق العانة، والختان، والاستنجاء بالماء، وأول الناس رأى الشيب، قال: يا رب ما هذا؟ أي: الشيب فقال الله عز وجل له: وَقَارٌ يا إبراهيم، قال: يا رب زدني وقارًا زاد البيهقي وابن عدي عن أبي هريرة يرفعه: "وأول من قص الأظافير".

* * *

981 -

أخبرنا مالك، أخبرنا يحيى بن سعيد، أنه سمع سعيد بن المسيَّب، يحدثه عن أنس أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كأني أنظر إلى موسى يهبط من ثنيّة هرْشى، ماشيًا عليه ثوب أسود".

• أخبرنا مالك، أخبرنا يحيى بن سعيد، أنه سمع سعيد بن المسيَّب، يحدثه عن أنس رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كأني أنظر إلى موسى يهبط أي: ينزل من ثنيّة هرْشى، أي: عقبتها وهي بين مكة والمدينة كما في (النهاية) ماشيًا كذا في الأصل لمحمد بن الحسن الشيباني لعله ملبيًا عليه ثوب أسود" فيه جواز لبس السواد.

* * *

982 -

أخبرنا مالك، أخبرنا يحيى بن سعيد، أنه سمع أنس بن مالك يقول: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار ليقطع لهم بالبَحْرين، فقالوا: لا والله، إلا

(981) صحيح: أخرجه مسلم في الإِيمان (269) وابن ماجه (2891).

(982)

صحيح: أخرجه البخاري (3/ 150)(4/ 215، 387) ومسلم في الزكاة (139) والنسائي (8/ 225) والترمذي (2190) وأحمد (1/ 119، 433)(9/ 60) والبيهقي (6/ 145)(8/ 159)(10/ 131) والطبراني (10/ 118) وأبو نعيم في الحلية (4/ 146) والحميدي في مسنده (1195).

ص: 351

أن تقطع لإِخوانِنا من قريش مثلها، مرتين أو ثلاثًا، فقال:"إنكم سترون بعدي أثَرةً فاصبروا حتى تلقوني".

• أخبرنا مالك، أخبرنا يحيى بن سعيد، أنه سمع أنس بن مالك يقول: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار ليقطع لهم أي: من إقطاع الأراضي بالبَحْرين، أي: وهو اسم بلد قريب بالبصرة فقالوا: لا والله، أي: لا نرضى عطيتنا إلا أن تقطع لإِخواننا من قريش أي: من المهاجرين مثلها، أي: نظير عطيتنا مرتين أو ثلاثًا، أي: ثلاث مرات فإن لهم علينا فضلًا وهذا من كمال علمهم وزهدهم كما أشار إليه قوله تعالى في سورة الحشر: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9] فقال: أي: النبي صلى الله عليه وسلم "إنكم سترون بعدي أي: بعد موتي أثَرةً بفتحتين والمعنى أنه يتأثر عليكم فيفضل غيركم في نصيبه من الغنى أو في استحقاقه من مناصبه العلية كالإِمارة والإِمامة والقضاء والخطابة فاصبروا حتى تلقوني" أي: يوم القيامة على حوضي كما في رواية.

وحاصله أن أجركم على الله في العقبى بما تصبرون على ما تكرهون في الدنيا، والحديث رواه أحمد (1) والشيخان (2) والترمذي (3) والنسائي (4) عن أسيد بن حضير وأحمد والشيخان عن أنس بلفظ:"إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني غدًا على الحوض".

* * *

983 -

أخبرنا مالك، أخبرنا يحيى بن سعيد، أخبرني محمد بن إبراهيم التيمي، قال: سمعتُ علقمة بن وقاص يقول: سمعتُ عمر بن الخطاب يقول: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما الأعمال بالنيّة، وإنما لامرئٍ ما نوى،

(1) أحمد (1/ 119، 433).

(2)

البخاري (3/ 150) ومسلم (الزكاة / 139).

(3)

الترمذي (2190).

(4)

النسائي (8/ 225).

(983)

إسناده صحيح: أخرجه البخاري (1) وغيره.

ص: 352