الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(ق 873) الأنصاري المدني، يكنى أبا سعيد القاضي ثقة ثبت، كان في الطبقة الخامسة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات سنة أربع وأربعين ومائة أنه سمع سعيد بن المسيَّب كان في الطبقة الأولى من طبقات التابعين من أهل المدينة يقول: من أعتق وليدة أي: جارية عن دُبُرٍ منه؛ أي: بعد موته فإنَّ له أن يطأها وقال الزهري ومالك: في رواية لا توطء.
وقال الأوزاعي: إن كان لا يوطئها قبل التدبير لا يطؤها بعده وأن يتزوجها، أي: غيره وليس أن يبيعها ولا يهبها، أي: لأحد وولدُها بمنزلتها أي: فإن الحمل يتبع أمه في الملك والعتق وفروعه ومنها التدبير، ومذهب الشافعي أن المدبر إذا ولدت من نكاح أو زنى لا يصير ولدها مدبرًا، وأن الحامل إذا دبر جاء ولدها مدبرًا، وعن أحمد وجابر بن زيد وعطاء لا يتبعها ولدها في التدبير حتى يعتق بموت سيدها.
قال محمد: وبه نأخذ، وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا.
لما فرغ من بيان حكم بيع المدبر، شرع في بيان حكم الدعوى والشهادة، فقال: هذا
* * *
باب الدعوى والشهادات وادعاء النسب
في بيان حكم الدعوى، وهو مشتق من الدعاء، وهو الطلب به في الشرع: قول يطلب الإِنسان إثبات حق على الغير والشهادات، وهو في الشريعة: أخبار عن عيان لفظ الشهادة في مجلس القاضي بحق للغير على آخر، والإِخبارات ثلاثة إما بحق للغير على آخر وهو الشهادة، أو بحق للغير على آخر وهو الدعوى، أو بالعكس وهو الإِقرار كذا قاله السيد محمد الجرجاني وادعاء النسب.
845 -
أخبرنا مالك، أخبرنا الزهري، عن عُروة بن الزبير، عن عائشة: أنها قالت: كان عُتبة بن أبي وقَّاص عهد إلى أخيه سعد بن أبي وقاص أن ابن
(845) صحيح: أخرجه البخاري (2053) و (2745)(4303) ومسلم في الرضاع باب الولد للفراش وتوقي الشبهات، وأبو داود (2273) والنسائي (6/ 180) وابن ماجه (2004) والدارقطني (4/ 241) والبيهقي في الكبرى (6/ 86).
وَلِيدةِ زَمْعَة مني، فاقبِضهُ إليك، قالت: فلما كان عامُ الفتح أخذه سعد، وقال: ابن أخي قد كان عهد إليَّ فيه أخي، فقام إليه عَبْدُ بن زمعة، وقال: أخي ابن وليدة أبي، وُلد على فراشه، فتساوقا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال سَعْد: يا رسول الله، ابن أخي قد كان عهد إليَّ فيه أخي عُتبة، وقال عبدُ بن زمعة: أخي وابن وَلِيدة أبي، وُلِدَ على فراشه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هو لك يا عبدُ بن زمعة"، وقال:"الولد للفراش وللعاهر الحَجَر"، ثم قال لسودة بنت زمعة:"احتجبي منه"، لِمَا رأى من شَبهه بعتبة، فما رآها حتى لقي الله عز وجل.
قال محمد: وبهذا نأخذ، والولد للفراش وللعاهر الحجر، وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا.
• أخبرنا مالك، أخبرنا الزهري، أي: محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب القرشي الزهري، يكنى أبا بكر الفقيه الحافظ، متفق على جلالته وإتقانه، وهو كان في الطبقة الرابعة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات سنة خمس وعشرين ومائة عن عُروة بن الزبير، بن العوام بن خويلد الأسدي المدني، يكنى عبد الله المدني ثقة فقيه مشهور، كان في الطبقة الثانية من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات سنة أربع وتسعين على الصحيح: كذا قاله في (تقريب التهذيب) عن عائشة: رضي الله عنها أنها قالت: كان عُتبة بضم المهملة وسكون الفوقية ابن أبي وقَّاص روى مالك عن الزهري أن عتبة مات على شركه كما جزم به الدمياطي والسفاقسي وغيرهما.
قال ابن حجر في (الإِصابة): لم أر من ذكره من الصحابة إلا ابن منده، واشتد إنكار أبي نعيم عليه في ذلك، وقال: هو الذي كسر رباعية النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد، ما علمت له إسلامًا بل روي عبد الرزاق من مرسل سعيد بن المسيب ومعتصم بن عتبة أنه صلى الله عليه وسلم دعا على عتبة يومئذ إذ لا يحول عليه الحول حتى يموت كافرًا، فما حلَّ عليه الحول حتى مات كافرًا إلى النار، وروى (ق 874) الحاكم بإسناد فيه مجاهيل عن حاطب بن أبي بلتعة أنه لما رأى ما فعل عتبة قال: يا رسول الله من فعل بك هذا قال: "عتبة" قلت: أين توجه فأشار إلى حيث توجه، فمضيت حتى ظفرت به فضربته بالسيف فطرحت رأسه فنزلت، فأخذت
رأسه وسيفه وجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إلى ذلك ودعا لي فقال: "رضي الله عنك" مرتين وهذا لا يصح؛ لأنه لو قتل كيف كان يوصي أخاه سعدًا، وقد يقال: لعله ذكر ذلك له قبل وقوع الحرب احتياطًا.
وبالجملة فليس في شيء من الآثار ما يدل على إسلامه بل فيها ما يطرح بموته على الكفر، فلا معنى لإِيراده في الصحابة وقد استدل ابن منده بما لا دلالة فيه على إسلامه، وهو قوله: كان عتبة بن أبي وقاص عهد بفتح العين المهملة وكسر الهاء أي: أوصى إلى أخيه سعد بن أبي وقاص وهو أحد العشرة المبشرة بالجنة، وأول من رمي بسهم في سبيل الله وأحد من فداه صلى الله عليه وسلم بأبيه وأمه، وروى ابن إسحاق عنه: ما حرصت على قتل رجل قط حرصي على قتل أخي عتبة، لما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد كفاني من قوله صلى الله عليه وسلم:"اشتد غضب الله على من دمى وجه رسوله" أن ابن وَلِيدةِ بفتح الواو وكسر اللام الممدودة أو جارية زَمْعَة بفتح الزاي وسكون الميم، وقد تفتح مني، أي: ابنى بسبب ذنى بها صدر عني فاقبِضهُ بهمزة وصل وكسر الموحدة إليك، أي: فخده متصرفًا فيه، فإن أمره راجع إليك ونفقته وتربيته واجب عليك، وأصل هذه القصة أنه كانت لهم في الجاهلية إماء يزنين، وكانت ساداتهن تأتيهن في خلال ذلك فإذا أتت إحداهن بولد فربما يدعيه السيد، وربما يدعيه الزاني، فإذا مات السيد ولم يكن ادعاه ولا أنكره فادعاه ورثته لحق به، إلا أنه لا يشاركه مستلحقه في ميراثه إلا أن يستحقه قبل القسمة، وإن كان أنكره السيد لم يلحق به وكان لزمه ابن قيس أمة على ما وصف عليها ضربة، وهو يلم بها حمل كان يطف أنه من عتبة أخي سعد فعهد عتبة إلى أخيه سعد قبل موته أن يستلحق الحمل الذي بأمة زمعة قالت: أي: عائشة فلما كان عامُ الفتح أي: فتح مكة برفع عام اسم كان، وفي رواية بنصبه بتقدير في أخذه سعد، أي: بناء على وصية أخيه وقال: أي: سعد هو ابن أخي أبي عتبة.
وفي رواية معمر عن الزهري: فلما كان يوم الفتح رأى سعد الغلام فعرفه بالشبه فاحتضنته إليه وقال: ابن أخي ورب الكعبة قد كان عهد إليَّ فيه أخي، أي: في حقه وأخذه فقام إليه أي: سعد عَبْدُ بلا إضافة ابن زمعة بن قيس القرشي العامري أسلم يوم الفتح روى ابن أبي عاص بسند (ق 875) حسن عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تزوج سودة بنت زمعة فجاء أخوها عبد بن زمعة من الحجر فجعل يحثوا التراب على رأسه، فقال بعد أن أسلم: إني لسفيه يوم أحثوا التراب على رأسي أن تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بسودة أختي.
قال أبو عمر بن عبد البر: كان من سادات الصحابة رضي الله عنهم وقال: أخي أي: هو أخي ابن وليدة أبي، أي: ابن جارية أبي وُلد بضم الواو وكسر اللام على فراشه، كناية عن ملكه ويجب تصرفه كأنه سمع أن الشرع أثبت حكم الفراش فاحتج به، وقد كانت عادة الجاهلية إلحاق النسب بالزنا، وكانوا يستأجرون الإِماء للزنا: فإن اعترفت الأم أنه له لحق به ولم يقع ابن وليدة زمعة في الجاهلية، إما لعدم الدعوى، وإما لأن الأمة لم تعترف بعتبة، وقيل: كانت موالي الولائد يخرجوهن للزنا ويضربون عليهم الضرائب، وكان وليد زمعة كذلك.
قال الحافظ: والذي يظهر من سياق القصة أنها كانت أمة متفرشة لزمعة أي: مملوكة لها فزنى بها عتبة، وكانت عادة الجاهلية في مثل ذلك أن السيد إذا استلحقه لحقه، وإن نفاه انتفى عنه، وإن أعاده غيره رد ذلك إلى السيد فظهر بها حمل ظن أنه من عتبة فأختصما فيها فتساوقا أي: تدافعا بعد تخاصمهما وتنازعهما في الولد أي: ساق كل منهما صاحبه فيما ادعاه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحاصله إنما ترافعا إليه صلى الله عليه وسلم فقال سَعْد: يا رسول الله، ابن أخي قد كان عهد إليَّ فيه أخي عُتبة، وقال عبدُ بن زمعة: أخي وابن وَلِيدة أبي، وُلِدَ على فراشه، وللقعنبي: فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ابن وليدة زمعة فإذا هو أشبه الناس بعتبة بن أبي وقاص فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: زاد القعنبي "هو أخوك يا عبدُ بن زمعة"، بضم الدال على الأصل، ويروى بفتحها ونصب نون ابن على الوجهين، وسقط في رواية النسائي أداة النداء فيبني على ذلك بعض الحنفية فقال: إنما ملكه إياه؛ لأنه ابن أمة أبيه لا أنه ألحق به قال عياض: وليس كما زعم فالرواية إنما هي بالياء على تسليم إسقاطها، فعبد هنا علم والعلم يحذف حرف النداء ومنه {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} [يوسف: 29] انتهى.
ولذا قالت طائفة: هؤلاء أي: هو أخوك كما ادعيت قضى ذلك بعلمه؛ لأن زمعة كان صهره ففراشه كان معروفًا عنده صلى الله عليه وسلم لا بمجرد دعوى عبد على أبيه بذلك ولم يثبت إقراره به، ولا تقبل دعوى أحد على غيره ولا لاستلحاق عبد له؛ لأن الأخ لا يصلح استلحاقه عند الجمهور، وفي القضاء بالعلم خلاف. قاله ابن عبد البر: على أن من خصائصه صلى الله عليه وسلم الحكم بعلمه.
وقال الطحاوي: معنى هو لك أي: بيدك تمنع منه من سواك، كما قال في اللقطة:"هي لك بيدك تدفع غيرك عنها حتى يأتي صاحبها" لا على أنها ملك ثم قال: أي: النبي
- صلى الله عليه وسلم تعميمًا (ق 876) للحكم بعد تخصيصه "الولد للفراش أي: وهو للمرأة، والعرب تكني عن المرأة بالفراش والمضجع والمرقد والمطية كل ذلك على سبيل التشبيه والتمثيل، فاللام في الفراش للعهد أي: للولد للحالة التي يمكن فيها الافتراش أن تأتي الوطء، فالحرة فراش بالعقد عليها مع إمكان الوطء والحمل، فلا ينتفي عن زوجها سواء أشبه أم لا ونجري بينهما الأحكام من أرث وغيره إلا بلعان والأمة إن أقر سيدها بوطئها أو ثبت بينة عند الحجازيين، وقال الكوفيون: إن أقر بالولد وللعاهر اسم فاعل أي: من عهد الرجل المرأة إذا أتاها للفجور، وعهدت وهي تعهدت إذا زنت، والعهر: الزنا، ومنه الحديث: "اللهم ابدل العهر بالعفة" كذا قاله عياض الحَجَر"، أي: الخيبة لا حق له في الولد، وقيل: المراد به الرجم يعني: أن الحجر بفتح الحاء المهملة وسكون الجيم بمعنى المنع عن الغير وبفتح الحاء والجيم بمعنى الحصى كذا في (القاموس)، وقيل: المراد به الرجم، وفيه أنه ليس كل زان يرجم وإنما يرجم المحصن وأنه لا يلزم من وجه نفي الولد عنه كذا نقله علي القاري عن السيوطي ثم قال أي: النبي صلى الله عليه وسلم لسودة بنت زمعة: أي: المؤمنين "احتجبي منه"، أي: من عبد الرحمن لِمَا بكسر اللام وخفة الميم أي لأجل ما رأى أي: وللتنبيه رواه من شَبهه البين بعتبة بن أبي وقاص قوله: احتجبي أمر ندبي أمرها النبي صلى الله عليه وسلم به ندبًا احتياطًا، لأنه في ظاهر الشرع أخذها حيث ألحق بأبيها، إلا أنه لما رأى الشبه البين خشي أن يكون من مائه فيكون أجنبيًا منها، فأمرها بالاحتجاب احتياطًا. كذا قاله النووي، قالت عائشة رضي الله عنها: فما رآها أي: عبد الرحمن حتى لقي الله عز وجل أي: مات قال عياض وغيره: قيل: هي على وجه الندب لا سيما في حق أزواجه صلى الله عليه وسلم وتغليظ أمر الحجاب عليهن وزيادتهن فيه على غيرهن.
قال القرطبي: فهو قوله لأم سلمة وميمونة، وقد دخل عليهم ابن أم مكتوم:"احتجبي منه" فقالت: إنه أعمى فقال صلى الله عليه وسلم: "أفعمياوان أنتما الستما تبصرانه"، وقال لفاطمة بنت قيس:"انتقلي إلى بيت ابن أم مكتوم تضعين ثيابك عنده فإنه لا يراك" فأباح لها ما منعه لأزواجه.
وقال المازري: لو ثبت أنه أخرها لعدم البينة وإقرار من يلزمه إقراره. كذا قاله الزرقاني (1).
(1) في شرحه (4/ 29).